الموسيقى الصاخبة والماكياج في الطريق: سلوكيات غير مقبولة أم أمور نسبية؟
من الشائع سماع الشكاوى حول سلوك الآخرين، ولكن من الذي يستطيع أن يقرر ما هي السلوكيات الحميدة؟
من القطارات إلى المسارح إلى المطاعم، غالباً ما توصف القواعد التي توجه أفعالنا في الأماكن العامة بأنها «الفطرة السليمة».
ومع ذلك، فإن الخط الفاصل بين السلوك «المقبول» و«غير المقبول» يختلف من شخص لآخر.
فعلى سبيل المثال، هنالك الكثير من الأفعال العادية هي مثار جدل فيما إذا كانت مقبولة أم لا، كوضع الفتيات والسيدات للماكياج ومستحضرات التجميل وهن يرتدن وسائل النقل العامة، أو تشغيل الموسيقى أو استخدام الهاتف المحمول في المطعم.
ويبدو من المنطق أن نسأل أنفسنا هل من المعقول توقع أن يلتزم الآخرون بمُثلنا وقيمنا؟ بدلاً من مجرد إطلاق الأحكام والقول بأن السلوك الجيد هو «مسألة أخلاقية».
ويمكننا القول بأن السلوكيات الحميدة بصورتها الأساسية البسيطة، هي مجموعة من القواعد المشتركة التي تساعدنا على إظهار احترامنا ومراعاتنا للآخرين، بدلاً من التصرف بما يخدم مصالحنا الشخصية فقط.
ويمكن أن نرجع الفضل في هذا المعنى أو التعريف للسلوكيات الحميدة، للعالم الهولندي إيراسموس ونصه عام 1530 حول «الأخلاق الحميدة للأطفال»، والذي كان له دور كبير في التشجيع على إنهاء الممارسات غير الصحية مثل البصق ولمس الطعام.
لذلك، وبدرجة معينة، مراقبة السلوك هي وسيلة لتعزيز القواعد الاجتماعية التي تهدف إلى جعل الفضاء العام أكثر نظافة وأكثر أماناً وأفضل للجميع.
لكن تحديد ماهية السلوك الحميد يمكن أيضاً أن يستند إلى رأي الأغلبية ويستخدم في ممارسة السلطة.
فعلى سبيل المثال، في حين أن تقليم أظافر القدم في الأماكن العامة سلوك غير مقبول في نظر العامة، فإن وضع مساحيق التجميل في الأماكن العامة أو أثناء ارتياد وسائل النقل العامة، ما زال أمراً خلافياً يراه البعض مقبولاً في حين يراه آخرون خلاف ذلك.
بالمحصلة إذن، يمكن اعتبار ذلك جزءاً من رغبة أوسع للتحكم بسلوك الناس في الأماكن العامة.
ترويض الجمهور
ومن الأماكن التي يمكن أن نرصد فيها السلوك بشكل واضح، المسرح، حيث من المتوقع عادة أن يجلس الجمهور في صمت، وعلى مقربة من بعضهم البعض.
ومن المهم الإشارة إلى أن الحال لم يكن دوماً كذلك تاريخياً، لكن في القرن التاسع عشر، جرى تدريب الجماهير على قواعد سلوك جديدة ارتأتها وفضّلتها النخبة.
وقبل ذلك، كان الجمهور حرا في المشاركة في العروض بصوت عال وعفوي، وفجأة طُلب من الجمهور التصرف بطريقة معينة من خلال برامج خاصة وملصقات توضيحية وحتى محاضرات من قبل الممثلين على خشبة المسرح.
وحاليا يحدث شيء مماثل مرة أخرى، إذ يروج بشكل كبير لاعتبار جلب الطعام والتحدث وحتى استخدام الهواتف في المسرح سلوكاً شائناً.
وقد أظهرت دراسة لدليل آداب المسرح عبر الانترنت، أن الطريقة التي ينظر بها الناس إلى هذه القواعد تختلف في الواقع بشكل كبير من شخص لآخر.
فعلى سبيل المثال، على الرغم من أن العديد من الأشخاص يعتقدون أنه يجب إغلاق الهواتف تماماً، يقول البعض الآخر إن وضع الهاتف في الحالة الصامتة إجراء كافٍ.
وغالباً ما يقابل "السلوك غير المقبول" في المسرح باتهام الشخص صاحب السلوك بالأنانية وعدم الاكتراث بالآخرين.
لكن من الواضح أن الأمر نسبي، فالبعض يفضل قواعد «صارمة» للسلوك، بينما يفضل البعض الآخر قواعد أكثر «مرونة».
وإحدى أكبر المسائل الخلافية في المسرح هي كيفية رسم الخط الفاصل بين مستويات الحماس اللائقة وغير اللائقة، مثل الغناء مع المؤدين في المسرحيات الغنائية، والتصفيق والتهليل في فقرات معينة من العرض.
وهناك مشكلة أخرى تتمثل في أن بعض رواد المسرح يسارعون إلى الحكم على أولئك الذين ليسوا مثلهم. وقد أوضحت الكاتبة المسرحية الأميركية دومينيك موريسو، من خلال كتابتها عن تجربة حضورها المسرح كامرأة سوداء، حيث طلب منها «الإبقاء على صوتها منخفضاً».
عدم القدرة على التكيُّف
على الرغم من أن لكل شخص رؤية مختلفة للسلوك المقبول، إلا أن الناس يميلون للاعتقاد بأن وجهة نظرهم الخاصة هي «الفطرة السليمة».
وعند مناقشة حظر الطعام في المسرح، قد يقول أحد الأشخاص إنه من غير المقبول مطلقاً إحضار أي طعام أو شراب، في حين أن البعض الآخر قد يرى أنه «من السخف» عدم السماح بذلك.
وهناك أيضاً إشكالية أخرى تكمن في أن القواعد التي تهدف إلى تعزيز مراعاة الآخرين، قد تفشل في تحقيق أهدافها في بعض الحالات.
على سبيل المثال، وفقاً لتلك القواعد من المتوقع أن «يتوجه جمهور المسرح إلى المرحاض، قبل بدء العرض وليس خلاله»، وبذلك تتجاهل القواعد المصابين بمرض كرون، الذين قد يحتاجون إلى استخدام المرحاض بشكل متكرر.
وكما يشرح المسرحي والممثل الكوميدي جيس ثوم، فإن البقاء صامتاً تماماً أمر مستحيل مثلاً بالنسبة الى الأشخاص الذين يعانون من حالات مثل متلازمة توريت، التي تثير التشنجات اللاإرادية.
بي بي سي