رئيسيسياسة عربية

«حماس» تستوعب صدمة سقوط الاخوان رغم تأثرها العميق

بمقدور حركة «حماس» ان تقول كما قال لي احد قيادييها، انها موجودة كحركة مقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي قبل وصول الرئيس المصري (المعزول)  محمد مرسي الى رأس هرم السلطة في مصر بأكثر من ثلاثة عقود، وستظل في هذا الموقع ولن ينتزعها منه اي شيء حتى بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي.

الاكيد ان وضع هذه الحركة التي ظهرت الى حيز النضال الفلسطيني في النصف الثاني من عقد الثمانينيات وحجزت لها مكانة مرموقة، بعد دور نضالي شاق ومكلف، ليس في احسن حالاته بعد ان تكاتف الجيش المصري مع العديد من القوى المعادية لـ «الاخوان المسلمين» وازاحوا هذا التنظيم العريق عن دست السلطة في نهاية شهر حزيران (يونيو) الماضي.
فهذه الحركة التي لها علاقة نسب تنظيمية وفكرية وعقائدية بـ «الاخوان المسلمين» كونها ذراع هذا التنظيم الواسع الانتشار في الساحة الفلسطينية، تأثرت ولا ريب بشكل سلبي من جراء تطورات الاحداث المتسارعة في الساحة المصرية منذ نهاية الشهر الماضي وحتى الان والى اجل غير مسمى، وحدود هذا التأثر ممتدة ومتشعبة رغم مكابرة قيادة الحركة.

حصار غزة
قبل ايام قليلة، خرج احد الناطقين بلسان حركة «حماس» في غزة سامي ابو زهري داعياً الرأي العام العربي والاسلامي الى اوسع حملة لكسر الحصار المفروض على غزة، وخصوصاً من جهة البحر. هذه الدعوة ليست الاولى من نوعها، ولكن لها هذه المرة ابعاد اخرى مختلفة تماماً، وتتأتى من الوقائع الاتية:
1- ان معاناة غزة من جراء الحصار بدأت ترتفع وتعلو بعدما بادرت القوات العسكرية المصرية الى ردم الانفاق المتعددة بين اطراف صحراء سيناء وغزة وقطاعها، وهي كانت تمثل ما تمثل على صعيد رفد القطاع ودعمه، وبعدما بادرت السلطات المصرية الى اقفال معبر رفح الشريان الوحيد الذي يربط بين غزة والاراضي المصرية، واستطراداً العالم الخارجي كله.
2- ان اسم حركة «حماس» ما زال يتردد في اجهزة الاعلام المصرية الناطقة بلسان السلطة، او تلك الدائرة في فلك المعارضين لحكم الاخوان المسلمين والمناهضين لمحاولات العودة الى السلطة. وهذا التردد يتم بشكل سلبي من منطلق ان الحركة تدعم تنظيم الاخوان المسلمين وتؤيد جهودهم بغية العودة الى رئاسة الجمهورية.
واكثر من ذلك، تحدث هذا الاعلام المصري عن غرفة عمليات موجودة في غزة، وتضم ممثلين عن التنظيم المصري للاخوان وعن حركة «حماس» بغية ادارة المواجهات الجارية في صحراء سيناء بين الجيش المصري والمجموعات المسلحة ذات التوجه الاسلامي الجهادي.
وعليه، فإن الاعلام المصري جعل من حركة «حماس» هدفاً دائماً منذ اسقاط مرسي، وبالتحديد منذ التدابير التي قلبت المشهد السياسي المصري رأساً على عقب، واطاحت حكم الاخوان المسلمين الذين يصلون لاول مرة الى اعلى قمة هرم السلطة في مصر منذ تأسيسها على يد الشيخ حسن البنا في مدينة الاسماعيلية في عام 1927.
فالحركة، وفق هذا الاعلام، هي التي ساهمت في فتح ابواب السجون وتهريب الكوادر الاسلامية في نهاية عهد مبارك، وهي التي ارسلت مجموعات مدربة من عناصرها وكوادرها لتدريب المجموعات الميليشياوية التابعة لتنظيم «الاخوان المسلمين». وهي بالطبع اكثر من ذلك لدرجة انها باتت «مكسر عصا» المعارضين لمرسي وللاخوان ولتجربتهم القصيرة في الحكم.

عملية «شيطنة»
3- وعليه، نظمت عملية «شيطنة» لحركة «حماس» لتشويه تاريخها وابعادها عن دورها الاساسي كحركة مقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي، واظهرتها كبندقية جاهزة لدعم الاخوان اينما كانوا، تماماً كما تم تصويرها في سوريا كأحد الداعمين للمجموعات المسلحة المعارضة لنظام الرئيس السوري بشار الاسد.
ولم يعد خافياً ان محاولات كبيرة بذلت في لبنان بغية بلوغ امرين اساسيين: الاول اظهار حركة «حماس» في موقع الحليف والداعم للمجموعات المنتمية بشكل او بآخر الى ثقافة «جبهة النصرة» والمجموعات الاخرى القريبة منها، والثاني فصم عرى علاقتها بـ «حزب الله» وامتداداً ايران.
4- اضافة الى ذلك كله، بدا واضحاً ان الانقسام المصري حيال الحدث المصري الاخير اي غداة عزل الرئيس مرسي بين مؤيد لهذه العملية ومعارض لها من باب انها عملية انقلابية، زاد ايضاً في حراجة وضع حركة «حماس» التي بعد ان خرجت من سوريا بملء ارادتها، وقصمت عرى علاقتها التاريخية بنظام الرئيس الاسد، التجأت الى احضان عواصم عربية معينة باحثة عما كان يوفره لها حضور قيادتها في دمشق، ولكن هذه العواصم اتفقت على رؤية مشتركة لمآل الاوضاع في الساحة السورية، وبذلت جهوداً مشتركة لدعم المعارضة السورية، تناقضت رؤاها حيال الاحداث الاخيرة في مصر.
5- لا ريب في ان القيادة الفلسطينية الرسمية الموجودة في رام الله، بدأت تمارس نوعاً من «الشماتة» المضمرة حيال حركة «حماس» وحيال اخفاق رهاناتها السياسية، اذ حرصت هذه القيادة على بعث رسائل الى القيادة المصرية الجديدة تنطوي على تأييد الانقلاب الذي حصل في مصر. وقد تجلى ذلك اكثر ما يكون في بيان صدر عن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية اثر اجتماع عقدته في مقر السلطة الفلسطينية في رام الله برئاسة رئيس السلطة محمود عباس، واعلنت فيه صراحة «دعمها الكامل لمصر الشقيقة شعباً وقيادة ومؤسسات دولة في دفاعها المشروع عن امن مصر ومستقبلها وحق شعبها في ان يصون ارض مصر من الارهاب ومن التدخل الخارجي السلبي».

اوراق اعتماد متجددة
وهذا يعني بشكل او بآخر ان قيادة السلطة الفلسطينية بدأت بشكل مبكر تقديم اوراق اعتماد لعلاقة متجددة مع النظام المصري الجديد الذي اطاح حكم «الاخوان المسلمين» الحلفاء المفترضين لحركة «حماس» والاوصياء عليها والذين جعلوا لها مقاماً ومكاناً في القاهرة حيث تعقد مؤتمرها العام وتنتخب قيادتها الجديدة، فضلاً عن رعاية هؤلاء للحركة ابان اخر حرب اسرائيلية ضارية على غزة وقطاعها في العام المنصرم.
واذا كانت القيادة الرسمية الفلسطينية تسلك بذلك سلوكاً طبيعياً مع عاصمة اكبر دولة عربية، الا انها بذلك تعلن لمن يهمه الامر بأن العاصمة التي ابعدت عنها في السابق بفعل التغيير السياسي في قيادتها، ستعود اليها مجدداً وبمفعول رجعي مستعيدة المكانة المميزة التي كانت لها تاريخياً في هذه العاصمة ذات التأثير الكبير في الوضع العربي عموماً.
ومهما يكن من امر، بدت قيادة حركة «حماس» بعد التغيير الدراماتيكي الاخير في مصر انها في وارد اعادة النظر في خياراتها ورهاناتها السابقة لكي لا تبدو انها صارت اسيرة المفاجأة او انها باتت في وضع المحاصر العاجز عن الحراك واخذ القرار.

التكيف مع التطورات
لذلك فإن من يرصد سلوك واداء قيادة هذه الحركة في الايام القليلة الماضية، يجد بانها توشك على استيعاب المفاجأة وامتصاص الصدمة والتكيف مع التطورات وذلك من خلال الخطوات الاتية:
- على المستوى المصري، لم تظهر حركة «حماس» اسفها الكبير على سقوط الرئيس المصري مرسي والانهيار السريع لحكم «الاخوان المسلمين»  فهي برأت نفسها من كل التهم التي كالها لها الاعلام المصري، واكدت لمن يعنيهم الامر انها باقية كما كانت قبل وصول «الاخوان المسلمين» الى دست السلطة في مصر، حركة مقاومة متجذرة في بيئة شعبها الفلسطيني.
 – على المستوى اللبناني حرصت قيادة الحركة على امرين اساسيين: الاول انها ساهمت بشكل مباشر وقوي، وبناء في بذل جهود جبارة في النأي بالمخيمات الفلسطينية عن صراعات المحاور على الساحة اللبنانية، وهي صراعات اشتدت حماوة وارتفعت وتيرتها على خلفية الاحداث في سوريا. والثاني انها بقيت تحافظ على جسر علاقتها التاريخية بـ «حزب الله» من جهة، وبباقي الوان الطيف السياسي اللبناني المنضوي تحت لواء ما صار يعرف بقوى 14 اذار، فوازنت بين ماضيها وحاضرها، وباتت صديقة لكل الاطراف مستفيدة من سلبية العمل الفلسطيني في حقبة السبعينيات من القرن الماضي.
– بعد فتور ظاهر، اعادت «حماس» الحرارة الى علاقتها السابقة بطهران. وقد تجلى ذلك في بيروت نفسها حيث ظهرت قيادات الحركة في لبنان في العديد من احتفالات السفارة الايرانية، وخصوصاً خلال شهر رمضان المبارك الماضي وما بعده. وهذا الوضع جعل بعض الكتّاب والمحللين يتحدثون عن عودة الابن الضال، اي حركة «حماس»، الى الحضن الايراني.

مجاهرة
وبصرف النظر عن صحة هذا التشخيص، فالاكيد ان حركة «حماس» باتت تجاهر بعلاقتها بالمحور الذي كانت فيه لاكثر من ثلاثة عقود ولا تخفيها اطلاقاً.
- على مستوى العلاقة مع سوريا، صارت حركة «حماس» تتحدث صراحة عن استعدادها لاداء دور في ايجاد حل سياسي للازمة في سوريا، وتعرب عن استعدادها لمد اليد لخدمة هذا الهدف لحقن الدماء في سوريا.
– صار بامكان حركة «حماس» القول ان ما يخدم قضيتها هو ايجاد تسويات للتناقضات العربية والحيلولة دون انزلاق المجتمعات العربية الى المزيد من بؤر الفوضى والفلتان.
ومهما يكن من امر، فالاكيد ان حركة «حماس» استفادت سريعاً من الدرس، وسارعت الى التكيف مع الوقائع والمعطيات المستجدة وعدم الوقوع في فقدان التوازن.
ولكن يبقى السؤال المطروح بإلحاح: هل ستنجح فعلاً في تجاوز الاثار السلبية للمرحلة الماضية وتعود حركة «حماس» الى مواقعها سالمة؟.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق