رئيسيلبنان

سيناريوهات ما بعد ميقاتي… انفراج ام انفجار؟

وحده الغموض هو الأكثر وضوحاً في مقاربة المصير اللبناني برمته. فاستقالة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فتحت الاوضاع المأزومة على حظوظ متساوية من الانفراج والانفجار، لم يتضح معها المسار الذي يؤشر الى طبيعة المرحلة «القريبة» المقبلة.

وسط الرقص فوق الهاوية يختلط حابل الحكومة وتشكيلها بنابل الانتخابات ومصيرها في واحدة من اكثر المآزق الوطنية حدة، ربما منذ اتفاق الطائف الذي انهى الحرب التي يعاود شبحها الدوران في الفضاءات اللبنانية القاتمة حتى السواد.
الاولوية لمن؟ للحوار ام لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة؟
الاولية لمن؟ لتشكيل الحكومة ام للإتفاق على قانون جديد للانتخابات؟
لمن الافضلية؟ لحكومة حيادية ام لحكومة إنقاذ ام لحكومة وحدة وطنية؟
لمن الافضلية؟ لحوار وطني «يقونن» التمديد للبرلمان ام لحكومة اشراف على الانتخابات؟
هل سيتم تشكيل حكومة جديدة ام ان الفيتوات المتبادلة ستطيل عمر «تصريف الاعمال»؟
هل يُسرّع المأزق الحكومي الاتفاق على قانون للانتخاب ام ان الاستحقاق النيابي صار في خبر كان؟
اسئلة تستولد اسئلة حول المصير الضائع في غياهب الصراع الاقليمي المتفجر، وبين دخان الحريق السوري اللاهب، وكوابيس الاحتقان السياسي والمذهبي التي تضرب البلاد من اقصاها الى اقصاها.
حرب في طرابلس تعنف حيناً وتستريح احياناً، وعمليات خطف على «الهوية المذهبية» في البقاع الشمالي بعد الاحتواء الصعب للاعتداء على المشايخ السنة الاربعة في مناطق ذات غالبية شيعية، وجمر متأجج في صيدا ومخاوف دائمة من المصطادين في الماء العكر.
كل ذلك «الداخل المحموم» يتحرك على وقع الحمم الخارجية في لحظة «نادرة» من انعدام الوزن للدولة ومؤسساتها، فالحكومة طارت على عتبة انتخابات نيابية مجهولة المصير، مما يهدد البلاد بالسقوط في فم فراغ قاتل، ربما تملأه الفوضى، سياسية كانت ام امنية.
شبح هذا المأزق المتعاظم و«خفاياه» سرعان ما استهلك الكلام عن اسباب استقالة الرئيس ميقاتي، العلنية والمكتومة على حد سواء، وكاد ان يسدل الستار سريعاً على المفاجأة غير المفاجئة التي فجرها ميقاتي في اعلان استقالة حكومته وملابساتها في الشقين الداخلي والخارجي.
الشيء الوحيد الثابت تحت وطأة هذه الوقائع المتغيرة ان الاوضاع بعد استقالة ميقاتي لن تكون كما قبلها، وها هي الانظار كانت تتجه الى ما بعد عيد الفصح لرصد إتجاهات الريح في ضوء المواعيد «الافتراضية» للاستشارات وتحريك العمل البرلماني ونفخ الحياة في طاولة الحوار.
إنه الربيع الساخن الذي يشكل موسماً لبنانياً بالغ الخطورة… في اول نيسان (ابريل) غادر المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي المبنى الذي سكنه حارساً لتجربة فذة في «لبننة» الامن، احيل على التقاعد بعدما دفع ميقاتي للاستقالة تحت وطأة عجزه عن امرار المخرج القانوني لابقاء ريفي على رأس المؤسسة الامنية.
وقبل انطلاق عجلة الاستشارات النيابية الملزمة لاختبار الرئيس المكلف تشكيل الحكومة «المحتملة» في 3 و4 نيسان (ابريل) إنطلقت ورشة اتصالات ماراتونية وفي اتجاهات عدة لإنضاج طبخة حلول «سحرية» تتناول خريطة الطريق الوعرة، من دون ان يتضح الخيط الابيض من الاسود في هذه الحركة المكوكية بين المقرات الرئاسية وأمكنة اقامة رؤساء الكتل البرلمانية.
ولم تكن في هذا الوقت انكشفت طبيعة «القطبة المخفية» التي ارادها رئيس البرلمان نبيه بري من وراء استعجاله دعوة الهيئة العامة للبرلمان لعقد جلسة في الخامس من نيسان (ابريل) وعلى متنها جدول اعمال قد لا يخلو من القنابل الموقوتة، كمشروع «اللقاء الارثوذكسي» للانتخابات، الذي شهد الكثير من الكر والفر في مناورات سياسية متمادية.
وعشية «الاسبوع المفصلي» الذي اطل مع نيسان (ابريل)، كانت عمليات التدقيق تجري في «الصندوق الاسود» لقرار ميقاتي المفاجىء بالاستقالة، وعمليات التحري ناشطة لم
عرفة المسار الذي قد يسلكه المأزق الوطني الكبير، وسط تدافع خشن بين احتمالين: امكان ذهاب الجميع الى صفقة شاملة عبر «سلة» من الحلول تخرج الوضع من عنق الزجاجة، وإمكان الانزلاق الى الفراغ المخيف الذي قد يجر الويلات على البلاد.

استقال ام استقيل؟
وكانت استقالة الحكومة دهمت المشهد السياسي في بيروت الذي غرق في قراءات خطوة ميقاتي، راوحت بين «التحري» عن «مواقيتها» المحلية والاقليمية، واستشراف تداعياتها على صعيد الواقع المحلي المأزوم.
وضمّن ميقاتي كتاب الاستقالة الذي سلّمه الى رئيس الجمهورية «حيثيات» قراره وأبرزها «إفساح المجال لإمكان تشكيل حكومة إنقاذ وطني تشارك فيها جميع القوى السياسية والكتل النيابية، ويكون من شأنها أن تعيد الزخم الى الحوار الذي كنتم، فخامتكم، وما زلتم تسعون اليه في سبيل المحافظة على وحدة لبنان، وطن العيش الواحد بين جميع أبنائه».
وأوضح  رداً على اسئلة الصحافيين: «ان من اسباب الاستقالة ان تشكل ثغرة في الحائط الموجود اليوم وتتيح حل الـ package deal وهذا شرط ومبتغى يؤمل به»، مشيراً الى «ان هناك مواضيع متراكمة ولاحظت ان لا نية في اجراء الانتخابات والاجهزة الامنية الى فراغ. فقلت اننا امام اعاقة في القيام بواجباتنا ولهذا السبب قررت ان اقدم استقالتي واعتقد ان الموضوع لا يتحمل اي تأخير».
في موازاة ذلك، راوحت المواقف الاولية المتعلقة باستقالة ميقاتي بين مرحّب، كما لدى قوى 14 آذار ومشكّك في الخلفيات كما لدى بعض مكونات 8 آذار التي شنّت هجوماً مزدوجاً على رئيسي الجمهورية والحكومة، فيما التزم حزب الله الصمت رسمياً للوهلة الاولى قبل ان يعلن بلسان رئيس كتلة نوابه محمد رعد ان ميقاتي «الذي أراد ألا يُحدث فراغاً في مؤسسة أمنية (المديرية العامة لقوى الامن الداخلي) أصاب باستقالته فراغاً سياسياً وأمنياً لكل البلد، في حين أننا نتصرف وفق ما يحفظ استقرارنا وثوابتنا وقناعاتنا التي لن يغير أي شيء فيها على الإطلاق».
واعتبر رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون أن «استقالة ميقاتي فاجأتنا ولم تفاجئنا ولكن أسبابها كانت تافهة»، مؤكداً «وجوب البحث عن سبب الاستقالة في مكان آخر في إحدى السفارات».
وفي حين اعلن رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيوره ان استقالة الحكومة «جاءت متأخرة وستعمل على فتح نوافذ جديدة من الحوار واصلاح الخلل الذي تسببت به منذ نشأتها»، ثمّن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع موقف ميقاتي «الجريء» بالاستقالة «وخصوصاً ان هذه الخطوة، جاءت على اثر رفض فريق 8 آذار التمديد لقادة الاجهزة الامنية والعسكرية واصراره على ادخال البلاد في مزيد من الفراغ الخطير والقاتل».
من جهته، أكّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي أنه «في الائتلاف الذي شكلوه مع التيار الوطني الحر وحزب الله لم يُترك للرئيس ميقاتي المجال حتى تعيين بالوكالة»، معلناً «هناك قانون موجود من أجل الانتخابات وهو قانون الستين، الى ان نتفق على قانون جديد، ونحن سنسير كما قال رئيس الجمهورية بقانون الستين، وسأترشح للانتخابات على اساسه قبل انتهاء مهلة تقديم الترشيحات».
وكان بارزاً بحسب دوائر سياسية في بيروت ان ميقاتي، رئيس حكومة الخروج السوري في العام 2005 ورئيس حكومة الاخراج السوري للحريري في العام 2011، لم يُخف  انه سبق ان راودته فكرة الاستقالة مرتين:. واحدة عندما استحق تمويل المحكمة الدولية في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريري، ومرة اخرى عند اغتيال «رفيق» رفيق الحريري رئيس شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي وسام الحسن. اما في «الثالثة الثابتة» فجاءت الاستقالة في شكلها المباشر على طريقة «القشة التي قصمت ظهر البعير»، حين ادرك انه اعجز من ان يضمن التمديد للواء اشرف ريفي على رأس المؤسسة الامنية ذات الصلة بالتحقيق الدولي والضامنة للتوازن الامني والسياسي في البلاد.
وبدا واضحاً وفق الدوائر نفسها، ان ميقاتي الذي جازف برصيده السياسي والشخصي حين لبى رغبة القيادة السورية قبل عامين، بترؤس حكومة، الامرة السياسية فيها لحزب الله، بعد اقصاء زعيم التيار السني الابرز في البلاد، لم يعد في امكانه الدفع من «اللحم الحي»، وهو الذي تُنصب على مدخل منزله في مدينته المشتعلة (طرابلس) خيمة إحتجاج على مضيه في حكومة تَقاتل اطراف فيها، بالديبلوماسية والميدان، دفاعاً عن نظام الرئيس بشار الاسد، في الوقت الذي يجهد عبثاً في ايجاد مخرج لابقاء ابن طرابلس، اللواء ريفي في موقعه تفادياً لفراغ برزت خشية من ان يملأه اللواء علي الحاج، احد الجنرالات الاربعة الذين زجوا لـ 44 شهراً في السجن بعد «شبهة» تورطهم في اغتيال الحريري.
ولم يتوانَ البعض عن اتهام ميقاتي بـ «الانصياع» لرغبة اميركية – سعودية بالحاجة الى تغيير قواعد اللعبة في لبنان ربطاً بتورط حزب الله في سوريا. وذهب هؤلاء الى حد القول بأن المسؤولين اللبنانيين سمعوا كلاماً واضحاً مفاده: إما ان يخرج حزب الله من سوريا وإما ان يخرج من الحكومة، الامر الذي أدرك معه ميقاتي أن سياسة احتواء الاعتراض الخارجي على سياسات حكومته، بذريعة حفظ الاستقرار انتهت «صلاحيتها».
وفي «الوعاء» الأوسع، ثمة مَن اشتمّ من وراء قفز ميقاتي من «المركب الحكومي» رائحة منعطفات حاسمة تتجه اليها سوريا بعد تطورات ذات طابع ميداني كالقرار الفرنسي – البريطاني بتسليح المعارضة، وأخرى ذات طابع سياسي كتعيين رئيس حكومة موقتة وتخصيص مقعد سوريا في الجامعة العربية للمعارضة التي شاركت في قمة الدوحة، وسط توقعات بامكان مباشرة الحكومة السورية الموقتة بتعيين سفراء في الخارج.
ولم تغب عن هذه القراءة وقائع تتصل بحزب الله ولا سيما بعد ادانته في تفجير بلغاريا ومناقشة امكان وضعه على لائحة الارهاب الاوروبية، والكلام عن تورطه العسكري في سوريا وتدخله في البحرين، الامر الذي ولد غضباً خليجياً خرج الى العلن ولأول مرة مع الزيارة التي قام بها الامين العام لمجلس التعاون الخليجي عبدالله الزياني الى بيروت شاكياً من عدم إلتزام الحكومة اللبنانية بسياسة «النأي بالنفس».

ماذا بعد؟
غير ان السؤال الاكثر اثارة بقي في الايام التي تلت الاستقالة كان: ماذا بعد؟
الجواب على هذا السؤال بدا مرتبطاً بمجموعة سيناريوهات لم تكن اتضحت بعد أرجحية أيّ منها قبل حلول عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي، وهي الفترة التي تعمّد الرئيس سليمان ترْكها كـ «فترة سماح» لمشاورات سياسية واسعة قبل ان يحدد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة بعد الفصح.
وأبرز هذه السيناريوهات انطلقت من الآتي:
< ان شخص الرئيس الذي سيتمّ تكليفه يرتبط بشكل الحكومة و«أجندتها» وتالياً بمجمل المسار الذي سيستتبع ولادتها.
< ان طبيعة الحكومة تتصل بالعناوين التي ستحملها وتعمل عليها. فاذا كانت «تكنوقراط» او حيادية فهذا يعني ان مهمتها محددة بإجراء الانتخابات النيابية ضمن إطار تمديد «تقني» للبرلمان الحالي باعتبار ان امكانات إنجاز الاستحقاق النيابي في موعده الدستوري في 9 حزيران (يونيو) المقبل تلاشت. اما اذا كانت حكومة وحدة وطنية او «إنقاذية»، فهذا يعني ان الحديث يجري عن مهمة لها لا تقلّ عن سنة او سنتين يجري خلالهما التمديد «المنظّم» للبرلمان للفترة نفسها اي ضمن إرجاء «سياسي» للانتخابات في انتظار اتضاح «الخيط الابيض من الاسود» في المنطقة وتحديداً في الازمة السورية مع توفير «بوليصة تأمين» داخلية للوضع اللبناني، تحول دون انفجاره على «نار» هذه الازمة.
– ان يدخل لبنان مرحلة من الفراغ الحكومي والنيابي، من خلال الفشل في تشكيل حكومة وانتهاء ولاية البرلمان في 20 حزيران (يونيو) من دون الاتفاق على قانون لإجراء الانتخابات او آلية قانونية لإرجائها.
وثمة من رأى ضمن هذا السيناريو ان استقالة ميقاتي التي حملت «بصمة» اقليمية وعربية تتصل بالوضع الحالي في المنطقة وآفاقه المستقبلية، وهي تعني ان اي تشكيل لحكومة جديدة سيحتاج تلقائياً الى «مظلة» خارجية لا تبدو في هذه المرحلة متوافرة في ظل الانغماس الكلي في الازمة السورية وتداعياتها في أكثر من ساحة.
وفي غمرة هذه السيناريوهات، جاء موضوع طلب الدعوة لمعاودة جلسات الحوار برئاسة سليمان كـ «حاضنة» داخلية يمكن ان تستولد مخرجاً لأزمة متعددة «الاضلاع» وبات يتشابك فيها عنوان الحكومة وقانون الانتخابات والانتخابات وربما الحكومة التي ستفرزها وبيانها الوزاري، اضافة الى بند سلاح حزب الله.
وفي هذا الإطار، برزت الاتجاهات الآتية:
– مطالبة 8 آذار عبر الرئيس نبيه بري بحوار يسبق ولادة الحكومة ويشمل سلّة متكاملة تتمحور حول رئيسها وطبيعتها وقانون الانتخاب والاستحقاق النيابي.
– دعوة 14 آذار، عبر أطراف فيها الى تشكيل حكومة حيادية والذهاب الى انتخابات بمعزل عن الحوار رغم ترحيبها به واستعدادها لتلبيته في مقابل دعوة افرقاء آخرين فيها لحكومة أقطاب انقاذية.
– ملامح المخرج الذي بدا ان فريق رئيس الجمهورية يسوّقه ولاقاه ميقاتي ويقوم على تكليف رئيس للحكومة بموجب الاستشارات النيابية ثم الذهاب الى الحوار للتوافق على سلّة تتناول تشكيل الحكومة وقانون الانتخاب والانتخابات من ضمن ما أطلق عليه سليمان اسم «اعلان بعبدا – 2».
وكان لافتاً عشية توجّه الرئيس سليمان الى قطر للمشاركة في القمة العربية وعقد لقاءات جانبية لم يغب عنها موضوع الحكومة، الاتصال الذي تلقاه من وزير الخارجية الأميركية جون كيري حيث نقل لرئيس الجمهورية دعم الإدارة الأميركية للجهود التي يبذلها ولموقف لبنان المرتكز على اعلان بعبدا، في ما يتعلق بتطورات المنطقة، وخصوصاً الحوادث في سوريا، والعمل على عدم انتقال تداعياتها السلبية إلى لبنان، مؤكداً تأييد «الجهود المبذولة لاجراء الانتخابات النيابية وفقاً لأصول الممارسة الديموقراطية والقانون الذي سيعتمده مجلس النواب»، معرباً عن «استعداد بلاده لدعم سيادة لبنان واستقراره ولتقديم المساعدات في موضوع النازحين السوريين».
وفي حين برز استقبال ميقاتي في طرابلس المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء أشرف ريفي، لفت تحول مقر الرئيس بري في عين التينةالى خلية اجتماعات نشطة، اذ باشر اجتماعات بممثلين لفريق 8 آذار ومن ثم بوفود من 14 آذار، وهي مشاورات اكتسبت الطابع الاولي لمقاربة الازمة الحكومية، استعداداً لجولة المشاورات التي اطلقها الرئيس سليمان غداة عودته من الدوحة وامتدت الى ما بعد عيد الفصح، حيث برز انتظار حصيلة استشارات التكليف كما الجلسة العامة للبرلمان التي حُددت مبدئياً في 5 نيسان (ابريل) على ان يكون البند الاول على جدول اعمالها إلغاء قانون الستين النافذ للانتخاب، من دون ان يتّضح اذا كانت الايام الفاصلة عن الجلسة أمّنت توافقاً على قانون جديد وهو ما لم تنجح الاطراف السياسية في بلوغه على مدار أشهر، وماذا سيكون مصير المشروع الارثوذكسي (ينتخب بموجبه كل مذهب نوابه) وسط انطباع بان قوى 8 آذار تتجه للردّ على استقالة ميقاتي بالسعي الى إقراره وتالياً تعديل موازين القوى التي اختلّت بتطيير الحكومة.
وكان لافتاً ما نُقل عن رئيس البرلمان في اليوم الاول من جولة مشاوراته، من انه  لم يعد متمسكاً بعقد جلسة لهيئة الحوار الوطني تتولى مناقشة ملف الحكومة وقانون الانتخاب والاستحقاق النيابي لبتّها في سلّة واحدة قبل الاستشارات وليصار في ضوئها الى تحديد طبيعة الحكومة وشخص رئيسها، وهو ما بدا انه تمت الاستعاضة عنه بترك الآلية الدستورية تعمل لتسمية رئيس الحكومة العتيدة، وفي موازاة تحريك عجلة العمل التشريعي على جبهة قانون الانتخاب، ومن دون ان يتضح في غمرة ذلك مصير اقتراح قانون  تعديل السنّ القانونية لقادة الاجهزة الامنية والعسكرية الذي قدّمه 68 نائباً (من 14 آذار ومن كتلة النائب وليد جنبلاط) بهدف ضمان التمديد للواء اشرف ريفي،  ولا ايضاً مصير مشاورات تشكيل الحكومة التي لن يعني تكليف رئيس لها فتح الطريق امام تشكيلها.

«خطف على الهوية»
وفي غمرة هذا المناخ، كان «الغليان» يلفّ المشهد اللبناني راسماً ملامح سباق فعلي بين «وأد فقاقيعه» المذهبية في منطقة و«ظهورها» في أخرى، في مؤشر الى مناخ الاستقطاب الحاد غير المسبوق الذي يسود  البلاد.
ولم تكد بيروت ان «تلتقط أنفاسها» بعدما نجح الجيش اللبناني و«بالقوة» في «إرجاء» الانفجار الكبير الذي وقفت على «حافته» عاصمة الشمال طرابلس عبر جبهة جبل محسن – باب التبانة (العلوية – السنية)، حتى أطل «خط تماس» جديد (سني – شيعي) في البقاع اسمه  عرسال – اللبوة الذي «تحرّك» على خلفية عملية خطف حسين كامل جعفر (في خراج عرسال) وردّ العشيرة المسلحة التي ينتمي اليها بـ «خطف مضاد» لثمانية من أبناء عرسال، التي تكاد ان تكون «جزيرة سنية» في محيط من القرى الشيعية في البقاع الشمالي.
وقد شهد البقاع الشمالي على مدى ايام عمليات «كر وفرّ» بين الخطف المتبادل و«التسريح» لمخطوفين في اطار عملية «ضغط» من جانب عشيرة آل جعفر واهالي عرسال لضمان إطلاق مخطوفيهم، ولا سيما حسين جعفر الذي اشارت معلومات الى انه كان شريكاً للذين احتجزوه في اعمال التهريب (الى سوريا) والاتجار بالخردة والذي بلغت الاتصالات للافراج عنه بين وجهاء آل جعفر وعائلات عرسال حد ذهاب وفد من الأخيرين الى داخل الاراضي السورية التي نُقل المخطوف اليها بغية إعادته.
وجاء مشهد «الخطف على الهوية» ليذكّر اللبنانيين باحد مظاهر الحرب الاهلية عشية ذكراها الـ 38 في 13 نيسان (ابريل).

فؤاد اليوسف
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق