أبرز الأخبارعالم عربي

مصر… مفاوضات تستشرف الحرب الاهلية

ما هي حقيقة ما جرى ويجري في مصر؟ وفي اي اتجاه تسير الامور؟ سؤالان يحملان من الخطوط العريضة ما يختصر المشهد الراهن، وما يؤشر على معطيات  اخرى اكثر عمقاً، تتعلق بملف الربيع العربي، وتداعياته الراهنة. ففي الشكل، تكشفت سهولة تحول اي شخص من موقع القيادة الى موقع «المتهم»، ومن قصر الرئاسة الى السجن، ومن قمة النزاهة الى وكر الخيانة، وكلها مصطلحات سياسية يمكن توظيفها في اي وقت، وفي اي اتجاه، وضد اي شخص، بدليل استخدامها ضد مبارك وبعد عام ضد بديله «مرسي» وللاسباب عينها، وبالتهم ذاتها. وقد تستخدم ضد من يأتي لاحقاً. وفي المضمون، تبين ان من يحكم قد يتنكر للمبادىء التي اتت به الى الحكم. بدليل ان مآخذ مرسي على سلفه مبارك تحولت ذاتها الى مآخذ شعبية عليه.

تفرد حزبا الرئيسين في السلطة، واستبعدا كل الاحزاب الاخرى. وزاد مرسي على ذلك بممارسات اعتبرت من الكبائر، وادرجت ضمن «ملف اسود» يهدد الجنرال السياسي بفتحه اذا ما اصر الاخوان على التصعيد، ورفضوا التسليم بالامر الواقع، ووجهوا الاوضاع باتجاه الحرب الاهلية.
وبحسب معلومات يجري تداولها على نطاق ضيق، فإن محتويات ذلك الملف تتعلق بعلاقات مشبوهة مع حركة حماس، وتنظيم القاعدة، ومنها العمليات التي تستهدف الجيش المصري في منطقة سيناء ومستقبل تلك المنطقة، اضافة الى تفاصيل مثيرة تتعلق بعملية «اعلان الجهاد» ضد سوريا، واستدعاء ممثلين لتنظيمات وهيئات عدة الى القاهرة للاجتماع هناك واعلان الجهاد. وهي الخطوة التي اعتبرها الجيش نوعاً من التعدي على اختصاصه، باعتبار ان قراراً كهذا لا يمكن ان يتخذه الساسة فقط، وانما يكون قراراً عسكرياً بالدرجة الاولى. ويقتصر دور الساسة على مباركته.

 


 

ثورة تصحيحية
وسط تلك القراءات، هناك من يرى الملف من  زاوية انه «ثورة تصحيحية» نجحت في اعادة الامور الى نصابها. وضمن آلية شعبية تمثلت بتحركات شعبية ترجمت قناعاتها بطلب قدم الى الجيش لاسترداد الامور، وتصويب الخلل، واعادة السلطة الى الشعب بدلاً من توليها من قبل حزب ديني، تولى زمام الامور بطريقة طائفية، وبتمييز يلامس العامل العنصري.                                                                                                                غير ان العملية اصطدمت بحاجز صد بدا وكأنه متين، لكن الخبراء يؤكدون انه لا يستطيع ان يصمد طويلاً. وبالتالي فإن الصفحة التي نجمت عن عملية الربيع العربي اصبحت على وشك ان تطوى. وتتعدد القراءات حول مبررات طيها. فبينما يرى البعض ان الاسلاميين فشلوا في ادارة المرحلة، هناك من يرى ان الغربيين لم يعودوا يثقون باجتهادات الاخوان، وبالتالي فإن الانقلاب غربي قبل ان يكون محلياً.
انها القراءة التي تصطدم مرحلياً بالموقفين الاوروبي والاميركي المعلنين، حيث بدأت مسؤولة اوروبية رفيعة المستوى عملية وساطة هدفها تجاوز الازمة المصرية والتوصل الى حل سياسي لها. وتواصلت الرسائل الاميركية التي تبدي قلقها من التطورات، وتطالب بحلول ديمقراطية.
وتشير قراءات متعلقة بهذا البعد الى ان المفوضة الاوروبية التي تدير عملية الوساطة ترغب باحداث توازن في السياسية الاوروبية المنقسمة حول الملف المصري، حيث تطالب كل من المانيا والسويد بعودة مرسي، اضافة الى مشروعها البارز المتمثل بالحفاظ على المصالح الاوروبية من اقتصادية وسياسية، ومنها الابقاء على دور اوروبي فاعل في ملفات المنطقة. وتجاوز بعض الهنات التي اثرت على سمعة اوروبا، ومنها ابعادها عن ملف عملية السلام، وعدم الاخذ بمقترحاتها في الملف السوري.
عودة الى البدايات، ومع صعوبة الالمام باجابات شافية للبعدين المتعلقين بما يجري راهناً، الا ان المدقق في بعض التفاصيل يتوقف عند محطات تحليلية على درجة كبيرة من الاهمية. ان المحطات التي تبدو متقاطعة بدرجة كبيرة، تلتقي عند نقاط محددة، ابرزها ما يطفو على السطح من تصعيد، يراه المحللون مشروعاً جاهزاً للتأزيم مهما كانت النتيجة. وفي المقابل برزت اشارات من شأنها اعطاء انطباع برغبة ما لحل الازمة بالتفاوض، وضمن تفرعات تلك الحالة معطيات اكثر ميلاً الى التشاؤم منها الى اي خيار آخر. فالتفاصيل الخاصة بالاجراءات المتخذة من الطرفين تؤشر على ان الازمة في تصاعد، وان سبل الحل السياسي قد تكون مستحيلة، وانها تسير ضمن سياق «مفاوضات العصا»، في اشارة الى التهديدات المتبادلة التي يتم استخدامها في العمل
ية ككل.

اجراءات الجيش
من ذلك، الاجراءات التي اتخذها الجيش استناداً الى حراك احتجاجي شعبي واسع، والمتمثلة بعزل الرئيس مرسي، والتوافق على تشكيلة لقيادة مدنية تتولى تسيير الامور خلال مرحلة انتقالية.
 غير ان الاجراءات اللاحقة تقاطعت بعض الشيء مع ما هو معلن في بداية «الثورة»، والتي قيل انها تستند الى شرعية الثورة الاصلية. والتي ترى الجماعة الاسلامية انها تهدم البناء الشرعي بحكم ان التطور الطبيعي للثورة التي اطاحت حسني مبارك تجاوز الاطار الثوري وخطا خطوات ديمقراطية من بينها انتخابات رئاسية واستفتاء على الدستور وتشكيل هيئات قيادية بطرق رسمية.
 ومن ابرز عناصر التقاطع التي يرفعها الاسلاميون في وجه خصومهم بزعامة السيسي الذي يشبهونه بجمال عبد الناصر ان الفريق الذي يتولى منصب وزير الدفاع وقائد الجيش تجاوز رئيس الجمهورية المؤقت، ووجه الدعوة الى الشارع من اجل التظاهر لمناهضة جماعة الاخوان. كما دعا الى تجمعات شعبية تتفوق على تجمعات الاخوان في «رابعة العدوية»، الامر الذي ترجم على شكل تساؤلات عمن يكون الرئيس الفعلي؟
وضمن القراءات التي تصب ضمن هذه الخانة، هناك اتهام السيسي بسوء النية، والرغبة في التصعيد، وسط اشارات تتحدث عن ان تحشيد الطرفين في الشارع يمكن ان يؤدي الى صدامات دموية.
وهي القراءة التي تم تعديلها – اخوانياً – في مرحلة لاحقة، حيث اشارت تقارير داخلية علمت «الاسبوع العربي» ببعض تفاصيلها وهي ان السيسي اراد توجيه ضربة الى معتصمي رابعة العدوية، وخشي ان تتركز العملية ضمن دلائل قاطعة تدين الجيش. وبحسب القراءة التي قدمها خبراء الجناح العسكري للجماعة فإن نزول الملايين من انصار السيسي ومعارضي الاخوان سيؤدي الى قدر من الفوضى التي تدفع الى تشتيت الاتهامات وتوجيهها نحو المدنيين بدلاً من الجيش.

حجج الاخوان
يبدو ان جماعة الاخوان التي اعدت ملفاً بالادلة التي خلصت اليها بشأن احداث «رابعة» ركزت كثيراً على مثل تلك البراهين الاستنتاجية وصولاً الى ما يمكن ان يدين الجيش وقيادته. بينما يؤكد محللون عسكريون ان مثل تلك القراءات لا تعني شيئاً، وان ما تعتبره الجماعة ادلة ليس لها في الواقع اي وزن في المجالات القانونية.
ومن ابرز المعطيات التي يثيرها الاخوان في وجه خصومهم، الترويج لان فكرة «الانقلاب» اعدت ضمن اتفاق بين الجيش واطراف اقليمية ودولية. وان الخطة كانت معدة باحكام، بما في ذلك توجيه الاتهامات الى مرسي، وتحويله الى القضاء، والتلويح بفض اعتصام الاسلاميين بالقوة، و«بأقل قدر من الخسائر».
في المقابل وضمن اطار التصعيد، يبدي الاسلاميون من انصار مرسي تمسكهم بجملة من الفرضيات، عنوانها «عودة الشرعية». وفي هذا السياق تتعدد المبادرات وفي مقدمتها المبادرة التي اطلقها رئيس الحكومة المقالة «حكومة مرسي» والتي تدور حول جملة مطالب ابرزها عودة الرئيس مرسي الى الحكم.
واستخدمت الجماعة جميع الاوراق المتاحة امامها، بما في ذلك تكثيف اللقاءات على مستوى القيادة العالمية للجماعة، والحصول على دعمها، ضمن ما يمكن تسميته «تعويم الازمة» وتوسيع دائرة الضغوطات داخل وخارج مصر بهدف اعادة مرسي الى الحكم.
ومع ان الكل يدرك ان هذا المطلب قد يكون ضرباً من المستحيل، الا ان الجماعة تتمسك به من زاوية تأثيراته المباشرة وغير المباشرة على دول الربيع العربي، التي بدأت انظمتها الاسلامية تتهاوى امام احداث مصر.
فالتقارير الواردة من كل من تونس والمغرب، وليبيا، اضافة الى سوريا تنبىء بوجود انقلاب عام على الحكومات الاسلامية. ما تعتبره الجماعة مؤشراً على خطة تستهدف حكمهم وتسعى الى ابعادهم عن الحكم واسقاط مشروعهم الاسلامي.

قراءة الازمة
وسط حالة التصعيد تلك، هناك من يقرأ الازمة من زاويتين بالمستوى عينه: فبينما تريد القيادة العسكرية حسم الامر بأقل الخسائر، وفض الاعتصامات بـ «اقل الخسائر ايضاً»، ترغب الجماعة بأن تنتهي الازمة بالحد الادنى من الاضرار، وبما يضمن قدراً من المشاركة في الحكم، وبحيث لا تتعرض للعزل السياسي الذي عانت منه طويلاً.                                                                                        وفي الوقت عينه ترى الجماعة ان السكوت عما يجري من شأنه ان يعيد الاوضاع الى ما كانت عليه ايام حكم الرئيس الاسبق حسني مبارك. وبحيث يعود اركان حكمه الى الصدارة من جديد. وفي ذلك – بحسب قراءة اخوانية – خسارة تلو الخسارة، وتضحية بدون اي مقابل. لجهة القناعة بان النظام الجديد سيبذل كل جهد ممكن من اجل ابعاد الاسلاميين وحشرهم في الزاوية كما كان وضعهم ايام نظام مبارك.
من هنا يبدو ان جماعة الاخوان ترى نفسها وقد حشرت في زاوية ضيقة. وانه ليس امامها سوى البحث عن مخرج يفتح امامها بوابات العمل السياسي، حتى وان كانت تلك البوابات ضيقة، اذ يكفي ان تأتي بقدر من الاوكسجين الضروري للحياة.
ومن هنا وعلى الرغم من حالة عدم الرضى السائدة في مختلف الاوساط الاخوانية، الا ان القرار القيادي – بحسب قراءات ذات وزن – ستتجه نحو التفاوض. لكنها تخشى من عدم اخذ تلك الرغبة، او ذلك التوجه بقدر من الجدية والعمق. وان يستقبل الفريق الآخر مطالبهم بنوع من الاستخفاف.
هذه القراءة ترى ان الجماعة التي تدرك انها تمر في منعطف خطر، عليها ان تقبل بالتفاوض سبيلاً الى انقاذ ما يمكن انقاذه، في ضوء فشل التيار الاسلامي في تقديم نموذج ديمقراطي يمكن الاعتماد عليه. فالتجربة التي خاضتها الجماعة كشفت عن ان جماعة الاخوان لا يجيدون السياسة، وتتقاطع رؤاهم مع المسألة الديمقراطية.
ولكن كيف سيديرون الملف التفاوضي؟ ومع من؟ وبواسطة من؟
في عالم المفاوضات، هناك فرضية تقول انه كلما تشدد الفرقاء في طروحاتهم، كلما امتلكوا هامشاً مريحاً للتفاوض، ومساحة واسعة لتقديم التنازلات. غير ان تلك الفرضية يمكن ان تنطبق عليها هذه المقولة، وان توصف بأنها نوع من المهارة السياسية فيما اذا كان التشدد  من طرف واحد. اما اذا كان من طرفين فانها تعني تعقيدات كبيرة، وقد تؤدي الى مفاوضات شاقة، والى صعوبة في احراز نتائج ايجابية.

تفاوض
هذه المقدمة تصف واقع الحال المصري هذه الايام، حيث افضت التطورات الاخيرة الى حالة تفاوضية غير معلنة رسمياً حتى اللحظة، لكنها في حقيقة الامر قائمة، وقد يتم الكشف عن بعض جوانبها خلال ايام، ومن قبل وسطاء غربيين في مقدمتهم كاترين آشتون، الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، والتي اطلقت جولة من المفاوضات بين طرفي الخلاف في مصر، تزامناً مع زيارتها الحالية الى القاهرة.
وبحسب معلومات خاصة بـ «الاسبوع العربي» يتوقع ان تطلق آشتون سلسلة جولات مكوكية تستكمل خلالها المفاوضات الهادفة الى الخروج من الازمة، يساعدها في المهمة قيادي في الجيش المصري يرتبط بصلة مصاهرة مع قيادي إخواني، بينما يقودها من الجانب الإخواني، الدكتور محمد علي بشر، عضو مكتب الإرشاد، ووزير التنمية المحلية السابق.
المشكلة – بحسب مصادر متابعة – ان طرفي الخلاف رميا بكل ما اوتيا من ثقل وقوة في تلك الازمة، وصلّبا موقفيهما استناداً الى معطيات لو سمح لها بالظهور لتحولت الساحة الى بحر من الدماء، ولاكتسى نهر النيل باللون الاحمر، ولأصبح الشرق الاوسط كله ساحة مواجهات دموية بحكم التحشيد الذي لجأ اليه التنظيم العالمي لجماعة الاخوان المسلمين.
البداية بعيدة بعض الشيء، وتحتاج الى بحث وتفصيل عميقين. لكن التطورات الاخيرة تؤشر على تفاصيل المشهد، بدءاً من خروج فريقين الى الشارع ضمن ما اطلق عليه «معركة الشرعية». فالفريق السيسي سعى الى حشد يمكن ان يؤشر على شرعية تخدمه في اتجاهين: اولهما سحب التفويض من الرئيس مرسي، وثانيهما منحه الشرعية للتصرف بقوة لوضع حد لبعض الممارسات التي صنفها ضمن سياق الارهاب.
اما مرسي فقد اراد من الحشد تأكيد شرعيته، وبطلان الاجراءات التي اتخذها الفريق السيسي، والذي حاول اضفاء طابع مدني عليها.
ومع الساعات الاخيرة من يوم الحشد، الذي سماه مرسي وجماعته بيوم «الفرقان» وسماه السيسي يوم الشرعية، وجه السيسي اهم رسالة في جعبته، ومن خلال مواجهة تبرأ منها لاحقاً، وادت الى سقوط عدد كبير من القتلى في ساحة رابعة العدوية. حيث اشارت جماعة الاخوان الى ان عدد القتلى تجاوز 120 قتيلاً، بينما انخفضت تقديرات الجيش الى حوالي الستين، والى مئات الجرحى.

رسالة قاسية
مهما كان الرقم الحقيقي، فإن الرسالة التي اطلقت في اتجاه جماعة الاخوان كانت قاسية، وقصد منها اظهار مدى جدية الجيش في أنه لا مجال للتراجع عن الاجراءات التي اتخذت، ومنها اقصاء مرسي، والاعلان عن ترتيبات جديدة تفضي الى تعديلات دستورية، واستفتاء على تلك التعديلات، وبالتالي اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة.
وفي الوقت نفسه، هناك من يقرأ ما حدث بانه انتج موقفاً تفاوضياً يمكن الجيش من تحقيق انجازات مهمة. فالموقف التفاوضي يقوم على فكرة عدم التنازل عن المشروع الانقلابي الذي اطلقه الجيش، والذي يستند الى حراكات شعبية طالبت بسحب الشرعية من حكومة مرسي، التي اكدت فترة حكمها ان جماعة الاخوان الذين يجيدون «الدعوة» ليسوا سياسيين، ولا يجيدون العمل السياسي. وانهم تبعاً لذلك تفردوا في الحكم واساءوا الى كل الاطياف الشعبية ومختلف توجهاتهم السياسية.
والى جانب ذلك، وجه الجيش بعض الاتهامات لمرسي، واحيل الى المحاكمة، وصدر حكم بسجنه 15 يوماً على ذمة التحقيق في قضية «التخابر مع حركة حماس» والفرار من السجن.
والاخطر من ذلك التلويح بفتح ما اطلق عليه تسمية «الملف الاسود» والذي حصلت «الاسبوع العربي» على معلومات تتعلق بمضامينه، ومنها ملف سيناء، ودور محتمل لمرسي في توفير غطاء لتيارات متطرفة، ومنها تنظيم القاعدة، وتأثير ذلك على الجيش المصري. اضافة الى خطوة استقطاب بعض التيارات المتطرفة الى الساحة المصرية، وصولاً الى اعلان الجهاد ضد النظام السوري. وهو الملف الذي يحمل في ثناياه تفاصيل مثيرة، قد تؤدي بمرسي الى فرض عقوبات قاسية.

الاستنجاد بالخارج
في المقابل، بدا واضحاً ان جماعة الاخوان المسلمين التي تدرك تماماً ان حقبة حكمها قد انتهت، وان عليها التشبث بما ترى انه حقها الشرعي المستند الى صناديق الاقتراع قد استخدمت كل ما لديها من اوراق. فاضافة الى الحشود التي نجحت في جمعها ضمن بعض الميادين ومنها ميدان رابعة العدوية، فقد عملت على حشد الانصار ممن يتمتعون بثقل شعبي على الساحتين العربية والاسلامية.
وفي مقدمة هؤلاء رئيس رابطة العالم الاسلامي والزعيم الروحي لجماعة الاخوان المسلمين الشيخ القرضاوي، الذي اصدر فتوى تطالب بممارسة «الجهاد» نصرة للرئيس مرسي. وزاد على ذلك بان شبه «عزل مرسي» بـ «هدم الكعبة»، وهي الخطوة التي وظفت عناصر دينية خالصة، بأمور سياسية خالصة ايضاً. وفي ذلك خلط خالفه فيه العشرات من كبار العلماء.
والى جانب تلك الخطوة، ركزت جماعة الاخوان المصرية على البعد العالمي، حيث طالبت بدعم «اخواني» خارجي، الامر الذي دفع بقيادات الجماعة في تركيا الى تنظيم لقاء دولي، خصص للبحث في سبل دعم الجماعة في مصر. واسفر اللقاء عن اتفاق على مواصلة التصعيد في جميع الدول، وممارسة الضغوط على القيادات السياسية في دولهم من اجل تخفيف الضغوط عن «اخوان مصر». وتنظيم تظاهرات في الدول التي تدعم «الانقلاب» ضد مرسي، وخلق حالة من الفوضى بها. اضافة الى محاولة تمكين الجماعة في مصر من الصمود اطول فترة ممكنة.
ومع ادراك المجتمعين من قيادات الاخوان العالمية صعوبة موقف الجماعة في مصر، وصعوبة عودة الامور الى نصابها، فقد اتفق على الاستمرار في الضغوطات عينها – كخطوة اضافية – من اجل دعم عملية التفاوض التي كانوا يرون انها ستنطلق برعاية اوروبية واميركية، ومن زاوية الرغبة الغربية في «الامساك بالعصا من منتصفها».
وجرى التركيز على امكانية استغلال العلاقات القائمة مع بعض الدول والمؤسسات بهدف تشجيع الحوار، وتشجيع عملية اطلاق المبادرات الرامية الى ايجاد حلول، قد يكون اقربها الى المنطق الافراج عن مرسي ومجموعة المعتقلين، والتوافق على موعد قريب لاجراء الانتخابات المبكرة.
غير ان الموقف التفاوضي الذي يعرضه الاخوان يتمثل بجملة من المطالب ابرزها ان يتراجع الجيش عن «الانقلاب» ويعود مرسي الى السلطة ليعلن – خلال يوم او يومين – عن مواعيد اجراء انتخابات مبكرة وخلال وقت قريب جداً. وان يترك مصير الاجراءات التي اتخذها مرسي الى الهيئات التي سيتم تشكيلها مستقبلاً ومن خلال الاجراءات التي سيتم التوافق عليها.

الاعتصام
اما في موقع الاعتصام، ورغم تأكيد الجيش المصري على أن مرحلة مرسي ولت بلا رجعة إلا أن انصاره يواصلون اعتصامهم في رابعة العدوية مؤكدين أنهم سيستمرون في احتجاجهم حتى عودته إلى سدة الحكم.
واقام المعتصمون حول تجمعهم ثلاثة اطواق حراسة يتولاها متطوعون اسلاميون يراقبون المداخل في محيط مسجد رابعة العدوية في ضاحية مدينة نصر التي تقع شمال شرق القاهرة، حيث يعتصم آلاف الاشخاص، بينهم الكثير من النساء، منذ عزل مرسي.
اما بالنسبة الى الفريق السيسي الذي بات يتصدر المشهد، بما يكشف عن ان الحكومة المدنية قد تكون مجرد صورة، فقد وجه كماً من الرسائل، محورها انه لن يسمح باستمرار الموقف على ما هو عليه، وانه سيتخذ اجراءات اكثر عمقاً لانهاء الاعتصامات التي ينفذها انصار مرسي.
وبحسب بيان اصدره بهذا الخصوص هناك اجراءات لانهاء اعتصام ميدان رابعة العدوية «بأقل الاضرار». وهو ما يعني بالعرف العسكري قراراً مسبقاً باقتحام موقع الاعتصام، ومنع أي اعتصامات مستقبلية يمكن ان تنفذها الجماعة وانصارها، تحت شعار عودة الشرعية. وعدم استبعاد فرض قانون الطوارىء.
الخطاب الحاد الذي تبادله الطرفان وما زالا، تخللته مجموعة من الرسائل الضمنية، التي تشير الى الرغبة باجراء حوار يمكن ان يفضي الى اتفاق. فعلى الرغم من المواقف المتشنجة في ما يخص المطالب، والاشتراطات، نقل بعض الاطراف ما يؤشر على ذلك.
ومن اهم الرسائل التي اطلقت في هذا السياق، اعلان القيادي في حزب الوسط الاسلامي محمد محسوب، المقرب من مرسي، ومن جماعة الاخوان، اثر لقائه وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين آشتون ان المبادرات لحل الازمة في مصر تحتاج الى تهيئة الاجواء مشدداً على ان من بيده السلطة يجب ان يرسل رسائل تهدئة ورسائل طمأنة، في سبيل تهيئة تلك الاجواء. واضاف محسوب: ان اية مبادرة منطقية للحل يجب ان تقوم على اساس الدستور الذي استفتي عليه الشعب، والذي تم تعطيله في الثالث من تموز (يوليو) عقب تظاهرات شعبية حاشدة طالبت برحيل مرسي وبتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة.

آشتون تستمع فقط
اما العضو الآخر في الوفد الاسلامي الذي قابل المبعوثة الاوروبية، محمد بشر، فقد اكد ان آشتون لم تطرح مبادرة، كما ان الوفد لم يطرح اية مبادرة في المقابل. واشار الى انها تقوم بالاستماع فقط.
اما آشتون التي بدأت مهمة الوساطة بجلسات استماع، فقد اكدت عقب لقائها مرسي أن الرئيس الاسلامي المعزول «بخير» ويمكنه متابعة الاخبار دون ان تكشف عن مكان تواجده. واوضحت آشتون أنها أجرت مباحثات، وصفتها بانها” ودية ومنفتحة وصريحة” مع مرسي. وبحسب المتحدثة باسمها مايا كوسيانيتش استمر اللقاء ساعتين.
وفي ما بعد عقدت آشتون مؤتمراً صحافياً مع محمد البرادعي لم تبد خلاله اية حماسة لمطالب مرسي. الامر الذي فسر بانه تأييد ضمني لقيادات المرحلة الانتقالية، وخريطتها الخاصة بالتحول.
من هنا يمكن حصر قراءات المشهد المصري بمسارين محتملين: الاول، الحرب الاهلية التي يمكن ان تكون نتيجة حتمية في حال تصلب الطرفان في موقفيهما. والثاني: المسار التفاوضي ومن خلال مرونة يبديها الطرفان.
فاي المسارين يمتلك الفرصة الاقوى؟
سؤال برسم الاجابة ليس فقط على الساحة المصرية وانما ضمن اطار اكثر اتساعاً.

احمد الحسبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق