سياسة لبنانيةلبنانيات

شلل حكومي وتحرك نيابي خجول وفاشل ونشاط بارز للمافيات

الحياة السياسية متوقفة تماماً على الصعيد الرسمي، بعد اقفال ملف تشكيل الحكومة، وغياب المسؤولين عن حاجات البلد والمواطنين. ويقابل هذا الشلل السياسي شلل اداري يعطل كل ادارات الدولة ويعطل مصالح الناس، الذين اعتادوا ان يدفعوا على الدوام ثمن الازمات المتلاحقة. فالحكومة هي حكومة تصريف اعمال، اي انها تتذرع بالقوانين، لتتوقف عن العمل الانتاج، الا في مجال واحد وهو فرض الضرائب والرسوم القاتلة على المواطنين، الذين لم يكفهم نهب جنى عمرهم في المصارف، بل ان الحكومة تحجب عنهم الخدمات، فلا كهرباء ولا مياه، ولا طرقات، ولا ادوية وبالتالي فانها ترغمهم على البحث عن البديل مكبدة اياهم خسائر فوق خسائر.
وبما ان الحكومة هي لتصريف الاعمال، كان من واجب المجلس النيابي ان يأخذ المبادرة ويحل محلها، على الاقل ان يقر القوانين التي يطلبها صندوق النقد الدولي. غير ان هذا المجلس الذي اعتاد على مدى عقود ان يسير ببطء السلحفاة، لا يزال يسير على المنوال عينه. وعلى الرغم من ان الانتخابات احدثت بعض التغيير، الا ان طريقة العمل لا تزال على حالها. ففي مطلع هذا الاسبوع عقد النواب التغييريون او بعضهم وبعض النواب المستقلين اجتماعاً في محاولة للملمة الصفوف وتوحيد الموقف فتبين ان الامور ليست بهذه السهولة. فبعض نواب التغيير رفضوا حضور الاجتماع فعكسوا التناقض الظاهري في مواقفهم. فالذين غابوا عن اللقاء يمكن وصفهم بانهم نواب تعطيليون. لقد بات معروفاً ان المعارضة اذا لم توحد موقفها، وبقيت مشتتة، فانها بذلك تخدم احزاب السلطة. فهل على هذا الاساس انتخبهم الشعب؟ كان من المفروض ان يتعلموا من دروس الماضي القريب، وكيف خسروا في انتخابات المجلس بسبب تبعثرهم. ولكن يبدو ان العكس هو ما جرى. يضاف الى ذلك ان النائب وليد جنبلاط الذي كان محسوباً على المعارضة انقلب فجأة وتحول الى صفوف المنظومة. وبعدما قال قبل فترة وجيزة ان الحوار مع حزب الله لا فائدة منه، عاد امس ليسعى جاهداً الى لقاء الحزب وسيتم ذلك خلال الساعات المقبلة.
هذه هي صورة مصغرة عن الوضع السياسي الذي يعاني الشلل والتقاعس. يقابله ازدحام في الازمات التي تكاد تقضي على المواطنين. لقد علق الناس الامال العريضة على المجلس النيابي وها هم يصابون بخيبة. فمن ينقذ هذا الشعب من المافيات والتجار والمتلاعبين بحياة المواطن؟ بعد اسابيع قليلة تبدأ السنة الدراسية، ولكن الموعد يحل هذا العام باوضاع مزرية. وهناك حديث عن عدم قدرة الدولة على استئناف الدروس بسبب نقص في التمويل. هذا على الصعيد التعليم الرسمي، اما على صعيد المدارس الخاصة فيمكن القول «من بيت ابي ضربت». لقد كشفت هذه المدارس عن تطلعاتها وتحولها من رسالة نشر المعرفة الى تجارة تسعى وراء الربح. ولا هم لها سوى ذلك. فهي مثلاً لم تراع الظروف القاتلة التي يعيشها المواطنون، بل اقدمت على دولرة الاقساط مخالفة كل القوانين. فضاعفت الاقساط بالليرة اللبنانية، واتبعتها بمبالغ غير معقولة بالدولار، بحيث اصبح السواد الاعظم من الاهالي غير قادرين على الايفاء بهذه المطالب، وبدأ قسم منهم يتحول الى المدارس الرسمية. ولكن هل ان هذه المدارس قادرة على استيعاب هذا السيل من الطلاب؟
وعبثاً حاول المعنيون ثني المدارس الخاصة عن قراراتها وتذكيرها بالرسالة السامية التي انشئت في الاساس من اجلها، ولكنها لم تستمع الى احد حتى الى البابا فرنسيس الذي انتقد تدابيرها، وطالبها بعدم الاثراء على حساب الفقراء. وزير التربية يقول ان سلطته على المدارس الخاصة محدودة، ولجان الاهل هددتهم ادارات المدارس وطلبت بحزم تأييدها، كما هددت الاهالي المعترضين بطرد اولادهم. القضية اليوم اصبحت في عهدة مجلس النواب فهل يتحرك بما يتطلب منه ذلك، ام انه يبقى سائراً ببطء السلحفاة، فتحل السنة المدرسية وتقبض الادارات الدولارات، والمجلس النيابي لم يبت بالموضوع بعد.
هذه واحدة من الازمات التي تواجه المواطن والدولة غائبة تماماً، الا في قطاع واحد، هو قطاع فرض الضرائب والرسوم القاتلة وافراغ جيوب المواطنين من اخر قرش معهم. المؤسف ان صوتاً واحداً من هذا الشعب لم يسمع وكأنه موافق على هذا الظلم، فهنيئاً للدولة وللمافيات بهذا الشعب المدجن الخاضع لارادة الظالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق