صحة

مرضى السكري على الشبكة العنكبوتية

ذات غروب، قبل أكثر من أربعين غروب شمس، دقت رسالة هاتفية. انها من ميريام، ميريام أزنافوريان، مديرة الاعلام والتواصل في سانوفي، والمضمون صدمة: عميدة سفراء «حكايتي مع السكري» في ذمة الله!! لماذا؟ هل قضى عليها داء السكري الذي تحدته بابتسامة وبقدرة هائلة على المواجهة أم هو الداء الخبيث نجح أخيراً في أن يفتك بجسدها وقلبها ونبضاتها؟ ماتت غريتا طويل لكن «حكايتها، حكاية كل واحد منكم، مع السكري» يُفترض أن تبقى شرارة توقد وعياً في عالم السكريين!

لم تكن عميدة سفراء السكري إمرأة عادية، ربما لهذا ضربها سكري الأطفال، السكري من النوع الأول، وهي في عمر الخمسين! وهي لم تكن إمرأة ضعيفة لهذا اختار السرطان أن يتبارى معها ففازت عليه أشواطاً الى أن غدر بها، بأسلوبِهِ الخبيث، فماتت!  هي رحلت الى دنيا الحق وحقها علينا، في هذه الدنيا، أن نحمل رسالة دونت مضمونها بعرقٍ وكفاح، رسالة نجحت في توقيع عنوانها الأول: ميلليتوس!

بين اعصارين
أنجبت غريتا طويل «ميلليتوس» بعد مخاض عسير طويل. أنجبت جمعية هدفها مواجهة إعصار السكري الذي يصيب 26 مليون إنسان في الشرق الأوسط. هي فعلت كل هذا وهي تعيش بدل الإعصار إثنين: همّ السكري وخُبث السرطان. السرطان خبيث لكنها كانت تنظر اليه باستخفافٍ، فالخبث ضعف حتى ولو كان قاتلاً! والعالمُ، كل العالم، يؤسس جمعيات ونوادي وحركات داعمة لمرضى الخبيث أما مريض السكري فمتروك في ذمة القدر! وهذا المريض بالذات، مريض السكري، هو من يُفترض أن ينال اهتمامها وهذا ما كان…
أدهشتنا غريتا طويل. وأدهشتنا ميريام أزنافوريان، المرأة الرائعة التي تعمل بقلبِها وعقلِها معاً، التي مشت رحلة غريتا طويل من شرارة «حكايتي مع السكري» مروراً بإنجاب «ميلليتوس» وصولاً الى المحطة الأخيرة، محطة الوداع، وداع عميدة السكري الى مثواها الأخير…
ماتت هي، ماتت السفيرة الأولى، ويستمرُ في عالمِ «حكايتي مع السكري» سفراء آخرون يمضون، في هذا الشرق الأوسط الملبد، الى الأمام. فالطريق بعد طويل والخيارات تبقى قائمة، ما دام في القلبِ حياة، على متراسين: الوعي أو اللاوعي! ولكم، لكل الخليقة على وجه هذه الأرض، أن تتمترس وراء الوعي أو وراء الجهل… فما جديد سفراء سانوفي في عالمِ السكري؟ وهل طاقات التثقيف باتت مُشرعة؟

مشورة ونقاش وارشادات عبر النت
أنشأت سانوفي موقعاً خاصاً، ولنسمه مجتمعاً خاصاً، لمرضى السكري عبر الانترنت، انضم اليه في أقل من عشرة أشهر أكثر من ألف عضو من جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط. وهذا المجتمع يقوده السفراء، سفراء – الحكاية، الذين يقدمون الدعم والمشورة الى مريض السكري الذي قد يلوح في باله، في أي لحظة سؤال، أو قد يكون في باله سؤال يتكرر لكنه يخجل من طرحه، فيطرحه هناك، في المجتمع الالكتروني، ولا بد أن يجد عشرات الأجوبة من شبان وشابات لديهم تقريباً الهموم والهواجس والأسئلة عينها. وهؤلاء، أفراد هذا المجتمع، كما كلنا نعلم، بحاجة الى أكبر قدر من الدعم، خصوصاً وهم يعملون على تغيير نمط حياتهم، فليس سهلاً أبداً أن نقول لإنسان: أنت مريض سكري وعليك أن تستبدل قواعدك في الحياة بقواعد جديدة مختلفة ونقطة على السطر!
السكري داء حياة، حين يأتي يبقى، وما يبقى علينا إلا أن نتعايش معه! فكيف تتعايشون أنتم، مرضى السكري، أبناء المجتمع الالكتروني الخاص بالسكري، مع الداء؟
نعتذر منكم أيها الأصدقاء لأننا اقتحمنا عالمكم المغلق عليكم سراً. فعلنا هذا لنتعرف أكثر عليكم، على هواجسكم، على استفساراتكم وعلى نقاشاتكم… دخلنا فماذا وجدنا؟ غريتا طويل غابت أما السفراء الآخرون فيفتحون باب النقاش على عناوين: السفيرة مرام دلاب، الصبية الإماراتية ذات الأصل الفلسطيني، طرحت سؤالاً: كم مرة تجرون فحص السكري في اليوم؟ ودار النقاش: دعاء تفعل هذا ثماني مرات! أو هذا ما كانت تفعله دعاء، تُصحح، فهي نضجت اليوم وأصبحت في السابعة عشرة واكتشفت أنه إذا كانت تعيش استقراراً في عاداتها الغذائية، فتأكل نوعيات محددة وبنسب محددة، فلن تحتاج الى أن توخز نفسها بإبرة اختبار معدل السكري في الدم ثماني مرات يومياً! أصبح يكفيها أن تفعل هذا مرة عند الصباح، حين تستيقظ، ومرة في المساء، قبل النوم. مرام تفعل هذا، أو كانت تفعل هذا، أيضاً مرتين لكن الطبيب نصحها بأن تجري اختبار السكر ساعتين قبل تناول الطعام لتطمئن أنه في معدلاته الصحيحة.
رأي آخر دخل على الخط: ليس ضرورياً أن يكون هناك رقم واحد محدد لعدد المرات التي يُفترض فيها إجراء اختبار السكر في الدم خلال اليوم الواحد. العدد قد يختلف بحسب الحالة والعمر وطبيعة عمل الشخص وأسلوب حياته… وفي النهاية يبقى كل شخص، في حد ذاته، قادراً على أن يتعرف على ما يحتاج اليه جسمه أكثر من كل القواعد الجامدة المحددة سلفاً.
سؤال ورد: عانيت خلال يومين متتاليين من وجود الكثير من السكر في الدم… لماذا يا ترى؟ والأجوبة قد تُختصر بالآتي: إسأل نفسك إذا كنت قد تناولت السكريات أكثر من العادة وإذا كنت قد قمت بتمارين رياضية أقل؟ وإذا أتى الجواب عن السؤالين الأول والثاني: كلا فعليك إذاً أن تزيد جرعة الأنسولين.
سؤال آخر مطروح للنقاش في مجتمع السكريين الالكتروني: هل احتساب معدل الكربوهيدرات يفيد في إدارة داء السكري؟ والسؤال مطروح بصيغة أخرى: هل يفيد حسن التعامل مع الغذاء؟

  سارة حاولت ملياً ان تتوقف عن تناول الخبز لكنها فشلت وهي تطلب النجدة: هل هناك من يستطيع أن يُعطيني، من أصدقائي، نصيحة على نوعية الغذاء التي تُعوضني عن الخبز؟ السفيرة مرام تدخلت: صحيح، يُفترض التخفيف من تناول الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات التي تمد عادة الجسم بالطاقة، كما يفعل البنزين في السيارة، وذلك من أجل الحفاظ على مستوى سكر طبيعي في الجسم، لكننا قد لا ننجح في هذا إلا بمساعدة اختصاصيين في التغذية  قادرين على تحديد ما تحتاج اليه أجسامنا بدقة واستبدال الكربوهيدرات بالبروتينات والدهون الجيدة. هذا ما نحتاج طبعاً اليه لكننا كلنا، بإجماع مجتمع السكري على الانترنت، منهمكون بالجري السريع وغير قادرين للأسف على النظر الى التفاصيل!

لكل سؤال جواب
من يملك منكم أفكاراً ايجابية حول كيفية التعايش مع السكري؟
هو سؤال طُرح الكترونياً والاجابات أتت عفوية، على شكل نصائح، تمثل تطلعات السكريين بلا لف ودوران: حافظوا على نسبة سكر في الدم لا تتجاوز 120 ميلليغراماً قبل الأكل ولا تتعدى 180 بعده. تناولوا الأدوية الموصوفة كما حدد الطبيب لا كما ترتأون أنتم. أكثروا من تناول المياه ويمكن احتساب كل مشروب خال من الكافيين في خانة المشروب المفيد. اكثروا من تناول الخضار الطازجة وتناولوا مركبات الفيتامينات التي تحوي البيتاكاروتين والزنك والسيلينيوم ومضادات الأكسدة. اعتنوا بأقدامكم وجففوا بين أصابعكم. مرضى السكري عرضة لالتهابات اللثة فاحموا انفسكم عبر تنظيف الاسنان واللثة باستمرار، وتذكروا ان بعض امراض القلب والكوليستيرول سببها التهابات اللثة. ناموا بين سبع وثماني ساعات متواصلة وتيقنوا من ان نتائج النوم الصحيح ستدهشكم. مارسوا الرياضة مارسوا الرياضة ومارسوا الرياضة. أركضوا. العبوا الغولف. اسبحوا. الرياضة تساعد على تخليص الجسم من التوترات وتقليص نسب السكر في الدم والحد من الاكتئاب. ولا تخشوا ابداً من طرح اي سؤال…

وسفراء يصوبون
أسئلة وأجوبة كثيرة تدور في كواليس مجتمع السكريين الالكتروني والمرضى يُرشدون بعضهم البعض. كم هذا جميل! وسفراء سانوفي دائماً حاضرون لطرح النقاشات وتصويب المعلومات. فيكي متني، السفيرة، طرحت سؤالاً عن العزل الاجتماعي الذي يواجهه مرضى السكري! نعم هناك من يرفض قبول مريض سكري بين عداد العاملين لديه! وهناك معلمات لا يبالين بأطفال –  تلامذة يعانون من هذا الداء ويحتاجون الى مرونة أكثر في التعامل معهم. مرضى داء السكري لديهم وجع، هو الوجع عينه تقريباً الذي كان يلوح في عيني وصوت وكلمات غريتا طويل التي لم تمت من السكري بل من الخبيث. غريتا ماتت وهي تدعو من هو قادر: أن يهتم بالسكريين لأن وجعهم الصامت يزيد غالباً عن وجع كل الآخرين!
تُرى هل سيأتي يوم قريب يتمكن خلاله مريض السكري، أينما كان، على وسع هذه الأرض، أن يتعامل ايجاباً مع قدره؟
أبناء مجتمع السكري الالكتروني لن يغلقوا باب النقاش…

نوال نصر

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق