آدب

جميلة حسين: أكتب الشعر وأعيشه… فهو يسكنني وأنا أسكنه

عندما نغوص في سيرة الشاعرة جميلة حسين، باستطاعتنا عندئذٍ، أن نعرف لماذا اندفعت نحو عالم الشعر وكتبت نصوصه الحرّة، بعدما تمرّدت على القيود التي وضعها الفراهيدي، وسارت على خطى الشاعر العباسي أبو العتاهية الذي اعتبر نفسه أكبر من العَروض، وغيره من شعراء هذا النوع من الشعر… باكراً اكتشفت جميلة حسين جمال القرية التي أبصرت فيها نور الحياة وترعرعت فيها، وباكراً قرأت لكبار الفلاسفة والمفكرين، وباكراً عرفت كم هي قاسية هذه الحياة، وكم فيها من القهر والظلم واللاعدالة… لذلك، لم تتردد في اللجوء الى عالم الشعر، الذي باكراً كتبته ايضاً، لانه في نهاية المطاف هو المنقذ الوحيد للانسان الباحث عن خشبة الخلاص… ففي الشعر يعبّر الانسان عن اوجاعه وهواجسه، عن احلامه وآماله، عن حبه، عن افكاره، عن حريته، عن سعادته… وهو قد يصل الى الخلاص، والى مبتغاه، وقد لا يصل، ولكن يكفيه انه عاش اجمل تجربة كتابية… فالشعر كالحب، نوع من الوهم الجميل! وبعد ديوانها الاول «اغتيال أنثى» آصدرت الشاعرة جميلة حسين ديوانها الثاني «كي لا أنام على رصيف العمر»، اما ديوانها الثالث فهو قيد التحضير. وهنا الحوار  معها.

كيف تقدّمين نفسك؟
من قرية وادعة جنوب البقاع الغربي تدعى «لبّايا» أتيت. قرية تغازل جبل حرمون بشموخه، وطقسه البارد المنعش.
بين أزقة ضيعتي لعبت، وعلى اشجارها تسلقت، وتحت مطرها مشيت، وفي مدرستها تعلّمت…
في السبعينيات تعرّفت الى الافكار الوجودية، والماركسية، وقرأت سارتر، وماركس، وكامو، وسيمون دي بفوار، وليلى بعلبكي…
وتعرّفت الى مجلة «شعر» ومجلة «الآداب»، وقرأت يوسف الخال، وأدونيس، ومحمد الماغوط، وشوقي أبي شقرا، ومحمود درويش. ولاحقاً عباس بيضون، ووديع سعادة… وغيرهم من شعراء الحداثة وقصيدة النثر…
شغلني باكراً جداً العمل الاجتماعي والثقافي، وكانت لي نشاطات في نادي القرية. نشطت ضمن لجنة حقوق المرأة اللبنانية… وكانت قضية المرأة وحضورها موضوع رسالتي في الماجستير/لغة عربية.
عملت صحافية في اواخر السبعينيات وراسلت جريدة «النداء» وكتبت فيها لسنوات…
وبعد انشغالي لسنوات بالاولاد والأسرة، عُدت الى نشاطي في العمل الثقافي، وترأست جمعية «حلقة الحو ار الثقافي» لثلاث سنوات متتالية (2010 – 2012).
باختصار، هذا بعض من مسيرتي في الحقل الثقافي والاجتماعي.

دوافع كثيرة
ما الذي دفعك الى كتابة الشعر؟

كل ما حولي دفعني الى كتابة الشعر، جمال القرية وطبيعتها، بساطة الناس وعفويتهم، القهر، الظلم… الحب والرجل… واول من همس لي بالشعر وانا طفلة صغيرة هي جدتي لأمي، التي كانت تتندر اشعاراً وامثالاً شعبية…
كتبت الخواطر في عمر المراهقة، والشعر في ما بعد… ولم افكر بالنشر الا متأخرة، فكان ديواني الاول: «اغتيال أنثى»، والثاني: «كي لا أنام على رصيف العمر»، وديواني الثالث قيد التحضير…

التعبير بالشعر
لماذا تكتبين الشعر؟

كي اعبّر عن نفسي اكتب الشعر، كي اعبّر عما حولي اكتب الشعر… كتبت في الحب، وللرجل: حبيباً وإبناً وشريكاً جميلاً في الحياة… كتبت لأولادي والطبيعة والحرب والظلم والقهر… لكل هذا اكتب الشعر، أعيش الشعر، اسكنه ويسكنني.

تجربة شعرية
كيف تختصرين تجربتك الشعرية؟

اشعر ان تجربتي الشعرية لا تزال في بدايتها، ولا تزال قيد التجريب… نحن نتعلّم في كل يوم، ونجرّب الاشياء كل يوم، لهذا نجرّب التعبير شعرياً كل ليل، وكل حب، وكل غضب، وكل موت، وكل قضية…
كل هذه الامور حرّكت وتحرّك شعريتي وتفجرها… احياناً أوفق واحياناً اخفق، كما الحياة… كلها تجارب نعيشها، ونتعلم منها.

 ابنة شرعية للواقع
انت تكتبين القصيدة النثرية الحرّة، فالى اي مدى استطاعت هذه القصيدة ان تثبت وجودها؟

صحيح، انا اكتب قصيدة النثر، لانها تعبّر عني وعما يحوط بي. اما اذا ما استطاعت قصيدة النثر ان تثبت وجودها، فاعتبر ان السجال حول شرعية هذه القصيدة لم يعد ذا جدوى، وباتت هذه القصيدة بعد تراكم  العديد من التجارب حقيقة شعرية من العبث نفيها.
رغم ذلك، فان هناك من يصرّ حتى اللحظة على اسقاط صفة الشعرية عنها، عازياً ذلك الى جملة من الاسباب، ابرزها: عدم التزام قصيدة النثر بقواعد الوزن والقافية. وبطبيعة الحال فان هؤلاء الاصوليين معذورون، بحكم انهم ينظرون الى الاشكال الشعرية بوصفها سلسلة تفرز بعضها.
قصيدة النثر مارست القطيعة ضد التسلسل الاعتيادي للشعر العربي، فتمت مواجهتها بهذا الكمّ من الرفض. القطيعة التاريخية تلك، تلازمت مع قطيعة بالأدوات، حيث تغيّرت الصور والمجازات والموضوعات. الشعر بات اقرب واكثر التصاقاً بالواقع، وهذا ما يفسّر قدرة قصيدة النثر على اثبات نفسها، هي لقيطة بالنسبة الى الذاكرة التراثية العربية الشعرية، لكنها ابنة شرعية للواقع. على عكس قصيدة الوزن والتفعيلة التي تجد شرعيتها بقوة في الذاكرة وتفتقدها في الواقع.

بين قصيدة واخرى
ما هو الفرق برأيك، بين القصيدة النثرية الحرّة، والقصيدة المكبّلة بالوزن والقافية؟

قد تكون قصيدة النثر حرّة، بمعنى انفتاحها على عوالم وآفاق لم يدركها الشعر العربي من قبل، لكنها في الوقت عينه مضبوطة باشتراطات فنية، تتمثل بالتكثيف والايقاع الداخلي والتصعيد الدرامي، بحيث يصبح لكل شاعر اشتراطاته الخاصة التي ينقلب عليها من حين لآخر، فينجز غيرها.
بينما، لا نجد ذلك في قصيدة الوزن التي تعتمد الايقاع الصاخب مبدأ لها. اذاً، هو فرق بين المرونة والصلابة. المرونة التي تتسع لكل الاشكال والافكار والمناخات والصوّر، وتنقلب على نفسها بشكل مستمر. والصلابة الجامدة هي التي لا تحتمل سوى عدد معين من الموضوعات وتجترّ بها. وعلى خلاف ما قد يُعتقد، فان الوزن يخفي من صنعته الكثير من العجز، اذ يعمد الشعراء الى استسهال كتابة الوزن هرباً من استحقاقات الخيال. ففي الوزن، الشاعر لا يحتاج سوى الالتزام بالايقاع. الايقاع الذي يضبط الخيال ويقولبه بذريعة الموسيقى وضرورة وجودها في الشعر.

خشبة خلاص الانسان
تارة تكتبين القصيدة المختصرة القصيرة، وطوراً القصيدة القصصية الطويلة، ولا ضير في ذلك، والسؤال: الى اي مدى يساهم الشعر في عملية التغيير، وهل تعتبرينه خشبة خلاص؟

قصيدة الوزن طالما قدّمت نفسها كمنقذة للعالم ومنجّية له. فكرة الخلاص عبر الشعر تكرّست بشكل فعلي لحظة دخول الشعر الوزني زمن القصيدة الوطنية، التي تحتفي بالبطولات الخرافية وتسعى الى اسطرتها. لقد وجد  الهمّ الوطني والقومي متنفساً له عبر قصيدة الوزن. التي ترفض بحكم بنيتها الصلبة الموضوعات الحياتية، وتميل نحو الموضوعات الكبرى: الوطن، الارض، الحرية. لكن من ابرز مبررات وجود قصيدة النثر هو الرد على هذه القصيدة الانتصارية الخلاصية التي تتوهم تغيير العالم. فجاءت قصيدة النثر لتتحدث عن الهزيمة الفردية وانكسارات الذات وعزلتها في عالم شديد البرودة والقسوة.

اعمال ادبية متنوعة
ما يشغلك في هذه الايام؟

حالياً تشغلني امور عدة: انهاء ديواني الجديد الذي يحتاج لبعض المراجعة والتعديل. يشغلني بحث اكاديمي، يتناول حضور المرأة في الرواية اللبنانية، قراءة تاريخية… ويشغلني مشروع رواية، ما زالت قيد الافكار، لم تتبلور بعد.

حلقة الحوار الثقافي
كيف تقوّمين تجربتك في «حلقة الحوار الثقافي»، وماذا اضافت اليكِ هذه التجربة؟

صحيح انني لست حديثة وطارئة على العمل الثقافي، ولي تجربة قديمة فيه، الا ان «حلقة الحوار الثقافي» التي ترأستها لثلاث سنوات متتالية اضافت لي الكثير. هي حلقة عريقة بتاريخها، غنيّة باعضائها ونشاطاتها.
فيها تعرّفت الى عالم جديد اضاف لي الكثير، اقمنا عشرات الندوات والامسيات الشعرية، والمؤتمرات الثقافية في لبنان والعالم العربي… كرّمنا ادباء وشعراء ومفكرين من لبنان والوطن العربي… اصدرنا كتباً ونشرات…
لحلقة الحوار الثقافي مكانة مميزة في  قلبي، من خلالها التقيت بعشرات وعشرات المثقفين وحاملي الفكر… واصبح الكثيرون من اصدقائي.

اسكندر داغر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق