رئيسيسياسة عربية

الديكتاتور القذافي… ذكرى مرعبة وارث ثقيل

الجداريات التي تسخر من معمر القذافي في شوارع المدن الليبية، ليست كل ما تبقى من ذكرى «العقيد». فارث الديكتاتور الذي قتل قبل اربع سنوات في انتفاضة شعبية، لا يزال يخيم على ليبيا التي فشلت حتى الان في استبدال نظام حكم الفرد والعائلة بدولة مؤسسات فعالة.

ويقول مايكل نايبي-اوسكوي، الخبير في شؤون الشرق الاوسط في مؤسسة ستراتفور الاستشارية الامنية الاميركية، لوكالة فرانس برس
«اختار القذافي ان يبني دولة تتمحور حول شخصه، ثم استخدم العامل العسكري معتمداً على عائدات النفط لقمع اي معارضة، بدل ان يبني دولة مؤسسات يمكن ان تستمر في غيابه».
ويضيف «لم تكن هناك دولة مؤسسات في ليبيا، الامر الذي دفع نحو السقوط في الفوضى عقب اطاحة القذافي»، مشيراً الى ان تبعات سياسات «الدولة المفككة» التي اوجدها القذافي «ستتواصل لعقود».
وقتل القذافي الذي عرف بتصرفاته غير المتوقعة وملابسه البدوية وخطاباته المطولة، في 20 تشرين الاول (اكتوبر) 2011 على يد مجموعة مسلحة في مدينة سرت، مسقط رأسه، بعدما حكم البلاد منذ كان في السابعة والعشرين من عمره اثر انقلاب عسكري ، ولاكثر من اربعة عقود.
ومنذ مقتله، تشهد ليبيا فوضى امنية وسياسية واقتصادية، اذ لم تستطع الحكومات المتعاقبة منذ الاعلان عن «التحرير الكامل”» من نظام القذافي في 23 تشرين الاول (اكتوبر) 2011، ترسيخ حكم ديموقراطي بمؤسسات فعالة، وهي عناوين نادت بها «الثورة».
ومنذ اكثر من سنة، تتقاسم الحكم في البلد المطل على البحر المتوسط والغني بالنفط والغاز، سلطتان، واحدة يعترف بها المجتمع الدولي مستقرة في شرق البلاد، واخرى لا تحظى بالاعتراف وتسيطر على معظم مدن غرب ليبيا، وبينها العاصمة طرابلس، بمساندة تحالف جماعات مسلحة تحت مسمى «فجر ليبيا».
ولم تؤت الجهود التي تقوم بها الامم المتحدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع الطرفين ثماراً حتى الآن.
ويقول نايبي-اوسكوي «اسم القذافي سيبقى عنواناً رئيسياً، خصوصاً مع محاكمة رموز نظامه وافراد عائلته، وعودة حوادث معينة الى الواجهة، مثل تفجير لوكربي».
نظرياً، كان نظام القذافي في «الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى» يقوم على «حكم الشعب»، اي ممارسة السلطة من خلال مؤتمرات شعبية تضم ممثلين عن كل المناطق. الا انه في الواقع، كان يختصر بالزعيم الليبي الذي اطلق على نفسه لقب «ملك ملوك افريقيا» وحكم بمزاجيته اكثر منه وفق قوانين «الكتاب الاخضر» الذي وضعه بنفسه حتى.

ورغم ذلك، فرض القذافي على ارض الواقع استقراراً امنياً لم تنعم به ليبيا منذ نهاية 2011 بعدما فشلت السلطات الجديدة في نزع اسلحة الجماعات التي قاتلت النظام السابق والتي باتت تتقاتل في ما بينها. كما لم تنجح في وضع دستور جديد للبلاد التي تستند حالياً الى اعلان دستوري مؤقت صدر في العام 2011.
ويوضح نايبي-اوسكوي «سيمر وقت طويل قبل ان تترسخ في ليبيا هوية وطنية موحدة ويعود اليها الاستقرار الامني الذي كانت تتمتع به خلال فترة حكم القذافي».
ويقول مسؤول حكومي في طرابلس رفض الكشف عن اسمه «نعمل منذ نهاية 2011 على التخلص من التركة الثقيلة التي خلفها الديكتاتور. لقد افسد كل شيء، من السياسة الى الاقتصاد الى المجتمع، وحتى الرياضة».
وكان القذافي جعل من النفط المحرك الاوحد للاقتصاد ولعائدات الدولة. واليوم، يدفع استمرار النزاع الاقتصاد نحو «الانهيار التام»، بحسب ما يحذر مسؤولون ليبيون، بعدما انخفضت صادرات النفط، المصدر الوحيد للايرادات في فترة ما بعد القذافي ايضاً، الى نحو 400 الف برميل يوماً، اي اكثر من النصف.
ويتابع المسؤول الحكومي «لم يمح مقتله ذكراه السيئة. سيظل حاضراً بيننا حتى نقضي على تبعات اربعين سنة من الفوضى. اتمنى الا نحتاج الى اربعين سنة اخرى لتخطي هذه التبعات».
واعيد الاسبوع الماضي تسليط الضوء على تفجير طائرة بان اميركان فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية في العام 1988 الذي راح ضحيته 270 شخصاً، بعدما اعلنت النيابة العامة في اسكتلندا تحديد هوية ليبيين جديدين يشتبه بتورطهما في التفجير.
ويعتقد ان احد المشتبه بهما الجديدين هو عبدالله السنوسي، رئيس المخابرات الليبية في عهد القذافي والذي حكم عليه بالاعدام في نهاية تموز (يوليو) الماضي الى جانب شخصيات اخرى من رموز النظام السابق، بينها نجل القذافي، سيف الاسلام، بتهمة المشاركة في قتل متظاهرين.
كما يتهم نظام القذافي بانه شرع الابواب امام الهجرة غير الشرعية الى السواحل الاوروبية التي لا تبعد سوى بضع مئات من الكيلومترات عن الساحل الليبي.
وتتطلع الدول الغربية والاتحاد الاوروبي خصوصاً الى تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا ترسخ لقيام دولة مؤسسات قادرة على مكافحة الهجرة غير الشرعية ومحاربة الجماعات المتطرفة التي وجدت في الفوضى الليبية موطىء قدم لها، ومن بينها تنظيم الدولة الاسلامية الذي يسيطر منذ اشهر على سرت (450 كلم غرب طرابلس).
في طرابلس، تنتشر على الجدران المقابلة لمجمع باب العزيزية الشهير، المقر السابق للقذافي والذي لم تبق فيه سوى بعض الابنية، رسوم تسخر من الديكتاتور السابق وتمجد «الثورة»، وبينها رسم له داخل صندوق للقمامة.
ويقول احمد الذي يملك محلا لبيع السجائر في منطقة المجمع «كنا نخاف حتى ان ننظر الى الاسوار. اليوم، تغير الوضع طبعاً، لكن الرهبة التي نشعر بها حين نمر قرب المجمع، لا تزال تذكرنا به».
ويتابع «قد تمر اجيال قبل ان يتخطى بعضنا شعور الرعب الذي زرعه فينا».

أ ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق