شراكة استراتيجية عُمانية – صينية لتحقيق المصالح المشتركة

يأتي توجه السلطان قابوس بن سعيد والرئيس شين جينبينغ رئيس جمهورية الصين الشعبية الصديقة الى إقامة شراكة استراتيجية بين البلدين ليؤكد على متانة العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين وهي خطوة هامة على صعيد هذه العلاقات التي تنطلق بخطى متتابعة لتحقيق مزيد من المصالح المشتركة والمتبادلة في مختلف المجالات.
ويأتي التوجه لإقامة الشراكة الإستراتيجية بين السلطنة وجمهورية الصين الشعبية مصاحباً للذكرى الأربعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية التي انطلقت في 25 ايار (مايو) عام 1978.
وإذا كان الانتقال بالعلاقات العمانية/الصينية الى مستوى الشراكة الاستراتيجية قد جاء في هذه الذكرى الهامة وهو ما استند الى التقويم العالي من السلطان قابوس والرئيس الصيني للتقدم الكبير الذي حققته هذه العلاقات وفي ضوء الحاجة الواقعية لتطويرها فإن هذا التقويم الرفيع يرتكز على أسس راسخة في علاقات الجانبين وهي أسس ترتبط بتاريخ طويل منذ وصول البحارة والتجار العمانيين الى موانئ الصين وأقاموا هناك علاقات طيبة مع الشعب الصيني ودليل ذلك وجود نموذج السفينة العمانية «صحار» في ميناء كانتون الصيني.
وقد تطورت العلاقات العمانية/الصينية على امتداد العقود الأربعة الماضية على مختلف المستويات الرسمية والشعبية وعلى صعيد التبادل التجاري الذي يسجل مليارات عدة من الدولارات سنوياً.
وتعد الصين الشعبية المستورد الأكبر للنفط العماني وتوجد مستويات للتعاون والاستثمار المشترك بين البلدين في مجالات التقنية والطاقة والمجالات الصناعية. وفي هذا الإطار تشكل المدينة الصناعية الصينية العمانية التي ستقام في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم التي تقدر استثماراتها بنحو عشرة مليارات دولار نموذجاً لذلك التعاون، وهو على جانب كبير من الأهمية بالنظر الى تنوع المشروعات التي تقام في هذه المدينة.
ومن المعروف أنه ومنذ أن طرح الرئيس الصيني شين جينبينغ مبادرة «الحزام والطريق» عام 2013 من أجل استعادة حيوية «طريق الحرير» وتطوير العلاقات الاقتصادية مع الأطراف الأخرى على امتداد هذا الطريق بين شرق الصين وأوروبا مروراً بآسيا الوسطى وجنوب الجزيرة العربية، فإن السلطنة وبحكم اهتمامها التاريخي والحديث بطريق الحرير في إطار عناية منظمة اليونسكو به، حرصت على الانضمام الى البنك الصيني للبنية الأساسية الذي أنشأته الصين في إطار مبادرة «الحزام والطريق» خصوصاً وأن السلطنة تتوفر لها بحكم علاقاتها التاريخية مع الصين وموقعها الاستراتيجي، الذي طالما أسهم بدور مؤثر في التجارة بين الشرق والغرب ما يعزز تطوير العلاقات بين البلدين ضمن هذه المبادرة. يضاف الى ذلك الثقة السياسية المتبادلة بين الدولتين الصديقتين واتساع مجالات التعاون والاهتمام المشترك، خصوصاً وأن جمهورية الصين الشعبية تتحول بالفعل الى عملاق اقتصادي عالمي كبير ويتزايد دورها السياسي الدولي وبالذات في ما يتصل بدعم جهود السلام وحل المشكلات بالطرق السلمية.
ومما يجدر ذكره أن البيان المشترك الذي صدر بمناسبة مرور أربعين عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين السلطنة وجمهورية الصين الشعبية الصديقة تضمن العديد من الجوانب التي تحظى بالأولوية للتعاون فيها لتعزيز وتطوير العلاقات بين الدولتين في مختلف المجالات.
وبينما أكدت الدولتان على أهمية تعزيز التواصل والتشاور بين قيادتي البلدين ومواصلة التنسيق الدائم بشأن العلاقات الثنائية والقضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك وتوسيع الرؤى المشتركة، فإنهما أكدتا أيضًا على الالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، كما أكدت السلطنة التزامها بمبدأ الصين الواحدة فيما تدعم الصين جهود السلطنة الرامية الى صيانة السيادة والاستقلال وسلامة الأراضي والأمن القومي والاستقرار.
وفي ما يتصل بمبادرة «الحزام والطريق» أعربت السلطنة عن ترحيبها ودعمها لها وحرصها أيضاً على المشاركة النشطة في مشاريع هذه المبادرة ومواصلة الدعم والمشاركة في منتدى «الحزام والطريق» للتعاون الدولي وغيره من الفعاليات ذات الصلة، وهو ما رحبت به الصين وبأن تكون السلطنة «شريك التعاون في بناء الحزام والطريق» ومناقشة وتوقيع الوثائق الخاصة بذلك.
وبالنظر الى اتساع وتعدد مجالات التعاون والمصالح المشتركة والمتبادلة بين الجانبين في مجالات التجارة والصناعة التحويلية والاستثمار والاستفادة المتبادلة من المزايا التكاملية لدى البلدين وفي مجالات الطاقة وتطوير موارد النفط والغاز والطاقة الجديدة والمتجددة وغيرها، فإن اللجنة الاقتصادية والتجارية المشتركة بين البلدين تقوم بدور حيوي لتوسيع مجالات التعاون لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة، هذا فضلاً عن تعزيز التعاون في مجالات التعليم والصحة والبحوث العلمية والسياحة والشباب والرياضة وفي مجالات إنفاذ القانون والأمن ومكافحة الإرهاب.
وتعمل اللجنة كذلك على دفع الجهود المشتركة لإقامة منطقة التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية في أسرع وقت ممكن، ورفع مستوى التعاون الجماعي بين الجانبين وتعزيز التنسيق بين السلطنة وجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمحافل المختلفة من أجل العمل على إيجاد حل سلمي للقضايا الساخنة في المنطقة عبر الحوار والتفاوض السياسي وبما يسهم في تحقيق أمن واستقرار المنطقة.
وتقدر السلطنة موقف الصين ودورها في هذا المجال فيما تدعم الصين دور السلطنة الفاعل في شؤون المنطقة ومن خلال هذا التوجه تنطلق العلاقات العمانية/الصينية في إطار الشراكة الاستراتيجية الى آفاق أرحب لصالح الدولتين والشعبين الصديقين ولصالح أمن واستقرار المنطقة والعالم من حولها.