الاقتصادمفكرة الأسبوع

هل تستغني اميركا عن نفط الشرق الاوسط؟

تحاول الولايات المتحدة، بفضل جهود شاقة ومكلفة، الوصول الى نوع من الاكتفاء الذاتي من النفط حتى ان البعض بدأ يتساءل عما اذا كانت واشنطن ستستغني عن نفط الشرق الاوسط. فهل هذا التساؤل له ما يبرره وما لا يبرره؟

مما لا يقبل الشك في ان الولايات المتحدة تسعى لتقليل اعتمادها على النفط «الخارجي»، وليس النفط الشرق اوسطي وحده، لكن السؤال الكبير يبقى: هل تقوى واشنطن على تحقيق «الاستقلال» النفطي عن الشرق الاوسط؟ بدافع من اثنين: اما دافع سياسي واما دافع التأثير في الاسواق؟

اميركا تصدّر
تشير آخر البيانات المتوافرة الى ان انتاج الولايات المتحدة من السوائل وصل في شباط (فبراير) الماضي الى نحو 10،5 ملايين برميل في اليوم، ما يشكل زيادة سنوية فاقت 850 الف برميل في اليوم، وهو معدل نمو متميز بجميع المقاييس، وهذا النمو في الامدادات شمل انتاج النفط الخام الذي وصل الى 7،2ملايين برميل في اليوم، وهو اعلى مستوى منذ العام 1992، الى جانب انتاج سوائل الغاز الطبيعي الذي بلغ 2،45 مليون برميل في اليوم.
ومن شأن النظر الى امدادات النفط العالمية من المنظور الاميركي وحده ان يعطي انطباعاً بوفرة النفط الخام، بدلاً من ندرته التي كانت سائدة قبل سنوات عدة، الا ان بناء التحليل على هذه التطورات في الولايات المتحدة وحدها ينطوي على خطورة لأن اسهامات الولايات المتحدة في امدادات النفط العالمية غطى عليها ضعف التوقعات بامدادات غيرها من الدول غير الاعضاء في «اوبك»، التي ما زالت تعاني من التراجع في معدلات الانتاج، والتأخير في المشاريع، وتجاوز التكاليف للميزانيات الموضوعة وانقطاع الامدادات بسبب الظروف الجيو-سياسية. وفي العامين الماضيين، كان اجمالي الزيادة في امدادات الدول غير الاعضاء في اوبك، بما فيها الولايات المتحدة، متواضعاً حيث بلغ 400 الى 500 الف برميل في اليوم، وهي ليست بالزيادة الكبيرة التي يمكن ان تسهم في احداث تغيير في مشهد الامدادات العالمية.

6 دلالات
يقول البروفسور بسام فتوح رئيس معهد اكسفورد للطاقة انه ينبغي عدم النظر الى التطورات في الولايات المتحدة من منظور الزيادة المفرطة في المعروض من النفط فحسب، فالدلالات تشير الى ما هو ابعد من ذلك:
1- ساهمت هذه التطورات في تغيير النظرة حول وفرة النفط الخام.
2- غيرت هذه التطورات من ديناميكيات الحركة التجارية، حيث اضطر المصدرون التقليديون الى الولايات المتحدة للبحث عن اسواق جديدة لنفطهم الخام.
3- اصبحت الولايات المتحدة احد ابرز مصدري المنتجات البترولية، ولا سيما الديزل.
4- في العام 2013 اصبحت الولايات المتحدة دولة مصدرة للغاز الطبيعي المسال للمرة الاولى. فعلى سبيل المثال، اصبحت احد مصدري البروبان الى اسواق مثل اميركا اللاتينية واوروبا.
5- اصبحت سياسات الطاقة الاميركية، للمرة الاولى منذ اعوام، مهمة، خاصة في ما يتعلق بسياسة تصدير النفط الخام والغاز الطبيعي.
6- اخيراً وليس آخراً، يمكن ان تتغير نظرة الولايات المتحدة الى باقي دول العالم اذا اعتقدت انه بامكانها تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة.

الاستغناء مستحيل
يظن البعض ان ارتفاع استهلاك السعودية من النفط محلياً سيقلل من قدرتها التصديرية، مما يدفع الفريق الاميركي الداعم للاستقلال النفطي الى الاتكال على الذات، لكن هذا التحليل ليس في محله على الاطلاق، اذ لا شك في ان السعودية، كما تدل التقارير، سيرتفع استهلاكها المحلي اليومي في غضون ثلاث سنوات، الى نحو 5 ملايين برميل، اي من 3،86 ملايين برميل يومياً الى 4،95 ملايين برميل، الا ان هذا المستوى من الاستهلاك المحلي لن يؤثر على سياسة تصدير النفط السعودية، بحيث ستبقى المملكة «اللاعب المسؤول» في سوق النفط الذي يؤمن اكبر حد من استقرار الاسعار.
ويقول فتوح في محاضرة القاها في السعودية اخيراً بعنوان: «ثورة الطاقة الاميركية الى اي مدى ستغير قوانين اللعبة؟»: «ان زيادة الانتاج في الولايات المتحدة ربما تؤدي الى ضغوط تقضي الى خفض انتاج بعض دول الشرق الاوسط، وان كان ذلك يتوقف على مدى قوة الاقتصاد العالمي. غير ان المهم في هذا الصدد هو مصدر هذه الضغوط، فان كانت من دول منتجة ذات تكاليف عالية فان هناك قيوداً تحد من نمو الانتاج في هذه الدول في ظل بيئة الانخفاض النسبي في اسعار النفط. اما اذا كان مصدر الضغوط دولة تنتج النفط بتكلفة منخفضة، وتمتلك امكانيات كبيرة في مجال التصدير، مثل العراق على سبيل المثال، فان الوضع سيختلف كلياً. وهناك مؤشرات تدل فعلاً الى ان العراق بات منافساً رئيسياً في اسواق النفط الخام، ولا سيما في آسيا.
واياً تكن التطورات النفطية داخل الولايات المتحدة وخارجها، فان النفط السعودي بصورة خاصة، والخليجي بصورة عامة يبقى عامل اهتمام وجذب للولايات المتحدة وذلك لاسباب عدة اولها امتلاك السعودية اكبر احتياط نفطي عالمي، وتمتعها بقدرة انتاجية كبيرة ومرنة، بالاضافة الى كون المملكة «لاعباً مسؤولاً» في سوق النفط العالمية، وهو ما تجلى في حرصها على استقرار طويل الاجل للاسعار العالمية، على الرغم من الهزات العنيفة التي واجهتها منطقة الشرق الاوسط والاقتصاد العالمي.

بركة واحدة
واذا كانت الولايات المتحدة قادرة على زيادة انتاجها النفطي العام المقبل، بحسب آخر تقرير لاوبك، بنحو 560 الف برميل يومياً، وهي اكبر زيادة بين الدول خارج اوبك، ليصل الانتاج الاميركي الى 11،33 مليون برميل يومياً بفضل انتاج النفط الصخري، فان واشنطن لا تستطيع ان تعزل نفسها نفطياً، حتى لو افترضنا انها لا تستورد برميلاً واحداً من الشرق الاوسط، لان سوق النفط هي في نهاية المطاف  «بركة واحدة ضخمة»، كما وصفها فتوح، تماماً كما ان الاقتصاد العالمي يكاد يكون اقتصاداً واحداً ومتداخلاً بشكل يظهر «ان اي ارتفاع في اسعار النفط بسبب صدمة ما سيؤدي الى ابطاء وتيرة النمو الاقتصادي في الدول الاخرى، ومن ثم يؤدي الى تباطؤ نمو الاقتصاد الاميركي، لذا تظل للولايات المتحدة مصلحة مباشرة في استقرار اسواق النفط».
كما تجدر الاشارة، يضيف فتوح، الى ان الولايات المتحدة لا تتعامل مع دول الشرق الاوسط من منطلق تأمين الطاقة فحسب ولكن من منظور اشمل واعمق، لا سيما في ما يتعلق بالاعتبارات الامنية والسياسية. ومع ذلك قد تختلف ردة فعل الولايات المتحدة تجاه الصدمات الآتية من الشرق الاوسط. وفي مطلق الاحوال من المهم الاشارة الى ان الولايات المتحدة التي خفضت فعلياً مستورداتها النفطية من نيجيريا والجزائر، العضوين في منظمة اوبك، فانها تحافظ على استيراد اكثر من 1،4 مليون برميل يومياً من السعودية، بالاضافة الى مستورداتها الاخرى من دول الخليج والشرق الاوسط.


احتمالات التصدير النفطي في اميركا
يسود اعتقاد بأن الخطر على تصدير النفط في الولايات المتحدة لن يتم رفعه في عهد الرئيس باراك اوباما، الا انه يمكن للرئيس ان يمنح بعض الاستثناءات ، وان يوافق على بعض صفقات التبادل، لكن هذه الخطوات تبقى صغيرة جداً. وبدلاً من تصدير النفط الخام المحظور تعمد الولايات المتحدة الى تصدر المنتجات، وهو امر مسموح، والامر نفسه يحدث في اسواق الغاز، حيث حل الغاز محل الفحم في قطاع الكهرباء في الولايات المتحدة، ويتم في الوقت الراهن تصدير «الطاقة السوداء» الى اوروبا. فـ «السوق دائماً تجد طريقة لتوجيه جميع الموارد الهيدروكربونية الى القطاعات التي تحتاجها، وما يهم هو التكلفة»، على حد قول احد خبراء الطاقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق