رئيسيسياسة عربية

العنف يغرق جنوب السودان، ويفتح باب التساؤلات حول الصمت الاميركي

بعد اعوام من انفصال جنوب السودان، وعام او يزيد على اندلاع المواجهات العنيفة في جوبا ومحيطها، وفي العديد من اركان الدولة التي تم الترويج لها كـ «حلم» للحريات وتقرير المصير، بدا واضحاً ان الجنوبيين باتوا مضطرين للعق جراحهم لوحدهم، والتعاطي مع ازمتهم التي تتجذر يومابعد يوم، ولحظة بعد لحظة.

فالاهمال الغربي عموماً، والاميركي خصوصاً، هو عنوان تلك العلاقة التي كانت واحداً من شعارات الحرية، واداة مواجهة ضد نظام البشير. فالتقارير تتحدث عن احساس جنوب سوداني بالقهر، نتيجة الصمت الاميركي ازاء ما يجري. في حين تتصاعد الازمة الداخلية يوماً بعد يوم، ويرتفع عدد القتلى بشكل لافت نتيجة للخلافات بين طرفي الصراع اولاً ومن يعتقد انهم اطراف خارجية يغذون الصراع، ويعمقون الازمة.
فبعد ان استقل جنوب السودان في 9 تموز (يوليو) 2011 بعد عقود من النزاعات المدمرة والدامية ضد النظام السوداني، غرق جنوب السودان مجددا في 15 كانون الأول  (ديسمبر) 2013 في الحرب.
ونجمت الحرب الاهلية الجديدة عن صراع على السلطة بين الرئيس سالفا كير ونائبه السابق رياك مشار اللذين يتحدران من قبيلتي الدينكا والنوير اهم اتنيتين في البلد.
وبدأت المعارك في جوبا داخل جيش جنوب السودان بسبب خصومة سياسية اتنية ثم امتدت الى باقي مناطق البلاد ورافقتها العديد من المجازر والفظاعات بحق المدنيين على اسس اتنية.
وقال جيمس نينرو القس جنوب السوداني والناشط من اجل السلام «بعد 12 شهراً من اندلاع هذه الحرب من المؤلم تصور ان الاسوأ قد يكون لم يحدث بعد».

الذكرى الحزينة
في الاثناء، احيا السودانيون الجنوبيون قبل ايام الذكرى الحزينة لبدء الحرب الاهلية. وامتدت نشاطات احياء الذكرى من مدينة جوبا العاصمة الى العديد من الدول المجاورة حيث لجأ مئات آلاف من أهالي جنوب السودان، وتضمنت النشاطات مواكب دينية واضاءة الشموع ليلاً.
ولا توجد أية حصيلة رسمية للقتلى، لكن فريق الازمات الدولية يقدر ان 50 ألف شخص على الاقل قتلوا، في حين يتحدث دبلوماسيون عن ضعفي هذه الحصيلة.
ونشر ناشطون جنوب سودانيون لائحة اولى جزئية جداً تضم 572 ضحية، مؤكدة أنه ستتم تلاوة اسمائهم في امسيات في جوبا ونيروبي وعبر اذاعات جنوب السودان كما يأملون.
واوضحت انييت اوول المسؤولة عن المبادرة ان «اللائحة رغم انها لا تمثل الا قسماً من الخسائر الاجمالية، تعكس الاثر المدمر لعام من الحرب في جنوب السودان لم يقم خلاله احد باحصاء عدد القتلى».
ويرى العديد من المراقبين ان البلد اليوم في وضع اسوأ مما كان عليه إثر النزاع مع الخرطوم.
واعتبرت لونا جيمس من منظمة صوت التغيير «فويس اوف تشانج» ان «جنوب السودان كان مسرحاً لعنف بالغ منذ اجيال لكن لم يسبق ان بلغ هذا الحد ولا هذه الدرجة من الخطورة».

وضع مأساوي
وقال ادموند ياكاني المسؤول عن منظمة غير حكومية في جوبا «نحن في وضع اكثر ماساوية مما كنا عليه قبل الاستقلال، وسيحتاج جنوب السودان عقوداً للتعافي منه».
وطرد نحو مليوني شخص من منازلهم بسبب العنف كما اصبح نصف سكان البلد الـ 12 مليوناً بحاجة الى مساعدة انسانية، بحسب الامم المتحدة.
واشار الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بالمناسبة، الى ان «اساس الكفاح من اجل الاستقلال الذي خاضه البلد، انطلاقة جديدة مفترضة تقوم على التسامح والتصرف الرشيد والمسؤولية والوحدة، يتلاشى امام اعيننا».
واتهم «قادة جنوب السودان بترك طموحاتهم الشخصية تهدد مستقبل امة باسرها». وسط تأكيدات بان الناس هناك يعانون من مصير اسود اما نتيجة للعنف، او للجوع.
وبحسب الامم المتحدة سمحت عمليات القاء مكثفة ومكلفة بالمظلات للمؤن حتى الان بتفادي المجاعة التي ما تزال تهدد الاهالي.
وفي هذه الاثناء، توجه اطراف عدة أصابع الاتهام الى الولايات المتحدة لعدم تحركها بشكل كاف لفرض عقوبات على أطراف النزاع في هذا البلد وحظر نقل الأسلحة إليه.
ورغم إدانات متكررة من الرئيس باراك اوباما، وزيارة وزير الخارجية جون كيري الى جوبا في ايار (مايو) في محاولة لارساء السلام، ورغم الضغوط والتهديدات بفرض عقوبات، يبدو أن واشنطن لم تلق آذانا صاغية في جوبا كما يعتبر خبراء. ويبدو ان رئيس جنوب السودان سلفا كير وخصمه نائبه السابق رياك مشار لا يكترثان للتحذيرات الأميركية.
وفي مقال نشر في صحيفة «واشنطن بوست» دعت مستشارة البيت الابيض للأمن القومي سوزان رايس ووزير الخارجية جون كيري مجدداً الجانبين الى «انهاء النزاع دون تأخر. وإلا فإنهما سيواجهان عواقب أخطر»”.

جهود كيري
وكانت دبلوماسية واشنطن دفعت لأشهر دول شرق افريقيا (اثيوبيا وكينيا واوغندا) الى ان تلعب دور الوسيط.
وخلال زيارة في ايار (مايو) لاديس ابابا وجوبا سعى كيري جاهداً الى تنظيم لقاء بين سلفا كير ومشار. لكن جهوده لارساء السلام وجهود الوسطاء من دول شرق افريقيا واتفاقات وقف اطلاق النار المتتالية باءت كلها بالفشل.
الا ان اهتمام واشنطن منذ ذلك الوقت ليس بهذا المستوى من الاهمية. وخصوصاً في الأشهر الأخيرة حيث بدت واشنطن تلجأ الى المماطلة لفرض عقوبات على كبار المسؤولين في جنوب السودان.
ودان مجلس الأمن الدولي قبل يومين استمرار المعارك والتجاوزات مهدداً مرة أخرى أطراف النزاع بـ «عقوبات محددة». وتتحدث الدول الـ 15 الاعضاء في مجلس الامن وبينها واشنطن منذ اشهر عن تجميد الارصدة وحظر السفر وحظر نقل الاسلحة للطرفين. لكن لم يتخذ اي قرار بعد في الامم المتحدة.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش كتبت الاسبوع الماضي الى مجلس الامن لـ «حثه على فرض حظر على الأسلحة على طرفي النزاع».
وجاء في رسالة المنظمة «إننا بحاجة الى أكثر من الإدانات. لكن المعلومات المتاحة تؤكد ان  الولايات المتحدة ترفض اي قرار يفرض حظرا على الاسلحة، حيث التحليلات تشير الى ان الحظر سيؤثر خصوصاً على نظام الرئيس سلفا كير وليس على تمرد مشار.

عواصم – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق