رفع الأنقاض من شوارع مخيم اليرموك في دمشق بانتظار اعادة الاعمار
بين أبنية مدمرة، تشق جرافة صفراء طريقها لتتوقف أمام تلال من الركام تحجب الرؤية عما خلفها، قبل أن يبدأ سائقها برفع الأنقاض تدريجياً ونقلها الى شاحنة قريبة في أحد أحياء مخيم اليرموك في جنوب دمشق الشاهد على سنوات النزاع.
وتحول مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين خلال سنوات الحرب رمزاً لمعاناة قلّ نظيرها، بعدما شكل ساحة معارك بين أطراف عدة تناوبت على السيطرة عليه، وتعرض لقصف عنيف وحصار محكم دفع سكانه للفرار منه.
في أروقة المخيم الخالي من سكانه، يطغى مشهد الدمار على ما سواه. ولا يتردد في أنحائه الا ضجيج جرافات وشاحنات تتنقل بين شوارعه الضيقة، بعد نحو خمسة أشهر من سيطرة القوات الحكومية عليه إثر طرد تنظيم الدولة الاسلامية منه.
ومنذ ثلاثة أسابيع، بدأت عملية إزالة الأنقاض من المخيم في إطار خطة مشتركة بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة السورية، من المتوقع أن تستمر شهراً إضافياً.
ويقول المهندس محمود الخالد (56 عاماً)، عضو لجنة الإشراف على المشروع، لوكالة فرانس برس «عندما دخلنا في اليوم الأول، كان المشهد مرعباً وصادماً للغاية، لكن الصورة بدأت تتضح بشكل أفضل بعدما باشرنا التنظيف».
ويوضح «أزلنا 50 ألف متر مكعب من الأنقاض، وفتحنا كل الطرقات الرئيسية، والهدف التمهيد لإعادة إعمار المخيم وإعادة السكان إلى بيوتهم» في مراحل لاحقة.
وأظهرت نتائج مسح أولي للأضرار، الحاجة إلى إزالة 20 في المئة من أبنية المخيم بشكل كامل، بينما يحتاج 40 في المئة إلى أعمال ترميم وتدعيم والبقية صالحة للسكن.
ويُعد مخيم اليرموك أكبر المخيمات الفلسطينية في سوريا، وكان يعيش فيه قبل اندلاع النزاع 160 ألف شخص بينهم سوريون. لكن الحرب، التي وصلته في العام 2012 مع سيطرة الفصائل المعارضة عليه وحصاره من القوات الحكومية ثم دخول تنظيم الدولة الإسلامية إليه في العام 2015، أجبرت سكانه على الفرار داخل سوريا وخارجها.
وفي بداية العام 2014، نشرت الأمم المتحدة صورة، تعتبر حتى الآن من الصور الأكثر تعبيراً عن مآسي المدنيين في سوريا، وتظهر حشوداً ضخمة تخرج سيراً على الأقدام بين الأبنية المدمرة في اليرموك بانتظار الحصول على المساعدات.
بانتظار «قرار الحكومة»
ويكاد لم يسلم شارع أو حارة من الدمار جراء الغارات والقصف على المخيم. ونقل مراسل فرانس برس مشاهدته لأدراج معلقة بأبنية، ومنازل لم يبق منها سوى بضعة جدران أو أعمدة، وأخرى تحولت إلى تلال من الحجارة.
على نقطة أمنية عند مدخل المخيم، يضع جنود سوريون كمامات لتجنّب تنشق الغبار المتصاعد من عملية إزالة الأنقاض. وفي الأزقة الضيقة، ينهمك سائقو الجرافات برفع حجارة ضخمة وقضبان حديد ملتوية، بينما تغادر شاحنات تباعاً لإفراغ حمولتها.
يشير الخالد، إبن مخيم اليرموك، إلى منزله المتضرر ثم مكتبه المدمر وبيوت عائلته، ويقول «أعرف كل زاوية في المخيم. هنا ترعرعتُ وكبرت وأنا متفائل بعودته» إلى سابق عهده.
وتضع دمشق إعادة الأعمار على سلم أولوياتها. وكرر الرئيس بشار الأسد مراراً إن بلاده ستعتمد على دعم «الدول الصديقة» في إعادة الاعمار في وقت قدرت الأمم المتحدة كلفة الدمار التي لحقت بسوريا منذ العام 2011 بنحو 400 مليار دولار.
ولم تتضح الخطوات المقبلة التي ستلي عملية إزالة الأنقاض من الشوارع الرئيسية في اليرموك، إذ تحتاج اعادة الاعمار الى «جهود دولية»، وفق الخالد.
ويوضح مدير الإدارة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية في سوريا أنور عبد الهادي لفرانس برس أن بدء «اعادة الاعمار بانتظار قرار الحكومة السورية» التي تدرس مخططاً لاعمار جميع المناطق المحيطة بدمشق.
ورداً على سؤال عما اذا كان يتم التواصل مع جهات دولية للمساهمة في اعادة اعمار المخيم، يقول «سنتواصل مع الجميع عندما نتفق مع الدولة على خطة اعادة الاعمار».
ويأمل المسؤول الفلسطيني أن «تبدأ اعادة الاعمار بأقصى سرعة لعودة أهالينا الى المخيم».
«أسى شديد»
ويبدو أن عودة السكان الى المخيم «صعبة جداً» في وقت قريب، وهو ما كانت الأمم المتحدة أعلنته بعد استعادة الجيش السيطرة على المخيم، جراء غياب كامل للبنى التحتية من مياه وكهرباء ومنشآت صحية وخدمات أساسية.
وقال المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) كريس غانيس حينها لفرانس برس «اليرموك اليوم غارق في الدمار، ويكاد لم يسلم أي منزل» منه، موضحاً أنه «في أجواء مماثلة، من الصعب تخيل كيف يمكن للناس العودة».
ولم تدخل منظمة أونروا إلى المخيم منذ العام 2015، أي منذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على الجزء الأكبر منه. كما لم يُسمح للمدنيين بالعودة اليه منذ أيار (مايو).
رغم تقدّمه في السن، يشارك ابراهيم عم علي (74 عاماً) في الإشراف على عملية إزالة الأنقاض. يتجول بين الجرافات غير مكترث بالغبار والتراب الذي ملأ شعره وثيابه.
ويقول الفلسطيني ابن مخيم اليرموك، وأحد أعضاء لجنة إزالة الأنقاض، «شعرتُ بأسى شديد حين شاهدتُ المبنى الذي عشت فيه وإخوتي مدمراً (…) اليوم تشتّتنا وتبعثرنا».
ويتمنى علي «مساعدة الدول الصديقة في إعادة إعمار المخيم»”، ويقول «كل ما له بداية، له أيضاً نهاية. وها قد بدأنا».
ويتابع «قد لا أشهد إعمار المخيم بشكل كامل، لكن يكفيني أنه كان لي شرف المشاركة في البداية».
ا ف ب