سياسة لبنانية

تغييرات في الخريطة السياسية – الحزبية على الساحة المسيحية «التيار الوطني الحر» من «زعامة عون» الى «رئاسة باسيل»

لم يربح العماد ميشال عون في معركة رئاسة الجمهورية حتى الآن. فهو لم يتراجع خطوة الى الوراء في موقفه وأيضا لم يتقدم خطوة الى الأمام في وضعه…
لم يربح العماد عون في معركة قيادة الجيش التي دخلها وتورط فيها في ظل حسابات خاطئة وميزان قوى غير مساعد. وخسارة عون في هذه المعركة ليست «مكتملة» بانتظار مصير ومستقبل العميد شامل روكز وسط تخبط وتضارب المخارج والصيغ المقترحة للتمديد له في المؤسسة العسكرية ولإبقائه ضمن المعادلة والحسابات.
في معركة الحكومة لم يربح عون ولم يخسر. فالنزول الى الشارع كوسيلة ضغط لم يأتِ على المستوى المطلوب ولم يكن في حجم المعركة والتعبئة، ولكن تعطيل الحكومة وشل قدرتها على الإنتاج واتخاذ القرارات تحقق بفعل دعم حزب الله الذي لا يجاري عون في كل حركته ولا يتركها تأخذ مداها في الشارع أو ضد قائد الجيش ويوازن في سياسته الهادفة الى عدم سقوط الحكومة وعون…
لم يكن أحد يتوقع أن يفتح العماد عون جبهة رابعة ومعركة داخلية «في بيته»، أي التيار الوطني الحر، في هذه الظروف التي يواجه فيها أشد الضغوط ويخوض أقوى المعارك، والتي لا تحتمل أدنى اهتزازات داخلية في حزبه أو قاعدته الشعبية…
وربما حصل هذا التصميم على بت موضوع رئاسة التيار الوطني الحر والتعجيل في عملية انتقال الرئاسة وسلطة القرار لأسباب داخلية محض، ورغب عون في حسم موضوع التيار وتكريس واقع جديد قبل إحالة العميد شامل روكز الى التقاعد وانتقاله من العمل العسكري الى العالم السياسي وليصبح في موقع المنافس الطبيعي والأقوى لباسيل، فيصبح الوضع داخل التيار أكثر دقة وقابلية لنشوء محاور ومراكز قوى واستقطاب.
ولكن أيضاً لم يكن أحد يتوقع أن تظهر علامات ضعف وارتباك لدى العماد عون في عملية ترتيب البيت الداخلي لتياره و«ترئيس» أو تثبيت باسيل رئيساً. فقد نجح عون في إتمام عملية انتقال هادىء وسلس على مستوى قيادة التيار الوطني بدأت مع تعيين باسيل رئيساً أو مع انتخابه بالتزكية والتوافق، وتستكمل لاحقاً مع سلسلة تعيينات قيادية، كما نجح في تجنيب «التيار» معركة انتخابية داخلية كانت تنبىء في مناخها ومنحاها العام بالوصول الى تشققات وتصدعات وخلافات، وهو ما لا يريد عون أن يحصل على أيامه و لا يسمح بحدوثه. ولذلك فإنه وضع كل ثقله لفرض التسوية والتوافق، ولإقناع آلان عون بالانسحاب…
وحسب ما تفيد مصادر بارزة في التيار، فإن العماد عون كان مصمماً على ما يريد ولم يقبل نقاشاً في الموضوع، وكان كلامه الموجه الى نواب التيار خصوصاً فحواه: أريد باسيل رئيساً وانتهى الموضوع، فإذا لم يأتِ ستكسروني بأيديكم وسيحدث شرخ واسع داخل التيار… وكان من الصعب على «المعارضين» لباسيل أن يقاوموا رأي الجنرال ورغبته ونظريته القائلة بأن هزيمة باسيل تعني كسره… كما كان من الصعب على هؤلاء أن يلجموا عاطفتهم عندما اجتمع بهم عون أمس وأبلغهم وصيته لهم بأن يكونوا ضمانة بعضهم بعضاً وتوجه إليهم بكلمة وجدانية ختمها بالقول دامعاً: «التيار فريق واحد ولا يجوز التعاطي بمنطق الشروط والشروط المضادة… لا رابح ولا خاسر جراء التفاهم بل الكل رابحون لأنه جاء نتيجة رغبة الأكثرية الساحقة»…
انتهى كلام عون لتبدأ مرحلة جديدة داخل التيار الوطني الحر ستكون موضع متابعة واهتمام لأنها لا تعني التيار لوحده وستكون لها انعكاسات وتأثيرات على الساحتين المسيحية واللبنانية، كخريطة وكمعادلة سياسية… وبانتظار ما ستؤول إليه عملية انتقال التيار من «زعامة عون» الى «رئاسة باسيل»، يمكن الإدلاء في شأن هذا «التطور – الحدث» بالاستنتاجات والملاحظات التية:
1- ما حصل في التيار الوطني الحر من تسلم وتسليم بين عون و«صهره» حصل مثله في حزب الكتائب حيث تمت عملية تسلم وتسليم بين الرئيس أمين الجميل ونجله سامي. وفي الحزب الاشتراكي حيث بدأت عملية انتقال منظم للمسؤوليات الحزبية من النائب وليد جنبلاط الى نجله تيمور. وفي تيار المردة حيث بدأت عملية الإعداد لعملية تسلم وتسليم بين النائب سليمان فرنجية ونجله طوني بدءاً من المقعد النيابي.
في كل هذه الحالات نشهد ظاهرة التوريث السياسي من جيل الآباء الى جيل الأبناء في ظل مفارقتين: عملية التوريث تتم والآباء ما زالوا على قيد الحياة ويفضلون أن تحصل العملية على أيامهم لأن الظروف تغيّرت والصعوبات زادت أمام انتقال طبيعي وتلقائي للزعامة… والمفارقة الثانية أن الزعامة تنقل باكراً الى جيل من الشباب «الصاعد» الذي ما زال في بداية حياته السياسية وتنقصه الخبرة والتمرس والنضج… مع ما يعنيه ذلك من «هبوط» معدلات أعمار الزعماء الجديد وفي هبوط «المستوى» أيضاً حتى ولو كان الوجه الآخر الإيجابي هو إضفاء «حيوية ودينامية» على الحياة السياسية والتجديد في الوجوه والطاقات بعد استنفاد «زعماء الحرب»…
إذا كان العماد عون يفعل ما يفعله الآخرون، فإنه يختلف عنهم في أمر أساسي وهو أن التوريث السياسي يحصل في بيوتات وعائلات سياسية تاريخية (الجميل -جنبلاط – فرنجية)، فيما يحصل من جانبه في عائلة غير منضوية في نادي العائلات السياسية وفي حزب يفترض أنه لا ينتمي الى نادي الأحزاب التقليدية…
2- السؤال الذي يطرح بقوة في السنوات والأشهر الأخيرة وفي الدوائر المغلقة كان عن مصير ومستقبل التيار الوطني الحر بعد عون وماذا سيحل به في حال غاب مؤسسه وزعيمه التاريخي ميشال عون… ما حصل يقدم إجابة عن هذا السؤال وهي أن التيار باق ومستمر ولديه قدرة على الاستمرار والاستقرار خصوصاً في ظل وجود عون  الذي سيضبط إيقاع السياسات والخلافات…
ولكن ما حصل لا يقدم إجابة نهائية وشافية، المسألة ليست هل يستمر التيار الوطني الحر ولكن «كيف يستمر»؟! وهل يكون قادراً على الحفاظ على تماسكه الداخلي وقوته الشعبية، وهو الذي نشأ وكبر كتيار شعبي ويجد صعوبة في أن يصبح حزباً منظماً، وعلى تحالفاته السياسية، خصوصاً تحالفه مع حزب الله الذي يقوم بشكل أساسي على «شخص عون» وعلى التزام أخلاقي وأدبي من جانب الحزب؟!
3- العماد عون باقٍ زعيماً للتيار ورئيساً لتكتل الإصلاح والتغيير، ولكنه من خلال خطوته هذه يعلن «تقاعده السياسي» وبدء العد العكسي لمغادرة المسرح السياسي… وهذا يعني أن الساحة المسيحية تدخل مرحلة جديدة مع الانتقال الى جيل جديد من القيادات الشابة (سامي الجميل وجبران باسيل وطوني فرنجية) ولا يبقى من «جيل زعماء الحرب» إلا رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، وفي ظل وضع متقدم على غيره مستفيداً من النقاط التنظيمية والسياسية التي أجراها في خلال سنتين ومن فراغات قيادية مسيحية متلاحقة…
العماد عون بانكفائه الى بيته وحزبه وأولوياته يكون قد خفض سقف زعامته وطموحاته وأهدافه في مرحلة ومعركة لا تحتمل حلولاً وسط: الرئاسة… أو الاعتزال…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق