افتتاحية

سنة مرت… والتعطيل عنوانه الحوار

في الاول من ايلول مرت سنة كاملة على بدء المرحلة التي يحددها الدستور لانتخاب رئيس للجمهورية. سنة انقضت والشغور يخيم على قصر بعبدا، والوضع السياسي لا يزال على حاله، تعصف به الخلافات التي تسد الطريق امام اي حل للازمات الكارثية المتكاثرة، والتي تشمل كل القطاعات من السياسة الى الاقتصاد الى المال، الى الحياة المعيشية المدمرة للانسان اللبناني. مجلس نيابي لم يشهد لبنان مثيلاً له في التخلي عن مهماته الاساسية. نواب لا يتحملون المسؤولية، ويديرون ظهورهم لناخبيهم، متجاهلين وعوداً قطعوها ابان الحملات الانتخابية، ولما وصلوا الى مقاعدهم تناسوا كل ما وعدوا به. وهم في ذلك يتكلون على شعب لا يحاسب، ولا يطالب بابسط حقوقه، حتى بات مضرب مثل في العجز والخضوع والاستسلام.
سنة مرت والطرح هو اياه، واحد لا يتبدل ولا تراجع عنه، رغم انه بعيد عن الاسس الدستورية. انه الدعوة الى الحوار. فهل في الدستور اللبناني نص يقول بحوار لاختيار رئيس للبلاد؟ ان الانتخاب هو الوسيلة الوحيدة والا اصبح التعيين هو القاعدة. فلماذا هذا الاصرار على بدع خارج الدستور؟
والادهى من ذلك ان الحوار الذي يدعو اليه البعض، لا يتطابق مع اصول الحوار الحقيقي الذي يتم عادة لتقريب وجهات النظر بين طرفين مختلفين على امر معين. اما في ما يخص انتخاب رئيس للجمهورية فالخلاف ليس على الانتخاب ام عدمه، بل ان الفريق الذي يطالب بالحوار يريد من الاخرين ان يوافقوا على طرحه، وهذا لا يعود حواراً، بل اخضاع لارادة فريق.
نحن لا ننكر مبدأ الحوار اذا كان سليماً ووفق الاصول، ولكن له اسس واضحة يمكن العمل عليها. بالطبع هناك امور كثيرة هي موضع خلاف بين اللبنانيين وتترك عند البعض هواجس مقلقة، ولا يمكن حلها الا بالحوار. ولهذا السبب على النواب ان يتوجهوا جميعاً الى المجلس النيابي، ويعقدوا جلسة في دورات متتالية، الى ان يتم التوصل الى انتخاب رئيس، ومتى استقر الوضع وتشكلت حكومة كاملة الصلاحيات، يتمتع اعضاؤها بالخبرة والكفاءة والنزاهة، بعيداً عن الاصطفافات السياسية، ومتى عادت الادارات الرسمية تعمل بشكل طبيعي، عندها يدعو رئيس الجمهورية الى طاولة حوار جدية، يطرح كل طرف هواجسه ومخاوفه ويقدم اقتراحاته، ويبدأ الحوار الجدي لتقريب وجهات النظر، حتى اذا اطمأن الجميع يعود الوئام والعيش المشترك الحقيقي الى البلد، الذي كان مثالاً يحتذى تتمثل به جميع الدول، وكانت الكلمة المحترمة، التي ضاعت اليوم داخل طروحات واهواء لا تشبه لبنان الذي عرفه الاباء والاجداد وتغنى به العالم.
الرئيس نبيه بري طرح قبل ايام مبادرة دعا فيها الى الحوار ثم الى جلسة مفتوحة للمجلس النيابي حتى يتم انتخاب رئيس. هذا الطرح لا نعلم بعد كيف تلقفته الاطراف السياسية، ولكن استناداً الى ما تقدم نقول لو ان الرئيس بري حذف القسم الاول من المبادرة، وهو الحوار الذي بات يشكل عقدة عند البعض لكثرة ما طرح على التداول، واكتفى بالجزء الثاني وهو عقد جلسة مفتوحة لمجلس النواب، لكان قطع الطريق على اي اعتراض ولكان حمل الجميع على القبول بالمبادرة. فهل يمكن تدارك الامر والتنازل من هنا وهناك من اجل مصلحة الوطن؟ هل تتقارب المواقف وتتوحد من اجل هذا الوطن الذي قدم الكثير للكل، وحان الوقت ان يقدموا بعض ما له عليهم؟
ايلول يجب ان يحمل الحلول والا ضاعت جميع الفرص وانهار البلد المنهار اصلاً، واصبح الخلاص من المستحيلات. هل تريد هذه الطبقة السياسية التي اجرمت بحق لبنان ان يحيى من جديد ام ان الهدف تدميره كلياً لاعادة بناء بلد اخر على انقاضه، لا يشبهه بشيء؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق