مهرجان

مهرجانات بعلبك «تكسر اللعنة» وتتحدّى الارهاب مع مرسيل خليفة والمغنية البرازيلية اليان الياس

تحدت مهرجانات بعلبك الدولية الوضع الأمني المتوتر الذي يشهده لبنان، وكان افتتاحها مساء الجمعة، بعد ساعات من تفجيرين في مدينة طرابلس (شمال لبنان)، بمنزلة «كسر اللعنة» التي لاحقت الدورة الحالية، بحسب وزير السياحة اللبناني فادي عبود الذي قال لوكالة فرانس برس ان استمرار المهرجانات هذه السنة يشكّل «فعل مقاومة»، على رغم اقامتها استثنائياً في احدى الضواحي الشمالية لبيروت، بسبب الظروف الأمنية التي تشهدها بعلبك القريبة من الحدود مع سوريا.

 قالت رئيسة لجنة مهرجانات بعلبك الدولية نايلة دو فريج، في كلمة ألقتها قبيل رفع الستارة عن أولى حفلات المهرجان الدولي: «على الحياة أن تستمر، وعلى لبنان أن ينهض. لبنان بلد الحضارة والإشعاع هو كطائر الفينيق الذي ينتفض حياً من تحت الرماد». وطلبت من الحاضرين الوقوف دقيقة صمت تعبيراً عن «مشاركة كل من يتألم».
أما عبود الذي مثّل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في افتتاح المهرجان، فقال: «إن مسحة الحزن موجودة لدى كل اللبنانيين من جرّاء ما يحصل في بلدهم، إلا أن الحياة ينبغي أن تستمر». وأضاف: «لن نقبل بأن يجعلونا نموت، لا جسدياً ولا نفسياً. واستمرار المهرجان فعل مقاومة كي لا نموت نفسياً. يجب أن تستمر الحياة، ويجب أن نبقى الأساس في ثقافة العالم الذي يحوط بنا». وعن «اللعنة» الأمنية والسياسية والفنية التي لاحقت المهرجان، أجاب: «لقد كسرناها الليلة».

بعلبك الغائبة – الحاضرة
وهكذا، ووسط إجراءات أمنية مشدّدة، حضر نحو ألف شخص حفل الافتتاح لعازفة البيانو والمغنية البرازيلية إليان إلياس، في الموقع الموقت للمهرجان، وهو معمل للحرير يعود إلى القرن التاسع عشر في منطقة سد البوشرية، شرق العاصمة اللبنانية.
وشكلت أبنية خان الحرير التراثية الثلاثة، بأحجارها المصفوفة والمكللة بالقرميد الأحمر، خلفية المسرح. وزينت الخشبة صورة عملاقة بالأبيض والأسود لباب أحد المعابد الأثرية في مدينة بعلبك التي درجت على استضافة المهرجان منذ خمسينيات القرن الماضي، بين أعمدة آثارها الرومانية. وحضرت مدينة الشمس أيضاً بالذاكرة من خلال معرض يتضمن صوراً لأبرز حفلات الفنانين التي قدمت في مهرجانات بعلبك الدولية.
وعلى مدى ساعة ونصف الساعة، عزفت إليان إلياس (53 سنة) وغنّت من لونَي الجاز والـ «بوسا نوفا»، (وهو نمط موسيقي برازيلي شعبي يمزج الجاز بالسامبا ظهر في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي في ريو دي جانيرو).
وكانت بعض المقطوعات التي غنتها وعزفتها خلال الحفلة تحية إلى جاو جيلبيرتو، أحد رموز الـ «بوسا نوفا»، وقدمت تحية إلى عازف الترومبيت ومغني الجاز الأميركي تشت بايكر من خلال أغنيتين من أسطوانتها الأخيرة. وقدمت «سودانسو سامبا» و«روزا مورينا» وسواهما من كلاسيكيات الـ «بوسا نوفا». وأحاطت بإليان إلياس فرقتها التي تضم ثلاثة عازفين، هم زوجها مارك جونسون على الفيولونسيل، وروبنز دي لا كورتيه على الغيتار، ورافايل باراتا على الدرامز.
وخاطبت إلياس الجمهور مراراً قائلة: «إن جو لبنان الحار والرطب يذكرني بالبرازيل». وكانت قبل كل أغنية تؤديها عزفاً وغناء تتوقف لتروي بالإنكليزية خبرتها معها وتترجم عناوينها الى جمهور كان في صفوفه عشرات البرازيليين.
وحيّت إليان لجنة تنظيم مهرجانات بعلبك والجمهور قائلة: «أمضيت وقتاً رائعاً في بيروت وأنتم مستمعون رائعون».

 


بـ «بغيبتك نزل الشتي» حيّا مدينة الشمس
مرسيل خليفة على عوده عزف وغنى الحب وتهكم على ملوك السياسة

كالحرير، إنساب صوت الفنان اللبناني مرسيل خليفة ولحن عوده مساء السبت الفائت في أرجاء معمل الحرير التراثي في سد البوشرية، الذي اقيمت فيه استثنائياً حفلات مهرجانات بعلبك الدولية، فقدم باقة من الاغنيات التي طبعت مسيرته وذاكرة جيل بكامله، مطعمة باغنيات جديدة تعرف الجمهور عليها للمرة الأولى.

شاء الفنان الستيني، الذي وضع وشاحاً ابيض حول عنقه، الا يكون وحيداً مع عوده على المسرح، فاختار آلة وترية اخرى غربية لترافقه، هي التشيللو، التي تولى العزف عليها ساري خليفة، إبن شقيقه. وبين اوتار العود الشرقي واوتار التشيللو الغربي، عزف مارسيل خليفة وغنى على اكثر من وتر، من السياسة إلى الحب، مروراً بالدين.
وبعد مقدمة موسيقية، بادر مرسيل في بداية الحفلة جمهوره بكلمات الشاعر محمود درويش قائلاً: «عندما يذهب الشهداء الى النوم اصحو واحرسهم من هواة الرثاء واقول لهم تصبحون على وطن من سماء ومن شجر، من سراب وماء». واضاف: «فلنقف دقيقة صمت تحية لارواح شهداء مجزرتي بيروت وطرابلس»، في إشارة إلى التفجير الذي وقع في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية في 15 آب (أغسطس) الجاري، والتفجيرين اللذين وقعا في مدينة طرابلس (شمال لبنان) يوم الجمعة الفائت.

تحية الى بعلبك و… ملك الملوك
وفي تحية الى بعلبك التي لم يقَم فيها المهرجان هذه السنة قسراً، نظراً للاوضاع الامنية، انشد خليفة «بغيبتك نزل الشتي» للشاعراللبناني ابن مدينة الشمس طلال حيدر. وقال خليفة: «كنا نحب أن نكون في بعلبك ونحيي حفلة هناك غداً، لكن بسبب الاوضاع الصعبة تعذر ذلك. أهلاً وسهلاً بكم وسنغني السنة المقبلة في بعلبك».
وقدم خليفة مجموعة من الاغنيات الجديدة التي نالت استحسان الحضور. وفي أبرزها، اثار واقع الوراثة السياسية في لبنان والعالم العربي، فتهكم على «لوك» (مظهر) «ملك الملوك» الذي فيه «20 توك» (أي 20 عيباً)، مخاطباً إياه «واجب الواجب علينا نشكر اللي خلفوك»، وقبل أن تمسكني برقبتي أمسكني ابوك»، ولم اقل له يوماً «تروك» (اي اتركني).
وقال قبل ان يؤديها «هي اغنية تحية الى كل الوزراء والنواب الموجودين وحين ينتهون يأتي دور اولادهم واولاد اولادهم».
وفي حديث إلى وكالة فرانس برس، قال خليفة: «إن المضمون السياسي للاغنيات موجه إلى جميع السياسيين، من المحيط الى الخليج».
واضاف «لا أستثني احداً، واولهم سياسيو لبنان». لكنه أضاف: «لا اريد ان احمل هذه الحفلة اسقاطات. فيها زهد وسلام داخلي وعودة الى الذات والانسانية.. المهم ليس الام او الحبيبة او من ننتقد، المهم هو الداخل، كيف نصرخ وكيف نبوح».

الى يوسف عبدلكي
واهدى خليفة اغنية «انا يوسف يا ابي» من كلمات الشاعر محمود درويش إلى الفنان التشكيلي السوري يوسف عبدلكي الذي اطلقته السلطات السورية اخيراً بعدما اعتقلته في 18 تموز (يوليو) مع رفيقيه توفيق عمران وعدنان الدبس، القياديين في حزب العمل الشيوعي المعارض. وذكر خليفة بأنه حوكم على هذه الأغنية ودخل قصر العدل «في بلاد الإشعاع والنور»، قبل أن يبرئه القضاء اللبناني.
وفي أغنيته الجديدة «فكر بغيرك»، بعد سياسي أيضاً، وتقول لازمتها «وانت تعد فطورك فكر بغيرك، لا تنس قوت الحمام، وانت تخوض حروبك فكر بغيرك، لا تنس طلب السلام، وانت تعود الى بيتك فكر بغيرك لا تنس شعب الخيام».
أما في
«بحبِك»، فيخاطب الحبيبة قائلاً إنه يحبها «ضد كل الاشياء البشعة، والحكي كلو اللي عم ينباع».
وروى خليفة أنه تعرف للمرة الاولى الى الموسيقى واحبها بفضل ترتيلة كنسية. وقال: «صغيراً، كنت ارافق امي الى الكنيسة و امسك بفستانها، ولم اكن اعرف ان الله موجود ولم يهمني الموضوع، وربما لا يهمني حتى اليوم. هي ترتيلة جعلتني احب الموسيقى».
وعزف ساري خليفة مطلع «يا مريم البكر» ثم دخل عود مرسيل ليزيدها حناناً وضخامة، بتوزيعه الجديد ورؤيته الخاصة.

من قديمه
وأرضى مرسيل خليفة جمهوره واشعله حين غنى باقة من اغنيات بداياته التي ساهمت في نجاحه ورسخت حضوره الفني، ومنها «منتصب القامة امشي» و«ريتا» و«يا بحرية» و«احن الى خبز امي» و«اخاف من القمر». وكالعادة، شكل الجمهور الذي ناهز الألفي شخص، كورساً لخليفة، إذ بدا أنه يحفظ كلمات اغنياته «مثلما يذكر عصفور غديراً».
وقرأ خليفة قصيدة من ديوان شعر «سرير الغريبة» للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش كتب موسيقاها للتشيللو الذي عزف عليه ساري خليفة.
وشكر الفنان في ختام حفلته التي امتدت نحو ساعتين، حضور الجمهور «في هذا الوقت العصيب». وشكر لجنة مهرجانات بعلبك الدولية وتمنى ان يحيي حفلة السنة المقبلة ضمن مهرجانات بعلبك الدولية في بعلبك فـ «المهرجان هو لبعلبك وسيبقى لبعلبك».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق