سياسة عربية

الكويت: تحديات امنية برسم المعالجة

حكومة جديدة، وبرلمان جديد، ومرحلة تشريعية تحمل تحديات خاصة. هذا هو العنوان الابرز لمجريات الامور في دولة الكويت، حيث خلصت الانتخابات المبكرة الى افراز مجلس نواب تراه مؤسسات الدولة «متوازناً»، وتصفه المعارضة بانه «منزوع الدسم». لكنه في المحصلة خلاصة عراك ديمقراطي، ومشاركة قضائية حاسمة افتت بعدم دستورية المجلس السابق، واجراء انتخابات جديدة، لتكون الانتخابات الثانية خلال ثمانية اشهر.

المدققون في المشهد الكويتي يتوقفون عند جملة من المحطات، عنوانها خلافات يصنفها محللون بانها نوع من «المماحكات»، ويراها آخرون نوعاً من التشدد في قضايا تبدو ديمقراطية، لكنها في حقيقة الامر تتعلق بمواقف اقرب ما تكون من العامل الانقلابي، والرغبة في ممارسة «التعطيل» تحت مسميات متعددة.
وكما يؤكد مسؤولون كويتيون، فإن الهامش الديمقراطي المتاح يستطيع استيعاب اي خلاف في الرأي، او الموقف، ويمكنه التعاطي مع اية قضية مطروحة تراها المعارضة خارجة عن سياق النزاهة، والقانون، شريطة توافر حسن النوايا، والانطلاق من المصلحة الوطنية العليا، والمصلحة الكويتية الخالصة.
وفي ذلك اشارات الى احتمال وجود اجندات خارجية، وعمليات تصفية حسابات ومناكفات تحرك العملية السياسية وتوجهها في اتجاهات تعتقد الحكومات المتعاقبة انها معطلة للمسيرة لا رافدة لها.
وفي هذا الصدد، يعتقد متابعون للشأن الكويتي ان ما حدث على مدار السنوات القليلة الفائتة، حيث تكررت العمليات الانتخابية ثماني مرات تقريباً، واعيد تشكل الحكومة بالعدد عينه، ان العملية التي كانت تأخذ شكل الديمقراطية، يمكن ان تكون في حقيقتها نوعاً من «الممارسة الديكتاتورية»،  او حتى «ديكتاتورية الديمقراطية». وبحيث تتسلط المعارضة على الموالاة وتعطل اعمالها.

تعديل القانون
في هذا السياق، يرى البعض ان ما ادخل من تعديلات على القانون كان امراً ضرورياً، من اجل ضمان استمرار المسيرة، والتغلب على محاولة التعطيل الدائمة التي وجهت الجهد في مجال «تكرار الانتخابات واعادة تشكيل الحكومات» والى الدرجة التي توقف فيها الانجاز، وتعطلت المصالح.
وجهة النظر تلك، تقابلها اخرى تشير الى ان السكوت على بعض الاخطاء، تراكم الى الدرجة التي دفعت بالمعارضة الى التشبث بمواقفها من اجل اصلاح الخلل، واطلاق عملية اصلاح شاملة. وبالتالي هناك ما يقال في وجهة النظر الاخرى، التي تكشف عن مخالفات تراها جسيمة.
وسط تلك الحالة الجدلية، جرت الانتخابات طبقاً للقرار القضائي الذي اقر جانباً من التعديلات القانونية، ورفض جانباً منها. وتم تشكيل الحكومة الجديدة طبقاً للعرف الدستوري الذي يلزم الحكومة التي اجرت الانتخابات بالاستقالة، وافسحت المجال من اجل تشكيل حكومة جديدة.
ويتوقف المتابعون هنا عند محورين رئيسيين يكشفان عن واقع ومستقبل الدولة الكويتية. اول هذين المحورين، الخطاب الذي القاه الامير في افتتاح الدورة البرلمانية، وما احتواه من مضامين.  والثاني، ما تسرب من توجهات لوزير الداخلية الجديد الذي يوصف بانه الرجل القوي في الحكومة، والذي اعطى العامل الامني الاولوية في الجهد الحكومي بشكل خاص، وجهد الدولة بشكل عام.
فقد دعا امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح خلال افتتاحه مجلس الامة الجديد، الى التعاون بين البرلمان والحكومة لوضع حد للازمات السياسية المتتالية، كما حذر من «استدراج الفتنة»، التي قال إنها يمكن أن تشق صفوف الكويتيين. وقال الشيخ صباح في كلمته امام مجلس الامة، انه لا حاجة للتأكيد على حتمية التعاون بين المجلس والحكومة، لكي يتحقق الانجاز المأمول، ويتأتى الإصلاح المنشود.
وفي هذا السياق، اعتبر ان قواسم اللقاء كثيرة جداً، وتعد اكثر بكثير من قواسم الاختلاف. مشدداً على ان الاختلاف يجب الا يتجاوز حدود الاجتهاد حول سبل تحقيق الاصلاح وما ينفع الوطن والمواطنين.
واعرب الشيخ الصباح عن ثقته التامة بأن الكويتيين قادرون على حل قضاياهم ومعالجة أمور بيتهم بأنفسهم. وشدد على ان في مقدمة الواجبات «صيانة حرمة هذا البيت وعدم السماح بتدخل الغرباء للعبث بمقوماته وخصوصياته». واضاف: «علينا ألا نسمح بأن تكون بلادنا ساحة لصراعات ومعارك الغير وتصفية حساباتهم». ودعا الى الحذر من استدراج «الفتنة البغيضة» التي قال انها «تشق صفوفنا وتنال من وحدتنا وتضعف قوتنا».

الملفات الامنية
في البعد الآخر، تشير المعلومات الراشحة الى ان وزير الداخلية الجديد الشيخ محمد الخالد الحمد الصباح يمتلك تصورات محددة يرى انه من الضروري ان تعطى الاولوية في مجال عمل وزارته، خصوصاً في البعد الامني. وفي هذا السياق هناك من يرى انه سيتحرك بقوة لمعالجة تركة ثقيلة جداً من الملفات الأمنية الحساسة والدقيقة. وهناك معلومات تشير الى انه حصل على تفويض أميري مفتوح لتحقيق تلك التصورات، وبحيث تكون الاولوية لإعادة الهيبة الى المؤسسة الأمنية، وفرض الأمن وسيادة القانون.
ويشير بعض التسريبات الى ان الشيخ الخالد، بادر الى اللقاء مع كبار قادة المؤسسة الأمنية وطلب منهم تشخيصا للواقع من جهة، وخططاً وقرارات ميدانية وسريعة لتفعيل تطبيقات القانون على الجميع، وبدون أي إستثناءات. وبحيث يكون هناك انطباع عام على مستوى الشارع ليس بجدية الوزارة في التعاطي مع الاشكالات القائمة، وانما في تحقيق انجازات على الارض.
وتأتي مشكلة «البدون» في صدارة الملفات التي تصنف بانها من ضمن «التركة الثقيلة» التي على الحكومة التصدي لها، والتي تثير نوعاً من الحرج على المستويين المحلي والعالمي. كما تأتي قضية «الإتجار بالإقامات» في رأس الملفات التي تسبب الصداع للحكومة، خصوصاً ان آلاف الشركات الوهمية إستجلبت عشرات الآلاف من العمالة الهامشية مقابل مبالغ مالية، ثم تخلت عنهم بمجرد وصولهم، فتحولوا الى عبء على الدولة ليس في المجالات الاقتصادية فقط وانما في المجالات الامنية ايضاً.
وتتحول العمالة الهامشية الى عمالة سائبة، إذ يتحول الكثير منهم الى اعمال ونشاطات مخالفة للقانون، وتؤسس لاشكالات اجتماعية خطيرة.

احمد الحسبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق