صحة

نعاس ونوم في عز النهار…. نذير شيخوخة أم خلل ما؟


وهي تجلس في حضرة مجموعة أصدقاء شعرت بنوبة نعاس، بعدم قدرة على إبقاء البؤبؤين مفتوحين، تثاءبت بعينين ذابلتين وابتسمت بعناد.  لحظات وتكررت النوبة وشعرت بوهن عظيم، أغمضت عينيها، واسترخت في مكانها! ماذا بها؟ لماذا تتكرر هذه الحالة معها؟ تذكرت جدتها، ابنة التسعين، هكذا كانت، لكن بينها وبين جدتها أكثر من خمسين عاماً فلماذا تغفو بهذا الشكل؟ تعبٌ؟ نعاسٌ حقيقي؟ كوليستيرول زائد؟ أوكسيجين ناقص؟
هي حالة، تجربة، مرّ فيها، كما هي، كثيرون… فهل هي نذير العبور الى عمرِ الشيخوخة أم هي إشارة الى وجود خلل ما؟

قبل أن نتكهن بحالاتٍ وأمراضٍ وإصابات وندخل في متاهة الفحوصات المخبرية والصور الشعاعية، يُفترض بنا أن نطرح على أنفسنا جملة أسئلة: هل ننام جيداً؟ هل ننام وقتاً كافياً؟ هل زاد وزننا في الفترة الأخيرة؟ هل نشخر؟ هل نصاب بانقطاع النفس أثناء النوم؟ هل نحن قلقون؟ محبطون؟ هل نعاني من الملل؟ هل نتناول أدوية تسبب الخمول والنعاس؟
ماذا في الإجابات؟ هل نجحتم في تحديد طبيعة السبب أو حتى الإقتراب من السبب؟ لا؟ لا عليكم. لا تصابوا بالهلع، بالقلق، لكن لا تهملوا السبب، فقد تكون المسألة عابرة، مجرد إرهاق عابر أو سوء تغذية أو حتى سمنة إضافية أو سكر زيادة في الدم، وقد يكون أكثر من هذا بقليل وتتسبب به مشاكل في الغدة الدرقية أو فترة من الكآبة تمرون فيها لسبب ما، وما أكثر الأسباب في عصرنا التي قد تتسبب للأسف بكآبة، وقد يكون السبب أيضاً وأيضاً أكثر من هذا وذاك ويتمثل بمرض الناركوليبسيا أو ربما – ربما – نذير مشاكل في القلب.

فاتورة باهظة!

مكتئبون؟ محبطون؟ قلقون؟ تعانون من السمنة؟ تعانون من الشخير؟
تعددت الأسباب والنتيجة الأولية طبعاً واحدة: هجوم النعاس الفجائي!
الاختصاصي في الأمراض الصدرية والعناية الفائقة في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور أحمد حصري حدد حالات النوم وخلص الى اضطراباتها: النوم حالة بين اليقظة والموت، وهو يمرّ في مراحل مختلفة لكل واحدة منها هدف ودور. وفي الأرقام، هناك أكثر من أربعين مليون أميركي مثلاً يعانون من اضطرابات مزمنة في النوم، و95 في المئة من هؤلاء لم تُشخص حالاتهم بشكل دقيق، محدد وثابت. وتبلغ الفاتورة السنوية المباشرة لهذا النوع من الاضطرابات 16 مليار دولار أميركي. أما الفاتورة غير المباشرة التي تنتج عن حوادث سير بسبب النعاس والتأثيرات الصحية المختلفة التي تنتج عن الأرق فتتراوح بين خمسين ومئة مليار دولار في السنة.
فاتورة إقتصادية إذاً باهظة… ماذا في تفاصيلها؟
في اللغة الطبية، تُسمى هجمات نوبات النوم التي لا يمكن مقاومتها: الناركوليبسيا، أما في اللغة الشعبية فتُعدّ هكذا هجمات إذا أتت في غير وقتها: إهانة! وكيف لا إذا هاجم النعاس إنسان وهو في العمل مثلاً، في اجتماع عمل؟ وماذا لو هاجمه وهو يستضيف أصدقاء؟ وماذا لو هاجمه وهو في لقاء أول مع فتاة يتودد لها منذ أشهر؟
الناركوليبسيا، أو النوم المرضي، ينتشر في أسر معينة، فنرى الأب والإبن مثلاً يأخذان قيلولة قسرية ويغطان دقائق في سبات مفاجىء على كراسيهما! نضحك؟ فعلنا هذا كثيراً لكن إذا شعرنا به قد نفهم حجم الحرج الذي يتسبب به لمن يعيش هذه الحالة مرات في اليوم الواحد! وليس الحرج هو النتيجة الوحيدة بل هناك أيضاً الخطورة التي قد تتأتى عن هكذا هجمات لا سيما إذا كان من يتعرض الى الهجوم في مركبته، على الطريق العام، على أوتوستراد سريع… وهذا ما يجعلنا نتعاطى مع المسألة بجدية أكبر لا بمجرد اعتبارها حالة عابرة تمر.
مرضى الناركوليبسيا قد يشعرون بوهن في العضلات، في الساقين تحديداً، بعيد الإستيقاظ من النوبة وسرعان ما يعود الى حالته الطبيعية. وهناك من يُشبه هذه الحالة بالشلل، إذاً يشعر المرء بمن هم حوله، يسمعهم، غير أنه لا يكون قادراً على الإستجابة. إنها مجرد ثوان يعود بعدها الى حالته الطبيعية.

بين القيلولة والناركوليبسيا!

تسقطون في القيلولة؟ لا، لستم مرضى ناركوليبسيا بالضرورة، فهناك جملة أسباب أخرى، كما سبق وقلنا، قد تجعلنا نسقط في تلك الحالة… فماذا في تلك الأسباب؟
لا سبب معروفاً لحالة «فرط النوم» لكن «فرط الزيادة في الوزن» حالة أولى يفترض ألا تغيب عن البال. أصعدوا على الميزان وأنظروا الى أنفسكم في المرآة وستنتبهون الى حالة جديدة، الى وزن جديد، الى عبءٍ تحملونه، قد يتسبب بجملة احتمالات بينها إصابتكم بالسكري من النوع الثاني وربما بأمراض في الكبد وبخمول ونعاس. مارسوا الرياضة. حاولوا أن تعالجوا أنفسكم بأنفسكم باتباع حمية غذائية متوازنة. أكثروا من تناول الخضار والفاكهة وقللوا كثيراً من الدهون. تعبون؟ تشعرون بعجز عن ممارسة التمارين؟ ثقوا أن التمارين تمد الجسم بالطاقة وبأنكم كلما تحركتم أكثر كلما حصلتم على طاقة أكبر.
فقر الدم؟
حالة أخرى قد تتسبب بخمول ونعاس فانتبهوا لها ومنها. كيف حال السكري معكم؟ ما هي نسبته؟ عالٍ؟ ارتفاع السكر يُشعركم بدوره بكسل ونعاس ومثله نقص البوتاسيوم. ماذا عن الغدة الدرقية؟ تذكروا دائماً أن قصور الغدة الدرقية، ومعناه نقص هورمون الثوروكسين في الجسم، يؤدي الى زيادة الشعور بالتعب والنعاس وزيادة الوزن في آن وقد يتزامن هذا مع آلام في العضلات ويكفي اختبار دم بسيط لتحديد طبيعة المشكلة إذا وجدت.
وماذا عن الشخير؟
إنه سبب إضافي قد يجعل من يعاني من النوم ليلاً يغط في نوم داهم نهاراً.

امراض صامتة

النعاس الدائم، مثل التعب الدائم، إشارة الى معاناة المرء إذاً من أمراض صامتة، كامنة، مبيتة، بينها مشاكل داهمة في القلب بينها قصور عضلة القلب. استشيروا طبيبكم في حال بحثتم بأنفسكم عن سبب النعاس المفاجىء ولم تجدوه فقد تكونون بحاجة الى فحوصات طبية أدق.
النوم الكثير مثل النوم القليل: مرّان! فليس سراً القول ان الأرق، إذا طال وتمدد على أيام وأسابيع طوال، قد يؤدي الى تلف نسبي في الذاكرة وعطل في التفكير وشعور بالخمول وعدم القدرة على القيام بأمور يومية بسيطة. وهذه التأثيرات ليست حكراً على الانسان وحده، فالأجناس الأخرى تتأثر أيضاً بقلة النوم. الفئران مثلاً تموت إذا عجزت عن النوم طيلة ثلاثة أسابيع. في حين لا تصمد الكلاب من دون نوم أكثر من عشرة أيام. تتعدد النسب وتختلف الأمثلة والثابت الوحيد بينها أن الأرق المستديم يتسبب بالتأكيد، مثله مثل فرط النعاس، بالاضطراب الكبير.
ماذا بقي بعد؟
الثابت أن الطريقة التي ننام فيها تتغير مع العمر ويتبدل الوقت الذي نحتاج ان ننام فيه مع تقدمنا في العمر. ففي شبابنا ننام أسرع وأسهل ومدة أطول. وحين نتقدم في العمر تصعب علينا حالة النوم تدريجيا وتصبح أجسامنا بحاجة الى عوامل مختلفة ومحفزات مساعدة لننام نوم الهنا. زدّ أن نوعية النوم تختلف، وتندر عند من يبلغ المرحلة الثالثة من العمر امكانية التنعم بالنوم العميق، وتحديداً التنعم بالمرحلتين الثالثة والرابعة من مراحل النوم الأربع، فيصبح نوم هؤلاء خفيفا، يستيقظون عند أقل حراك أو ضوضاء، ويتقطع نومهم… وهذا أحد أبرز أسباب النعاس الذي يصيب كبار السنّ غالباً. وهذا معناه، بكلام آخر، أننا إذا رأينا مسناً يغفو على أريكة قد نقول: مسن وطبيعي أن ينعس لكن إذا رأينا شابا أو صبية يغفوان على أريكة فهذا يجعلنا نردد حتما: وما بهما يا ترى؟ 
كبيرٌ؟ صغيرٌ؟ قد يكون من أبسط حقوق الإنسان، حقوقكم، بعد تنشق الهواء النظيف وشرب المياه النظيفة، النوم ساعات تكفي. ومن أبسط حقوق الإنسان أن ينام ساعة يريد أن ينام ويستمر يقظاً، بكل نشاطه الذهني وحضوره، ساعة يفترض ألا ينام، والمشكلة تبدأ حين لا ينام في الليل ويغط في النوم، في أوقات غريبة، في النهار، على أن تدوم هذه الحالة شهرين وثلاثة وأربعة… وعندها نكون أمام أمرين مرضيّين غير عابرين: الأرق وفرط النوم… فلتنجكم السماء من الحالتين! 

نوال نصر


 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق