افتتاحية

البداية لا تبشر ولكن…

نالت حكومة الوحدة الوطنية وهي نسخة مصغرة عن المجلس النيابي، ثقة النواب او معظمهم على الاقل، واستراح الوزراء في مقاعدهم التي طالما حلم بها بعضهم. ولكن هل ان الحكومة نالت ثقة المواطنين وهي الاساس؟ بالطبع لا. ولو كلفوا شركة خاصة محايدة اجراء استفتاء في جميع المناطق اللبنانية، لتبين لهم صحة ما نقول. لماذا؟ لان الناس اغرقوا بالوعود على مدى عقود، واذا بهم يصلون الى البؤس واليأس، وتفاجئهم الحكومة بعقد جلستها الاولى وسط خلافات حادة ادت الى رفع الجلسة.
تصاريح الوزراء فور تشكيل الحكومة وعدت كلها بتيار كهربائي 24/24 وقبل ان يجف حبر هذا الكلام تضاعف التقنين مرتين وثلاثاً، واصبح المواطن يعدّ ساعات وجود التيار وهي قليلة. اهذه هي وعود الحكومة «عند دخولها شمعة على طولها»؟ نعم نحن بحاجة الى الشموع بعدما اكتوينا بنار شركة كهرباء لبنان التي لم تعرف اي تغيير منذ نحو عشرين عاماً، رغم فشل ذريع في معالجة الازمة، وكذلك نار اصحاب المولدات الذين جنوا الاموال الطائلة من جيوب المواطنين.
لماذا هذا الفشل السياسي، ولماذا فقد المواطن اللبناني ثقته بحكوماته؟ ذلك لان هذه الحكومات معها المجالس النيابية، مشكلة من طبقة سياسية هي اياها منذ 75 سنة، عمر الاستقلال الى اليوم. تنتقل السلطة في ما بينها بالوراثة من الجد الى الاب فالابن. هذه الطبقة لم تقدم شيئاً للبنانيين، فهل من المعقول ان تتغير فجأة وتعطي ما عجزت عنه على مر السنين؟ من هنا هذا الحذر في الوثوق بكلام السياسيين. لقد اغرقوا المواطنين بالوعود في بيانات وزارية مدبجة فاقت العشرات، وتمر الايام والسنوات ولا نلحظ ان شيئاً يتبدل، فاصيب المواطنون بالخيبة، فهل ان هذه الحكومة قادرة على استعادة الثقة المفقودة عند الناس، قبل ثقة النواب، لانها الاهم والاصدق؟ ان هذا الامر متوقف على اداء الوزراء مجتمعين، فلا تعطل الخلافات السياسية عملهم، وتشل المؤسسات كما حصل في الجلسة الاولى. ان البداية مع الحكومة ومع التيار الكهربائي لا تبشر بالخير، ولكن لنكن متفائلين وننتظر. لقد وعدت الحكومة بعمل جدي ينسي الناس وعود الحكومات السابقة، والتي بقيت حبراً على ورق، وكانت تتبخر في كل مرة فور تسلم الوزراء مهامهم، وهذا ما ادى الى انهيار الوضع في مختلف القطاعات، وتدهور الاقتصاد حتى وصل الى شفير الهاوية.
والاهم الاهم ان تصدر عن الحكومة والمجلس النيابي قوانين مدروسة يشارك في وضعها اهل الاختصاص، لكي لا نقع في مطبات يصعب تجاوزها، كما حصل بالنسبة الى قانون الايجارات المعلق، لان تطبيقه شبه مستحيل. فهو فوق قدرة الخزينة وبالطبع فوق قدرة الاكثرية الساحقة من المواطنين، الذين يعجزون عن دفع ما يلزمهم به القانون العشوائي. وكلنا نذكر كيف جرى التصويت عليه بمادة وحيدة ودون مناقشة، حتى ان معظم الذين صوتوا عليه لا يعرفون مضمونه، ولم يطلعوا عليه. فكان ان اضطر المسؤولون عنه الى تجميد العمل به بعدما اربكوا المحاكم التي بات عليها رفض قبول الدعاوى المستندة الى هذا القانون، اولاً لانه معلق من قبل واضعيه، ولا يحق للقاضي اخذ دور المشرع والاستنساب، وثانياً لانه غير قابل للتطبيق. فهل يسترد هذا القانون ويستبدل به اخر يراعي وضع المواطن والخزينة، في ظل غياب سياسة اسكانية واضحة؟
وهناك قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي افرغ الخزينة وحتم على الدولة فرض ضرائب بالعشرات على المواطنين، بلائحة غير مسبوقة تعجز اكثرية الشعب اللبناني عن دفعها. فزادتهم فقراً وبؤساً. ونحن نسأل ماذا قدمت الادارات الرسمية للمواطنين والدولة مقابل هذه الزيادات العشوائية التي لا تستحقها نسبة كبيرة من الموظفين. فهل توقفت الرشاوى مثلاً، وهل بات المواطن قادراً على انجاز معاملته بسهولة اكبر؟ بالطبع لا. فالى ماذا استند المشرعون ووضعوا هذا القانون. هل اشركوا الخبراء والاختصاصيين في دراسة انعكاساته على البلد قبل نشره وبدء العمل به؟ بالطبع لا. ولكنه جاء على ابواب انتخابات نيابية تسابقوا الى اقراره لنيل تأييد الناخبين ولم يلتفتوا الى اضراره ومساوئه.
لقد اعتادت الحكومات على اللجوء الى اسهل الوسائل واقربها الى متناول اليد. فكانت في كل مرة تلجأ الى فرض ضرائب على المواطنين وايضاً بطريقة عشوائية، فافرغت جيوبهم وافقرتهم لتملأ بما تجنيه بعض البطون المنفوخة من الفاسدين الذين يتحدث الجميع عنهم دون تسميتهم. لذلك نحذر من الاقدام على فرض ولو ضريبة واحدة لان وضع المواطن لا يحتمل، ولانها تكون تؤسس لثورة شعبية، لا نعرف كيف تنتهي. ونذكر ان الانتفاضة الشعبية التي جرت في الاردن قبل مدة واطاحت الحكومة، سببها ضريبة، وان التحركات الشعبية في السودان وفي فرنسا وغيرهما سببها ايضاً ضريبة. فلا تستخفوا بالشعب اذا جاع.
بادروا سريعاً الى سحب قانون الايجارات ووضع قانون يراعي مصلحة المالك والمستأجر، قبل حلول الكارثة. وايضاً اوقفوا العمل بقانون سلسلة الرتب والرواتب واستبدلوا به اخر يراعي وضع الموظف والخزينة، لانه اذا سقط القطاع المالي نسقط كلنا معه. ويجب قبل كل شيء اعادة النظر بملفات الموظفين. فهناك كما نمي الينا موظفون حشرت اسماؤهم في الادارات وهم لا يعملون، بل يتقاضون رواتبهم حتى ان بعض هؤلاء مقيم في الخارج. فهل صحيح هذا الكلام؟ على المسؤولين ايضاح هذا الامر فان كان واقعاً فلتضع الحكومة حداً له، وان كان من سلسلة الشائعات فلتلاحق مطلقيها.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق