سياسة عربية

مأساة الفلسطينيين في سوريا ترمم العلاقات بين دمشق والسلطة

لأن مأساة اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم في سوريا، بلغت ذروتها ولم يعد بالامكان تجاهل معاناتهم او صرف النظر عنها، أوفدت السلطة الفلسطينية احد قدامى القيادات في منظمة التحرير الفلسطينية زكريا الاغا الى دمشق اولاً، ثم عاد الى بيروت ليلقي الاضواء على حجم ما بلغته معاناة نحو 500 الف لاجىء فلسطيني يتوزعون على نحو 12 مخيماً في شتى انحاء سوريا، وهم يعيشون بين مطرقة المعارضة وسندان قوات النظام حيث تصفية الحسابات على اشدها وحيث المواجهات المتوالية فصولاً منذ نحو 26 شهراً لا ترحم مواطناً ولا لاجئاً لاي جنسية انتمى.

الرقم الذي اعطاه الاغا لدى عودته الى العاصمة اللبنانية ذكر ان هناك نحو 55 الف لاجىء فلسطيني نزحوا من سوريا الى لبنان، وتوزعوا على المخيمات المكتظة اصلاً او حطوا رحالهم في مجمعات البؤس والشقاء.
الى ذلك اعطى الاغا واقعية مأساوية اخرى يتم الحديث عنها للمرة الاولى، اذ كشف عن نحو 10 آلاف لاجىء فلسطيني هربوا من جحيم الوضع في الساحة السورية الى مصر، وفوق ذلك اوضح الموفد الفلسطيني عن ان معاناة اللاجئين الفلسطينيين ليست فقط بين ال
نازحين الى لبنان ومصر، بل ايضاً تتجسد في اوضاع اللاجئين الذين ما زالوا داخل مخيمات فلسطينية في سوريا، صارت خط تماس بين المعارضين وقوات النظام، وخصوصاً في مخيم اليرموك الواقع بين العاصمة السورية حيث قوات النظام تحكم قبضتها بشراسة وهي تدفع هجمات المقاتلين المعارضين عن العاصمة، والريف الدمشقي حيث المعارضة صنعت رأس جسر وبسطت سيطرتها على مساحات شاسعة وجعلتها قواعد للانطلاق في هجماتها شبه اليومية في ما اسمته: «معركة اسقاط دمشق». وبالطبع ثمة معاناة اخرى تخيم على مخيمات اخرى مثل مخيم النيرب بالقرب من حلب واماكن اخرى.

 عجز الاونروا
مأساة اخرى اشد وطأة تلقي بوطأتها الثقيلة على اللاجئين هي وطأة فقدان المغيث وعجز وكالة «الاونروا» الدولية عن القيام بالدور المنوط بها، وهو اغاثة هؤلاء اللاجئين كلما ألمت بهم مصيبة او حلت بهم كارثة.
مأساة اللاجئين الفلسطينيين ليست جديدة فعمرها من عمر اندلاع الازمة العاصفة والمدمرة في الساحة السورية، وهذه المأساة لها وجهان، الاول: هو الوجه الامني والعسكري والاجتماعي وفقدان المغيث او عجزه.
والوجه الثاني يتجسد في امرين اثنين: الاول يتمثل في انقسام اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بين قسم متعاطف مع نظام الرئيس بشار الاسد، وقسم اخر يتهمه النظام واجهزته السياسية والعسكرية بأنه انزلق
الى جانب المعارضين وبات بشكل او بآخر حليفاً لهم.
  والامر الثاني غياب المرجعية الفلسطينية التي يمكن لها ان تلعب دور المنسق بين التجمعات البشرية للاجئين والسلطات السورية حيث الكلمة الفصل تكون لها من جهة وبين هذه التجمعات والمجموعات المسلحة التي تقاتل بشراسة لاسقاط النظام، ولا سيما في المساحات والامكنة التي بسطت فيها هذه المجموعات هيمنتها ونفوذها بعدما اجبرت القوات الامنية للنظام على الانكفاء.
اسم مخيم اليرموك برز في وسائل الاعلام اكثر ما يكون كميدان لمواجهات شرسة بين قوات النظام ومجموعات المعارضة، وعلى خط هذه المواجهات دخل ايضاً اسم «اللجان الشعبية الفلسطينية» التي هي واجهة القوى والفصائل الفلسطينية لمواكبة النظام في سوريا وابرزها الجبهة الشعبية – القيادة العامة بزعامة احمد جبريل، و«فتح – الانتفاضة» و«قوات الصاعقة» و«جيش التحرير الفلسطيني». وعناصر هذه المجموعات، تولت بتوجيه من النظام الانتشار في المخيم ومواجهة المعارضين المسلحين الذين حاولوا دخول المخيم الذي تحول في الآونة الاخيرة الى منطقة سكنية تضم عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين ومن السوريين وسواهم.
ودارت معارك ومواجهات شرسة نجحت خلالها المعار
ضة في التقدم نحو احياء وشوارع في داخل المخيم مجبرة خصومها على التراجع. وثمة من تحدث عن مجموعات فلسطينية ذات خلفية اسلامية قاتلت الى جانب مجموعات المعارضة.

مواجهات شرسة
وفي كل الاحوال، تحول المخيم الى مسرح مواجهات شرسة لم تنفع معها كل محاولات تحييده واخلاء المسلحين المعارضين من الاحياء التي اقتحمتها سابقاً، فأدى ذلك الى وضع فوضوي ومأساوي واضطر عشرات الآلاف من اللاجئين الى النزوح بشكل جماعي والفرار من دائرة المعارك هائمين على وجوههم، خصوصاً وان المخيم صار شبه محاصر من قوات النظام، اما العيش تحت وطأة اوضاع امنية ومعيشية صعبة للغاية فإنه لا يخلو من المخاطر لا سيما عند الدخول الى المخيم والخروج منه.
اما مسألة فقدان المرجعية الفلسطينية المؤهلة متابعة اوضاع اللاجئين مع السلطات الرسمية المختصة، فلذلك قصة طويلة بدأت منذ عام 1982، وبالتحديد عندما اشتد الخلاف بين السلطات السورية ومنظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها آنذاك ياسر عرفات، ففي ذلك الحين بلغت الامور بين الطرفين حد القطيعة، حيث اقفلت كل مقرات ومكاتب ومعسكرات ومؤسسات حركة «فتح» ومنظمة التحرير الفلسطينية في كل انحاء سوريا.
وبعد نشوء حركة «حماس» في اواخر عقد الثمانينيات  وتحولها الى قوة اساسية على الساحة الفلسطينية غضت دمشق البصر عن كون هذه الحركة المناهضة بقوة وعزم ولدت من رحم الخصم الالد للنظام السوري اي تنظيم «الاخوان المسلمين» وفتح النظام السوري ابوابه لاحتضان هذه الحركة ذات التوجه الراديكالي.
ولاحقاً بعدما تم طرد هذه الحركة من الاردن، انتقلت قيادتها الى دمشق وصار رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل يقيم وبشكل دائم في العاصمة السورية ومعه العديد من الرموز القيادية للحركة والعديد من مؤسساتها ومراكزها المختلفة.

حركة «حماس»
وعليه، تعامل النظام في دمشق مع حركة «حماس» على اساس انها الممثل الشرعي للاجئين الفلسطينيين في سوريا بديلاً عن المرجعية الفلسطينية الرسمية الغائبة قسراً وهي منظمة التحرير، خصوصاً ان وضع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا هو وضع معقول قانونياً ومعيشياً حيث ان اللاجئين الفلسطينيين يحصلون على حقوق متعددة ليست في متناولهم في دول عربية اخرى باستثناء حق الترشح والانتخاب في الانتخابات النيابية.
وهكذا مع الخروج الطوعي او القسري لحركة «حماس» من دمشق مع رموزها القيادية اثر اندلاع الاحداث الدامية هناك، ومع اتخاذ هذه الحركة ضمناً وعلانية مواقف تعارض اداء النظام في سوريا وتجنح ضمناً الى التعاطف مع المعارضة السورية، واقامة قيادة «حماس» في الدوحة التي بينها وبين دمشق في الآونة الاخيرة ما صنعه الحداد، فإن اللاجئين الفلسطينيين في الساحة السورية صاروا تحت ضغوط ثلاثة عوامل هي:
- انهم بلا مرجعية فلسطينية تدافع عن حقوقهم وترعى اوضاعهم وتقوم بدور الرابط والمنسق مع السلطات السورية.
– ان قسماً منهم متهمون اما بممالأة النظام او بالتعاطف مع معارضيه لدرجة ان ثمة من هم كوادر في «حماس» يدربون المقاتلين في معسكرات داخل سوريا.
– ان بعض المخيمات الفلسطينية وخصوصاً اليرموك، قدر لها ان تتحول الى خطوط تماس عسكرية.
واللافت انه في وسط هذه المناخات كلها، نجحت السلطة الفلسطينية في اعادة مد قنوات التواصل مع النظام في سوريا، فذكرت معلومات اولاً ان السلطات السورية اعطت مكاتب ومقرات تابعة سابقاً لحركة «حماس» الى جهات فلسطينية محسوبة على حركة «فتح» ومنظمة التحرير، ثم كانت زيارة الاغا الى دمشق على رأس وفد موسع من كل الفصائل ولقائه نائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد.

مستقبل العلاقات
واذا كانت الصفة العامة للقاء هي البحث في الاوضاع الانسانية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في سوريا، ومعاناتهم تحت وطأة استمرار الاعمال العسكرية على انواعها في هذه البلاد، وبحث سبل اغاثتهم وتوفير الامان لهم، فإن ثمة من يرى ان للمسألة وجهاً اخر سياسياً يتصل تحديداً بمستقبل العلاقة بين السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وحركة «فتح» من جهة، والنظام في سوريا وسبل اعادة بعث الروح في العلاقة المبتورة اصلاً بين الجانبين.
والواضح ان الجانبين لهما مصلحة كبرى في هذه المرحلة في ايجاد قنوات تواصل واتصال وبناء جسور علاقة بينهما. فالنظام في سوريا يحتاج فعلاً الى جهة فلسطينية وازنة وفاعلة ولها شرعيتها التاريخية على المستويات الفلسطينية والعربية والدولية، يقيم معها علاقة ويدير حواراً خصوصاً ان الكثير من شرعية النظام مبنية على اساس ارتباطه بالقضية الفلسطينية وحمله لهم هذه القضية.
وفي المقابل، فإن السلطة الفلسطينية بحاجة الى ابداء الاهتمام بشريحة واسعة من الشعب الفلسطيني تقطن في سوريا، وتعيش تحت وطأة الاحتراب الحاصل هناك والذي يبدو جلياً انه احتراب مديد.
والاهم من ذلك، ان يرث «منطقة» وورقة كانت حتى الامس القريب في يد منافستها اي حركة «حماس». وعليه، فما حصل ليس سوى البداية ومن البديهي انه ستليه لقاءات اخرى.

ابرهيم بيرم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق