تشكيل

«داخلي» غي لوكليرك بالابيض، الاسود والرمادي

اشكال هندسية  بسيطة وعناصر عادية منجزة  بمجموعة الوان، مختصرة جداً وتقتصر على الابيض والاسود والرمادي والابيض المكسور بالاسلوب التجريدي، تشكل منها معرض «داخلي» للفنان غي لوكليرك المستمر في غاليري اليس مغبغب الاشرفية – بيروت الى 30 اذار (مارس). الا ان هذه المجموعة (حوالي 15 لوحة بالالوان الزيتية باحجام متوسطة) وان بدت بسيطة ظاهراً، غير انها تستدعي كل تركيز المشاهد  للبحث عن القيمة الرمزية لهذه العناصر الحسية، ولا بد ان تتحول زيارته الاستطلاعية بالاساس الى بحثية – نقدية بامتياز.

بالنسبة الى الانسان المعاصر الذي اعتاد دائماً على ان تطالعه  في كل  معرض احاديث مشهدية جديدة فان العمل الذي يبدو في الظاهر مملاً يرضي رغبته لان غناه يعود الى كثرة ودقة تنوعه  التي تخلقها فوارق شديدة الدقة بالالوان.
اذاً بالنسبة الى المشاهد فان هذا النقص في الجرأة وروح المزاح ليس دائماً سهلاً، على عكس الرسام الذي يذهب الى بحث متواصل. من هنا نرى ان  الرسم عند لوكليرك  يشبه البحر او البحث الداخلي عن التناغم التام داخل مجموعة الوان مختصرة عن قصد، انها قيود بارعة يطورها  الاستاذ. والتجريد هنا ليس ابداً صنيع الصدفة بل على العكس، وليس نتيجة قرار عشوائي، فالتجريد عند هذا الرسام منطقي للغاية لدرجة انه يصعب ان يكون بهذا الاتقان.

ملاقاة موراندي
مما لا شك فيه، ودون قصد منا، فان رسومات غي لوكليرك تجعلنا نفكر باعمال جورجيو موراندي (1890-1964)، هذا الفنان الايطالي الذي بدأ الرسم بالاسلوب التكعيبي ثم المستقبلي وحتى الميتافيزيقي الى ان وصل خلال مرحلة لاحقة الى عمل تقريباً فونوتماتيك وذلك انطلاقاً من الصمت في محترفه. ومثله غي لوكليرك لا يلزمه اكثر من بضع عبوات وانابيب لينجز لوحة تلو الاخرى  مستطلعاً كل العناصر الرسمية لعالمه المختصر.
واذا سألنا عن موراندي ومتى يتلاقى معه فناننا نرى ان جورجيو موراندي Giorgio Morandi فنان ايطالي معروف، اختص بتصوير موضوعات الطبيعة الصامتة still life. وإلى هذا الجانب تعود أهم أعماله التصويرية التي أنجزها في حياته التي دامت نحو خمسٍ وسبعين سنة. ومعروف ان سيزان Cézanne وشاردان Chardin من أكثر الفنانين قرباً إلى نفسه المنكمشة والتي تميل إلى التفكير والتأمل.
عاش موراندي في بولونيا، حيث قام بتصوير بعض المناظر الطبيعية والأزهار، غير أن معظم أعماله تركزت – في هذا الاسلوب يلتقي مع لوكليرك – على ترتيبات بسيطة لمجموعة من القوارير، التي عالجها بدرجات Tones بنية كالحة قريبة من التلوين بلون وحيد monochrome. ومع ذلك فإن هذا التقشف اللوني في أعماله أضفى على أعماله وقعاً خاصاً محبباً تميزت به أعماله. وقد استثمر موراندي مجموعة من الموضوعات المختارة بدقة متناهية، مقتصرة على الجوهر وتعود إلى أشكال نموذجية أولية كالأسطوانة والكرة يحوط بهما فراغ مجرد من أي عنصر وصفي. وعلى الرغم من التجريد الحاضر أبداً، فإن تلك العناصر تحافظ على هويتها دوماً، فالمناظر الطبيعية الصامتة مغمورة بمحيط حميمي وشاعري إلى أقصى حد، ما يجعل أعماله مغلفة بسحر بيِّن لا يمكن إخفاؤه.
ويشبهه لوكليرك من ناحية الانتقال من اسلوب الى اخر، فقد تعلم موراندي من التكعيبية درساً نافعاً يتناسب ومزاجه المتعطش إلى الثبات والكون والنظام، واطلع على أعمال الفنان الإيطالي جورجيو دي كيريكو De Chirico الميتافيزيقية، وتأثر بها كثيراً، ولا سيما بميزاتها التطهيرية، وخلوها من التنميق المجاني.
تحقق أسلوب موراندي الخاص به مع بلوغه الثلاثين من العمر، وعلى غرار لوكليرك فزجاجاته وقواريره وأوانيه ومزهرياته ومناظره الريفية وقراه كانت تشكل موضوعات لعالم مألوف. وقد سمحت له عزلته وانزواؤه في مرسم داره بالتفرغ الكلي لذلك النطاق المحدود من العالم المرئي الذي صوره، وكان يقضي كل وقته في مرسمه ولا يخرج إلا لماماً. لم تكن له طريقة واحدة في صنع الصورة، وكأنه كان يختبر حدود الموضوع الفني وطريقة تقديمه.

عالم لوكليرك
وبالعودة الى فن لوكليرك نلاحظ انه بالحقيقة، كلما أمعن المشاهد النظر  فيه اقترب منه أكثر، وكلما تفحص عدداً أكبر من أعمالـه الفنية بدت كل لوحة من لوحاته مستقلة عن غيرها ومتميزة وفريدة.
غي لوكليرك مواليد 1940 بلجيكا، له عشرات المعارض الفردية في بلجيكا والعالم وله معارض عدة في لبنان بالتعاون مع غاليري اليس مغبغب عينها وله مساهمات في اعمال مسرحية مهمة وتشكل لوحاته جزءاً اساسياً من مجموعات خاصة في بلجيكا والمانيا وفرنسا وايطاليا وهولندا واللوكسمبورغ وسويسرا واسبانيا والولايات المتحدة ولبنان، كما من متاحف رسمية نذكر منها: متحف ايكسل، متحف براسوف للفنون الجميلة، والبرلمان البلجيكي.

كوثر حنبوري
 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق