رئيسيسياسة عربية

القاهرة: زحف روسي لـ «انارة» نفق القاهرة – واشنطن المظلم

المدقق في تفاصيل المشهد على خط القاهرة – واشنطن السياسي يتوقف عند حالة يحار البعض في تشخيصها، ويعجز البعض الاخر عن قراءة تفاصيلها. عنوان المشهد القرار الاميركي بخفض قيمة المساعدات الاميركية الى مصر، وتفاصيله كيفية تفسير ذلك القرار، وما اذا كان يعني انحيازاً رسمياً من قبل الادارة الاميركية لحكم جماعة الاخوان، خصوصاً ان الكشف عنه رسمياً تم في اعقاب تسلم الحكومة المؤقتة لمهامها على انقاض حكومة «الجماعة».

الموقف الاميركي الذي بدا وكأنه كان راضياً عن تلك المجريات، رد بقرار خفض المساعدات التي تقدمها الخزانة الاميركية الى مصر منذ عقود عدة، معتبراً ان المساعدات مرهونة بـ «الاستقرار السياسي»، ورفض التفسير المصري الذي يقوم على فكرة ان المساعدات يجب ان تقدم للشعب المصري بغض النظر عن الحكومة التي تتولى ادارة شؤون البلاد. اما الحكومة المصرية المؤقتة فلم تقرأ القرار من الزاوية عينها، التي تحدثت عنها واشنطن، واعتبرت ان موقفها لا يخلو من قدر كبير من «النفاق»، وانه يمكن تفسيره بمحاولة لي ذراع الدولة بنسختها الجديدة. وفي الوقت نفسه كشفت بطريقة التلميح عن توافر بدائل من شأنها ان تدعم الخزينة وتوفر لها متطلبات الدعم بحيث تحل محل الدعم الاميركي السنوي. وهي تشير بذلك ليس الى المساعدات الخليجية التي تسلمتها او تلك التي ما زالت في الطريق، وانما الى مشروع الدعم الروسي الذي تكشف بعض ملامحه، والذي يتبناه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويراه بعض المحللين مشروعاً لاحلال روسيا محل الولايات المتحدة في ما يتعلق بمجالات التنسيق والتعاون بين البلدين. وترتفع اهمية الجدل في هذا الملف من بوابة التسريبات بأن الرئيس بوتين سيقوم بزيارة الى القاهرة لترسيخ مجالات التعاون، وبالتالي التأسيس لنفق غير مظلم بين القاهرة وموسكو بدلاً من النفق الذي دخلته علاقات القاهرة – واشنطن والتي يجمع المحللون على اعتبارها «استراتيجية»، وانها محكومة بقدر كبير من المصالح وبعلاقات متشابكة اساسها الرضى غير المعلن عن التطورات السياسية التي اقصت جماعة الاخوان عن الحكم.

مبادرات كبرى
في هذا السياق، كان الرئيس الاميركي باراك أوباما قد اعلن في ايار (مايو) 2011 عن مبادرات عدة كبرى لدعم الانتقال الديمقراطي في مصر، ومن خلال مبادرات عدة اضافية من ابرزها:
– إعفاء ما يصل إلى بليون دولار سنوياً من ديون مصر للولايات المتحدة وتوجيه هذه الأموال لمشروعات توفر فرصاً تعليمية واقتصادية جديدة للمصريين.
– تقديم ما يصل إلى بليون دولار في صورة قروض وضمانات أو كلتيهما لمشروعات بنية أساسية محتملة في قطاعي المياه والنقل.
– تقديم قروض بقيمة تصل الى 700 مليون دولار للمشروعات الصغيرة والمتوسطة الحجم لدعم نموها.
– تأسيس صندوق مشروعات مصري – أميركي للاستثمار في المشروعات الصغيرة والمتوسطة الواعدة لمساعدة هذه المشروعات على التوسع.
– بناء شركات تجارية واستثمار شرق أوسطية لزيادة التجارة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فضلاً عن الولايات المتحدة وأوروبا.
وبشكل تفصيلي هناك مبلغ يصل الى 2،7 مليار دولار يقدم سنوياً الى مصر عدا عن المساعدات العسكرية التي تناهز هذا الرقم. والتي ترفع حجم المساعدات الاميركية لمصر الى ما يزيد عن خمسة مليارات دولار، قبل ان تقرر ادارة اوباما تخفيض هذا الرقم، وسط معلومات تشير الى تجميد المساعدات العسكرية بشكل كامل، وتخفيض المساعدات الاقتصادية الى اقل من النصف. وهو القرار الذي قوبل بردة فعل قوية محورها اتهام البيت الابيض بالابتزاز، والرد بعدم الخضوع لاية مطالب اميركية على خلفية هذه الخطوة.
وفي هذا الصدد، يعتقد وزير الخارجية المصري نبيل فهمي أن بلاده قادرة على مواجهة تداعيات العلاقة مع أميركا، ويقول إن العلاقات المصرية – الأميركية تشهد تغييراً وتمر بحالة من عدم الاتزان منذ 1996، عندما خالفت إدارة الرئيس كلينتون التزاماً أميركياً سابقاً بأن تكون القوات المسلحة المصرية أولى المؤسسات العسكرية في المنطقة العربية المتلقية للتكنولوجيا العسكرية الحديثة. ويقول ان ذلك كان رد فعل أميركياً على مساندة مصر للرئيس عرفات والشعب الفلسطيني في مفاوضات صعبة مع إسرائيل. ويتوقف الرئيس اوباما عند هزات تعرضت لها العلاقات بين البلدين، ومنها احداث 11 ايلول (سبتمبر) 2001، عندما حاول الرئيس بوش الابن، إعادة رسم خريطة المنطقة العربية. وفي ما بعد في اعقاب ثورة 25 يناير . واخيراً بعد الثورة التصحيحية في 30 يونيو 2013 عندما أعلن الرئيس أوباما أن التطورات المصرية لا تسمح باستمرار إدارة العلاقات المصرية – الأميركية بالنمط الماضي عينه.

البديل السهل
ويضيف فهمي أن اعتماد مصر على المساعدات الأميركية طوال ثلاثين عاماً جعلنا نختار البديل السهل ولا ننوع خياراتنا، كما أن توفير هذه المساعدات على مدى ثلاثة عقود دفع الولايات المتحدة إلى المبالغة في الافتراض خطأ بأن على مصر التماشي دائماً مع سياساتها وأهدافها. مشيراً الى ان ذلك ادى إلى سوء تقدير من كلتيهما بمصالحهما واضطراب العلاقات كلما اختلفتا حول مواقف محددة. ويؤكد الوزير المصري في احاديث وتصريحات صحافية انه لم يفاجأ بالموقف الاميركي الأخير معتبراً ان القرار الاميركي غير صائب من حيث المضمون والتوقيت، وان مصر ستؤمن احتياجاتها المرتبطة بأمنها القومي بشكل مستقر ومتواصل. معترفاً بان العلاقة مع واشنطن تمر بمرحلة اضطراب. واعترف فهمي بان السياسة الخارجية المصرية تتجه إلى التنوع الدولي في كل الاتجاهات،  ومع الدول المؤثرة سياسياً بما في ذلك روسيا، وفي إطار تفكير استراتيجي، وتقدير واعٍ للاحتياجات، ومن منطلق توسيع البدائل المتاحة تعظيماً للمصالح الوطنية المصرية، وليس بهدف استبدال طرف دولي بطرف آخر.
واضاف: ان ذلك هو ما دفع الحكومة المؤقتة إلى إعادة توثيق العلاقات مع روسيا، وتنويع العلاقات مع القوى الاقتصادية. في تلك الاثناء، كشف سيرجي راشيني مدير قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الروسية سيرجي راشيني عن زيارة سيقوم بها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى القاهرة في أوائل شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ليتبعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بزيارة أخرى إلى مصر. واعرب راشيني عن قلقه العميق إزاء تجميد المساعدات الأميركية، مشيراً إلى أن مصر تحتاج الى مصادر بديلة، وان روسيا تعتزم تحديث وترقية تعاونها مع مصر، لمحاولة سد الفراغ الذي سبّبته الولايات المتحدة، ومتمنياً العودة الى الايام التي شهدت بناء سد اسوان.

عواصم – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق