المهدئات ليست مكسرات… والأندورفين منسوب السعادة!

أخبارٌ تتتالى: إنفجارٌ هنا، انفجارٌ هناك، مشاهدُ أشلاء، دماءٌ نازفة، خطرٌ داهم، مشكلاتٌ مشكلات، فاقة إقتصادية وبطالة، قلقٌ، يأسٌ، البيئة مصابة بالتصحر والمستقبلُ ضبابي… وماذا بعد؟ أخلاقُ الناس صعبة ومسبباتُ “الانفجار” العصبي والنفسي كثيرة والأيام تمر رمادية كئيبة… والنتيجة؟ نومٌ قليل وتوترٌ أكثر وانسجامٌ أقل مع المحيط.
والحل؟ ماذا يا سادة عن جرعة مهدئات؟
استورد لبنان رسميا، لمن يهمه الأمر، أدوية مهدئة عام 2001 بقيمة سبعة مليارات و808 ملايين لبنانية، وسجلت الصيدليات في العام 2011 بيع أكثر من 13 مليون علبة دواء مهدئ في عام واحد… ماذا عن 2013؟ ماذا ستؤول اليه ارقام 2014؟ ألم تسمعوا بمقولة: المكتوب يُقرأ من عنوانه؟
اللبنانيون أدمنوا المهدئات ومن لم يفعل بعد يعوز، للأسف، مهدئات! لا تصدقوا؟ أنظروا حولكم. أصغوا الى همسات من يجلسون قبالتكم. أنصتوا الى أصوات الأمهات اللواتي يصرخنّ في وجوه أطفالهن بلا سبب. راقبوا حركات الناس. راقبوا عيون الناس. كلها إشارات الى أن شيئا ما، كما البركان الخامد، يتحضر لانفجار ما.
وحدنا؟ لا، كل العالم يسير في ركاب التوترات. فالقلق مرض العصر. وهناك انسان يُصاب كل دقيقة في الولايات المتحدة الأميركية بانهيار عصبي! كثير؟ نعرف. ماذا عن عالمنا العربي؟ الإحصاءات في هذا المجال، في عالمنا العربي، أقل دقة لكن الثابت أن “الإنهيارات” كثيرة والليل يمضي وعيون الكثيرين مفتوحة جاحظة. فهل يأتي الحلّ دائما في لباس الأدوية المهدئة؟ وماذا قبلها؟ وماذا بعدها؟
اسباب وظروف
نقيب الأطباء الدكتور أنطوان بستاني، وهو طبيب نفسي، يقول: أن الأزمات النفسية تتطلب الحلول الجذرية وهذا لا يتحقق إلا بالبحث عن الأسباب التي توصل الانسان الى المهدئات. في كل حال، تُعد الظروف الاجتماعية الصعبة والمعيشية الضاغطة والعاطفية المرتبكة مناخا خصبا للإصابة بالانهيار العصبي، خصوصا عند الأشخاص الذين لا يتحلون ببنية نفسية محصنة.
ماذا يقصد النقيب بالبنية النفسية المحصنة؟
هل تتذكرون مقولة سيغموند فرويد: أمران قد يسعدان الإنسان هما النجاح في العمل والنجاح في الحب؟ إسألوا أنفسكم: ناجحون؟ أعمالكم في أحسن حالاتها؟ تعيشون قصة عشق؟ قصة استقرار؟ فكروا كثيرا قبل أن تُجيبوا بنعم أو لا. ولا تكذبوا على أنفسكم. اعترفوا إذا لم تكن الحياة، بما وبمن فيها، ترضيكم. لا تترددوا في الاعتراف أنكم غير سعداء بدل أن تهرعوا الى حبة السعادة! فالمهدئ ليس أبدا حبة سحرية تُنشلكم من مكان وتضعكم في مكان آخر مختلف تماما بل هو مجرد حبة مساعدة، يُفترض أن تكون مرحلية، تُساعدكم على عبور حالة مؤقتة.
يفرز الجسد مادة الأندورفين من دون جميل الدواء لكن حين يشتد القلق ويزيد اليأس ويحل الخوف تعجز تلك المادة الطبيعية المنتجة عن اعادة التوازن الى التصرفات والعواطف فيضطر الطبيب الى وصف الدواء المهدئ. والأندورفين، لمعلوماتكم، هو هورمون السعادة، يتشكل في تركيبته من مواد شبيهة بالمورفين تخفف الآلام وتبعث الراحة، فإذا تباطأ إفراز الأندورفين في الجسم او ما عاد قادرا على تلبية الحاجة لسبب ما يتدخل الطبيب، في كل حال، يتأثر هذا الهورمون جينيا، بمعنى ان بعض الاجسام تفرز الأندورفين اكثر من أجسام أخرى لهذا نرى شخصا يبدو سعيدا غالبا بينما نرى الاضطراب والحزن كامنا في شخصية انسان آخر.
تبحثون عن حلول أخرى، عن حوافز سعادة أخرى؟
الطعام قد يكون، بحسب نقيب الأطباء، حلا! كيف؟ يجيب: ثمة علاقة بين الطعام والقلق. ثمة علاقة بين الطعام واللذة. ومن يتوقف عن تناول المأكولات الشهية، الطيبة، قد يُصاب بإحباط. يبدو أننا الآن فهمنا معنى مقولة الكاتب الأميركي الساخر مارك توين: جزء من سر النجاح في الحياة أن تأكل ما تحب وتترك الطعام يتصارع في الداخل.
من هو المولج وصف المهدئ؟ الطبيب؟ الصيدلي؟ الجارة؟
زملاء العمل غالبا ما يتبادلون حبات المهدئ حين تستعر الخلافات ويرتفع ضغط الدم من رب العمل فيطلبون النجدة من بعضهم بشكلِ: حبة مهدئ على الماشي! وهذا ما يرفضه مطلقا نقيب الاطباء مشيرا الى: أن الأدوية التي تؤثر على الجهاز العصبي تسمى “العقاقير التخليقية” وتتفرع منها المهدئات والمنشطات ومضادات الاكتئاب والمخدرات ولا يجوز وصف او تناول إحدى هذه العقاقير بعشوائية. ثمة علم والعلم يقتضي وصف الدواء الصحيح في الحالة المناسبة. الطبيب هو بالتالي من يصف وحده، دون غيره، مضادات الاكتئاب او القلق او عقاقير النوم بعد إخضاع المريض الى كل الفحوصات اللازمة للتأكد أن سبب أرقه مثلا ليس ألما في الظهر! الطبيب النفسي يدرس 12 عاما ليتمكن من وصف الدواء المناسب في الحالة المناسبة، والمرض النفسي ليس غنجا بل داء يحتاج الى تشخيص وعلاج ومتابعة.
انفجار؟ انقطعت الاتصالات؟ قلوبكم مشغولة، تدق قلقا، على ابن او اخ او اب او صديق؟ كمية الأندورفين التي تنتجها أجسامكم ما عادت قادرة على بعث الراحة في نفوسكم؟ لا ضير إذا من التوجه الى طبيب نفسي طلبا للمساعدة. تبلعون مساء حبات للنوم؟ كثيرون يفعلون، منذ أعوام كثيرة، مثلكم فالأدوية النفسية ليست علاجية بل هي تمنح فرصة من أجل التغلب على المشكلة، على مشكلاتنا، فتساعدنا مثلا لننام، وحين ننام نرتاح ونستعيد عافيتنا. الأدوية النفسية إذا مساعدة وليست علاجية. الأدوية النفسية تُشبه “وقفة تعاطف” من محب. هل تتخيلون كم إنسان كان لينتحر بعد موت أم أو ابن أو حبيب لو لم يكن مضطرا الى استقبال التعازي ثلاثة أيام. التعازي هذه تريحه، تخفف عنه، مثلها مثل المهدئات.
النساء اكثر عرضة للاكتئاب
النساء، لسوء حظ بنات حواء، أكثر عرضة للإكتئاب من الرجال ولا تسألوا لماذا (؟) فالسبب العلمي ليس واضحا حتى هذه اللحظة وإن كانت الفرضيات كثيرة وبينها أن هورمونات المرأة ربما تلعب دورا وربما السبب هو العبء الهائل الذي تتحمله إمرأة اليوم التي بات عليها أن تمسك مئة بطيخة في يد واحدة وتحرص ألا تسقط منها واحدة! إمرأة اليوم يفترض أن تكون “سوبروومن” لتنجح في إتمام كل ما تحمله بلا مهدئات!
في كل حال، ظهرت أول علاجات نفسية بالأدوية عام 1950 وفي العام 1988 أبصر عقار لُقب “بدواء السعادة” النور محدثا ثورة في الطب النفسي. والدواء النفسي يؤثر لمعلوماتكم على وظائف الخلايا العصبية في الدماغ، فيجري في الدم ويخترق الحاجز الدموي الدماغي ويتمركز في المتلقيات الموجودة في الخلايا العصبية. ويُباشر الدواء فعاليته من خلال تعديل وظيفة الخلية العصبية، إما في اتجاه التنبيه أو في اتجاه الكبح، ويأتي التوازن العاطفي والنفسي عند الإنسان نتيجة التوازن بين وظائف مختلف المناطق الدماغية الخاصة بالمشاعر والغرائز. وتتأثر تلك المناطق بكمية المواد المسؤولة عن التنظيم العصبي.
أين سيقع الإنفجار التالي؟ هذه هي حال اللبنانيين اليوم! وهذه الحالة تتمدد على كل العالم العربي الذي يعيش كل أشكال الأزمات دفعة واحدة!
متوترون؟ قد يبدو السؤال ساذجا… فالكل، كلنا، نعيش التوترات بمنسوب فائض، لكن لكلِ واحدٍ منا قدرة مختلفة على الاستيعاب، ربما لأن جسم كل واحد منا قادرا على فبركة مادة الأندروفين بمنسوب مختلف عن الآخرين. ماذا يعني كل حال؟ لا تسألوا بعضكم بعضا: كيف صحتكم بل استبدلوا السؤال بسؤال: كيف هو منسوب الأندورفين في أجسامكم؟ وتذكروا دائما، في كل الظروف، أن المهدئات ليست مكسرات!
نوال نصر