سينما

Gravity… الانسان في مواجهة الفضاء

بعدما حلق في عدد من المهرجانات العالمية وشارك في الدورة الـ 70 من مهرجان البندقية السينمائي بين 28 آب (اغسطس) و7 ايلول (سبتمبر) الماضي، وافتتح الدورة 13 من مهرجان بيروت الدولي للسينما من 3 الى 10 تشرين الاول (اكتوبر) الجاري، يغط صاروخ فيلم  Gravity في صالاتنا اللبنانية. من لم يشاهد الفيلم، قد يتساءل ربما ما سبب انبهار النقاد والسينمائيين والجمهور العريض بهذا الفيلم الذي يعالج موضوعاً عادياً ومكرراً في السينما حول محاولة رواد فضاء البقاء على قيد الحياة بعد تعرضهم لحادث وتحطم مركبتهم وفقدان الاتصال بالارض؟ صحيح الموضوع بحد ذاته ليس جديداً ولا مبتكراً ولا يحمل ابعاداً ميتافيزيقية أو فلسفية، لكن ما دفع المخرج العالمي الشهير جيمس كاميرون الى اعتباره اجمل فيلم مقدم حتى الان عن الفضاء، هو كونه مؤثراً من الزاوية الانسانية الملفتة برمزيتها وبساطتها، ومذهلاً بقوة آداء بطليه النجمين جورج كلوني وخصوصاً ساندرا بولوك، ومبهراً في الوقت عينه من الناحية المشهدية ومبتكراً في تصويره الفضاء والارض من زاوية جديدة وصادمة بواقعيتها، مع العلم بأن التصوير تم في غرفة مقفلة.

عن سيناريو من تأليف مخرج الفيلم المكسيكي الفونسو كوارون بمشاركة ابنه جوناس، نتابع قصة مقاومة واصرار على النجاة عبر التشبث بالحياة مع كثير من لحظات التوتر والتشويق والمفاجآت.

ضائعان في الفضاء
يروي فيلم Gravity قصة اول رحلة ستقوم بها الدكتورة راين ستون (ساندرا بولوك) الى الفضاء برفقة رائد الفضاء القدير مات كوالسكي (جورج كلوني). مهمتهما كانت عادية وروتينية جداً، ولكن عندما سيهتز صمت الفضاء بعاصفة هوجاء محمّلة ببقايا حطام مركبات وآليات متروكة في الكون الفسيح، سينقطع اتصال الرائدين بمركز عمليات الناسا وسيصبحان وحيدين تماماً يسبحان في فضاء غامض من دون اي أمل بالنجاة او بالعودة الى الارض. وسط الذعر وتضاؤل نسبة الاوكسيجين في قارورتيهما، سيكون بامكان واحد فقط منهما محاولة العودة الى المركبة الفضائية وتشغيلها مجدداً على أمل ايجاد طريقة عجائبية تعيده الى الارض. صحيح أن قصة Gravity وهمية ولكنها تنطلق من معطيات حقيقية تتمحور حول ما تسميه الناسا «عارض كيسلر»، وهو ظاهرة حقيقية ومكونة من الحطام والنفايات التي اعتادت الاقمار الصناعية والبعثات الفضائية تركها خلفها في الفضاء. اذاً اي برغي أو قطعة معدنية يتم التخلص منها في الفضاء، ستتصادم في ما بينها وتشكل حطاماً اكثر، مما يعرض حياة الرواد والمركبات الفضائية  وحتى البشر على الارض للخطر الشديد. في اية حال قدمت الناسا مساعدات قيّمة لفريق العمل، من خلال مشاركتها في الابحاث وتقديمها الوثائق والارشيفات المطلوبة.

 

الفضاء على الارض
أكثر ما يلفت في شريط Gravity المشهدية التي ابتكر من خلالها الفونسو كوارون فضاء وهمياً بمعظمه ولكنه بدا حقيقياً وواقعياً بشكل مذهل. كوارون تمنى لو انه يستطيع التصوير فعلاً في الفضاء، ولكنه اقتنع بأن الامر مستحيل وخطير جداً من الناحية التقنية. في المقابل قرر المكسيكي العنيد تحدي المستحيل من خلال خلق الفضاء على الارض، فبفضل المؤثرات الخاصة والتصوير بالبعد الثالث 3D الذي جعلنا نشعر اننا فعلاً نسبح في الفضاء، وخصوصاً التقنيات المبتكرة، تمكّن كوارون من نقل الفضاء الى الارض. لقد نجح في اعداد غرفة خاصة سميت بالـ Light Box تشبه مكعباً خالياً تماماً من الجاذبية، وقد صنعت جدرانه الداخلية من الواح صغيرة مغطاة بلمبات LED صغيرة تستطيع توفير الاضاءة بطريقة غير تقليدية. ايضاً واجه كوارون وفريق عمله صعوبات وتحديات كثيرة، ابرزها معرفة كيفية حركة جسم الانسان الفعلية بأدق تفاصيلها عندما يكون في الفضاء. ولهذا السبب تم ابتكار اداة اطلق عليها اسم «محاكي دمية القماش»، وهي جهاز يشبه الدمية اللينة التي تم اطلاقها الى الفضاء الافتراضي (أي غرفة الـ Light Box حيث تم التصوير) وكانت تجسّد بحركاتها حركة جسم الانسان. هذه التقنية افادت فريق العمل إذ مكنتهم من ادراك كيف يتحرك الانسان بشكل واقعي في الفضاء. وهكذا بفضل هذه التقنية تحرّك النجمان جورج كلوني وساندرا بولوك في الغرفة المعزولة وكانهما يسبحان فعلاً في الفضاء، وقد تم ربطهما بستة حبال الكترونية على كتفيهما وستة أخرى على خصريهما، وتم تنسيق حركاتهما بواسطة أجهزة تحكم عن بعد. ايضاً تم تثبيت جهاز خاص في الـ Light Box مهمته رفع النجمين وقلبهما ووضعهما وجهاً لوجه. كما تم ابتكار كاميرات صغيرة جداً للغرفة المعزولة، وقد علقت على وصلات آلية تتحرك بدورها بسرعة كبيرة لتتوقف على بعد ميلليمترات من وجه الممثلين، وطبعاً كان يتم التحكم بها بواسطة الكومبيوتر.

ساندرا نحو الاوسكار
الصعوبات التقنية واجهت ايضاً نجمي الفيلم وخصوصاً ساندرا بولوك التي من المفترض انها تقوم باول رحلة الى الفضاء، ولا تستطيع تالياً ادارة الازمة التي ستتعرض لها، ومن هنا كان لا بد من وجود نجم آخر معها يدعمها، هو الرائع جورج كلوني . ولكن لا بد من التأكيد أن المهمة الكبرى تقع على كتفي بطلة الفيلم الرئيسية ساندرا بولوك التي حولها يتمحور الفيلم. بولوك قدمت من خلال هذا الفيلم احد اصعب ادوارها واكثرها قوة وتأثيراً. انه دور يغلب فيه الصمت على الكلام، والوحدة على الاحاطة، وتحل لغة الانفعالات بالنظرات والتنفس بدل الحوارات التقليدية. من خلال دورها الرائع هي حتماً ستصل الى جائزة الاوسكار على متن صاروخ. صعوبات كثيرة واجهت ساندرا اثناء اعدادها للدور، فالشريط يدور حول الوحدة التي ستعانيها البطلة التي اضطرت للبقاء وحيدة على الشاشة معظم فترات الفيلم. ويقول كوارون: «من المؤثر جداً ان يجد الممثل نفسه وحيداً لفترة طويلة من دون ممثل آخر الى جانبه. لقد تناقشت طويلاً مع ساندرا لنجد توازناً ما بين تعبيراتها وحركاتها.
اثناء التصوير كانت بولوك تبقى وحيدة لفترات طويلة داخل الغرفة المعزولة، مع مجرد سماعتين في أذنيها تربطانها بالعالم الخارجي. كما تم تدريبها على كيفية التحرك في غياب الجاذبية، من خلال جعلها تشاهد صوراً لرائدي فضاء. ولكن الصعوبة الكبرى بالنسبة اليها كانت أن تتحرك ببطء شديد وان تتكلم في الوقت عينه بالسرعة العادية. ويبدو ان دورها عرض اولاً على النجمة انجلينا جولي التي لم توافق عليه، فانتقل بعدها الى نجمات عدة مثل سكارليت جوهانسن وبلايك ليفلي وناتالي بورتمان التي تخلت عنه بأسف شديد بسبب حملها. وهكذا اصبح الدور من نصيب ساندرا بولوك ليتحوّل اهم دور تقدمه حتى الان في مسيرتها الفنية. بدوره دور جورج كلوني كان مرشحاً له النجم روبرت داوني جونيور، ولكن المخرج كوارون رأى أن اسلوب روبرت بالتمثيل لا يتناسب مع التكنولوجيا المستعملة في شريطه، لذلك فضل اسناد دور الدعم الى النجم جورج كلوني الذي اضفى على الفيلم الخانق نسمة انتعاش بطرافته المعهودة.

مايا مخايل

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق