سياسة لبنانيةلبنانيات

التعطيل المتمادي هو عنوان المرحلة الراهنة والمعاقب الوحيد هو الشعب اللبناني

النائب او القاضي او الموظف او العامل الذي لا يعمل يجب ان يحرم من قبض راتبه

لم تحسم الكتل النيابية موقفها بالنسبة الى دعوة الرئيس نبيه بري للحوار، وتستمر المشاورات حتى يوم الخميس، فاما تعقد جلسة عاشرة لانتخاب رئيس للجمهورية، في عرض مسرحي روتيني يمدد للفراغ الى ما بعد نهاية السنة الحالية، واما تحول الجلسة الى طاولة حوار، ليس مؤكداً ان تنتج رئيساً. فالتردد القائم يستند الى تجارب سابقة. فقد عقدت طاولات حوار عدة في الماضي ولم تسفر اي واحدة منها عن نتائج ايجابية، ولم تبدل شيئاً في المواقف.
التعطيل هو السائد والناشط في كل القطاعات. فرئاسة الجمهورية غارقة في الشغور القاتل، والحكومة غير مكتملة الاوصاف واي تحرك تقوم به تحاسب عليه خصوصاً اذا خالفت الدستور وهي شبه مشلولة. والمجلس النيابي غير موجود، لا يقوم بواجباته وبمهامه التي انتخب من اجلها. وتقاعسه ينعكس على كل الادارات، فيبقى القصر الجمهوري مهجوراً، ومجلس الوزراء مشلولاً، والنواب يتسلون في جلسات فولكلورية معيبة، اجمع الداخل والخارج على ادانتها، ومع ذلك فهم لا يبالون وكأن الامر لا يعنيهم. القضاء وهو يشكل السلطة الثالثة، مضرب عن العمل منذ اكثر من اربعة اشهر، ولا بوادر باحتمال العودة عن هذا الاستنكاف. فتعطلت قضايا الناس وبعضها ملح ومستعجل، وتوقف عمل المحامين الذين انتقلوا من اضراب اعلنه نقيبهم السابق ملحم خلف واستمر اشهراً طويلة رغم اعتراض السواد الاعظم من المحامين، لعدم وجود سبب جوهري لهذا الاضراب ولما عادوا الى العمل اصطدموا باضراب القضاة مع الاشارة الى ان القاضي ليس موظفاً بل سلطة والسلطة لا تضرب. ولكن في هذا البلد كل شيء مباح. ادارات الدولة معطلة بالكامل على مدى اشهر طويلة بسبب اضراب شامل. ولما استؤنف العمل، كان جزئياً وغير فعال. الاتصالات معطلة بفعل اضراب متنقل بين اوجيرو وشركات الخليوي. قطاع التعليم الرسمي معطل ومستقبل جيل كامل يطير في الهواء ولا من يسأل، وكل جهة تبحث عن مصالحها دون اي مراعاة للمصلحة العامة.
ويبدو ان عدوى الاضرابات تحولت الى جائحة تتنقل بين الادارات والمصالح، حتى اصبح التعطيل عنوان المرحلة في هذا البلد المنكوب بسياسييه، بعدما وقع في قبضة منظومة لا تفكر سوى بمصالحها الخاصة، فافلست الدولة وافقرت المواطنين ودفعتهم الى الهجرة، حتى فرغ البلد من اهله. اما الباقون فهم يرزحون تحت نير الظلم والغلاء الفاحش، الذي فاق كل التصورات. والمسؤولون الذين يفترض فيهم حماية مصالح المواطنين غائبون تماماً عن ممارسة مسؤولياتهم، وهم منشغلون بحصصهم ومكاسبهم. لماذا لا ينزلون الى الارض ويتجولون في الشارع ويزورون المحلات التجارية ويطلعون عن قرب على معاناة الناس، وهم سببها؟ اين وزارة الاقتصاد، واين مراقبوها؟ ولماذا لا يضعون حداً لهذا الفلتان في الاسعار. ولماذا حاكم مصرف لبنان لا يضبط سعر صرف الدولار، ويرد التهمة عنه، لان المواطنين مقتنعون بأنه وراء هذا التلاعب بسعر العملة الاجنبية، او في احسن الاحوال، يغض الطرف عن المافيات القابضة على السوق المالية، خصوصاً وان ارتفاع اسعار العملات الاجنبية ينعكس بعد دقائق على جميع اسعار السلع والمواد الغذائية، حتى اصبح الحصول عليها شبه مستحيل. فهل هناك مخطط للقضاء على الباقين في لبنان لانهم غير قادرين على الهجرة؟
حيال هذه الموجة من ضياع المسؤولية بالكامل، لا بد من اللجوء الى معالجات استثنائية تضع حداً للفلتان. من المعروف ان الاجر يدفع مقابل عمل يقوم به الموظف او العامل او النائب او القاضي او اي شخص يعمل. فلماذا لا يقدم وزير المال على وقف تحويل الاجور للمضربين حتى يعودوا الى عملهم. من المتعارف عليه ان الاضراب تدبير مشروع، ولكن ضمن مدة رمزية لا تتعدى الايام القليلة وعندما يمتد الى اشهر طويلة ويعطل مصالح الناس فيصبح غير مشروع، ويجب مواجهته بوقف دفع البدلات. ربما هذا هو العلاج الوحيد لوقف التعطيل القاتل. فالنائب او القاضي او الموظف او العامل الذي لا يقوم بالمهام الموكلة اليه، يحرم من اجره لانه يعتبر عاطلاً او متوقفاً عن العمل. لانه باضرابه لا يعاقب الدولة او ارباب عمله، بل انه يعاقب الشعب الذي وحده يعاني من تداعيات هذه التصرفات التي زادت عن حدها. فهل من مسؤول قادر على ضبط هذا الفلتان قبل ضياع البلد؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق