سياسة لبنانيةلبنانيات

فوضى شاملة تساهم في انحلال البلد والمعالجات الترقيعية غير فاعلة

المجلس النيابي مصر على تعطيل انتخاب رئيس والحكومة رهن ارادة الكتل التي تؤمن النصاب

تعطلت السياسة وحلت محلها الازمات القضائية والمالية والمعيشية، فكأنه كتب على اللبنانيين ان يبقوا في مواجهة دائمة مع القضايا الصعبة التي تحول حياتهم الى جحيم. فالمجلس النيابي يبدو انه اتخذ قراراً بالاستمرار في تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، فامتنع الرئيس نبيه بري للاسبوع الثاني عن دعوة النواب الى الانتخاب، مع علمه الاكيد، وهو الضليع في الشؤون البرلمانية ان هذا التصرف مخالف للدستور. ولكن ليس هذا مهماً فليست هي المرة الاولى التي يخرق فيها الدستور في لبنان. فعلى امل ان تصل كلمة السر قريباً ونخرج من هذا الشغور القاتل.
اما الحكومة فليست افضل حالاً. فهي معطلة دستورياً الا في بعض الحاجات الملحة، ولكن يمكنها هي ايضاً مخالفة الدستور «وما حدا افضل من حدا». وبما ان مجلس الوزراء لا يمكنه ان يجتمع الا اذا تأمن نصاب الثلثين، تبقى الحكومة خاضعة لارادة الكتل التي تؤمن لها النصاب. فتجتمع مرة وترجىء اجتماعها مرة اخرى.
اما السلطة القضائية فهنا تكمن المصيبة الكبرى للبلد، الذي لا يمكنه ان يستمر في غياب القضاء والعدل، والا حكمته شرعية الغاب. غير ان القضاء هذه الايام ليس بخير وهو يعاني من انقسامات حادة تعطل دوره، وليس في الافق من معالجات. اما السبب وكالعادة في كل ازمة، فتش عن السياسة، التي ما دخلت شيئاً الا وخربته. لقد اصبح واضحاً انه ممنوع على القضاء ان يصل الى الحقيقة في جريمة انفجار المرفأ، لما لها من تداعيات يصعب تحملها، نظراً للاضرار الهائلة الناجمة عنها، من قتل واصابات ودمار وتهجير. وامس اقدم النائب علي حسن خليل على اقامة دعوى جديدة على المحقق العدلي فزاد الامر تعقيداً. فهل من حلول؟ كل ذلك وعيون الخارج على لبنان وازماته، وكأن الدول تنتظر انحلال الدولة اللبنانية وتفككها لتضع يدها عليها.
على الصعيد المالي، وبعدما خرق الدولار كل السقوف العالية ودمر حياة اللبنانيين، عقد مجلس البنك المركزي اجتماعاً امس، وصف الحاضرون النقاشات بانها كانت مثمرة وجيدة. واتخذ سلسلة قرارات ستظهر مفاعيلها تباعاً. قابل ذلك اصدار مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات مذكرة الى النائب العام المالي، طلب منه فيها اصدار استنابات الى القوى الامنية، ملاحقة الصيارفة والمتلاعبين باسعار الدولار وسوقهم مخفورين الى القضاء لينالوا جزاءهم. وطلبت المذكرة الاسراع في تنفيذ المهمة. فنرجو ان يضع هذا التدبير حداً للتلاعب بحياة المواطنين.
كذلك تحرك وزير الاقتصاد امين سلام، وطلب الى اصحاب السوبرماركت التسعير بالدولار. بالطبع الدفع سيبقى بالليرة اللبنانية ولكن قرار الوزير يهدف الى وضع ضوابط لرفع الاسعار. فقد عمدت بعض المحلات التجارية الى استغلال التلاعب باسعار العملة، فتجاوزت كل الحدود وعندما كان الدولار يرتفع الف ليرة كانت الاسعار بالمقابل ترتفع الاف الليرات. حتى بات الحصول على السلع الضرورية للبقاء على قيد الحياة من مواد غذائية وغيرها، فوق قدرة السواد الاعظم من اللبنانيين. ويأمل المواطنون ان تكون هناك رقابة صارمة على تنفيذ هذه القرارات، لا ان تبقى حبراً على ورق، كما عودونا دائماً.
حيال هذه الفوضى العارمة لم يبق امام المواطنين سوى اللجوء الى الاضرابات وهي الوسيلة الوحيدة المتوفرة لديهم. فاعلنت الادارات العامة الاضراب وتوقفت عن العمل لتزيد التعطيل القاتل. ولكن الاضراب الاخطر هو اضراب الاساتذة المستمر منذ اسابيع في المدارس الرسمية واصبح العام الدراسي مهدداً بالخطر. وامس لوح نقيب معلمي المدارس الخاصة بالاضراب ايضاً ودعا الى التوقف عن التدريس يوم غد الاربعاء. ويسأل اهالي الطلاب عن السبب؟ لقد ارغمتهم المدارس الخاصة وتحت التهديد بطرد اولادهم، على دفع ما سمته «دعماً طوعياً» بالدولار الفريش، وقد غالت بعض هذه المدارس في تحديد النسبة. فبينما اكتفت بعضها بثلاث او اربعماية دولار عن كل طالب، عمدت اخرى الى فرض الف دولار على كل طالب وممنوع الاحتجاج. ضاربة كل القيم الدينية والاخلاقية والانسانية عرض الحائط. فهل يحق لهذه المدارس ان يضرب اساتذتها. وماذا فعلت بالمبالغ التي قبضتها ظلماً على حساب حياة الطلاب واهلهم؟
اخيراً دعا الاتحاد العمالي النقابات المنضوية تحت لوائه الى اضراب شامل على كل الاراضي اللبنانية يوم الثامن من شباط المقبل، احتجاجاً على ارتفاع اسعار المحروقات والمواد الغذائية والسلع الضرورية وغيرها. واستدرك رئيس الاتحاد بشاره الاسمر، فاكد ان الاضراب لن يرافقه قطع الطرقات بل تجمعات يصار الى تحديدها لاحقاً. فالاتحاد العمالي وكما هو معروف عنه، يفضل دائماً ان يساير المسؤولين غير المسؤولين، والا لكان اعلن عن هذا الاضراب قبل اليوم. وان الدعوة الحالية هي من باب رفع العتب ولن تبدل شيئاً في المواقف. وسيبقى المواطن وحده يدفع الثمن الى ان يمن الله عليه بمنقذ ديكتاتوري وعادل يضع الامور في نصابها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق