افتتاحية

غلّبوا الوطنية في ملف القادة الامنيين

الاخطار التي تتهدد لبنان تتزايد يوماً بعد يوم من جراء الوضع العام في المنطقة كلها، وخصوصاً ما يدور على طول الجبهة الشرقية حيث تتمركز النصرة وداعش. فيكاد لا يمر يوم الا وتحصل فيه اشتباكات بين الجيش اللبناني والمسلحين. فما ان يرصد الجيش المرابط على الحدود اي تحرك مشبوه حتى يطلق عليه نيران مدفعيته الثقيلة، وقد استطاع ان يحاصر الارهاب ويتعقبه.
ويتزايد الخطر من جراء ما يحكى عن معركة الربيع بين الجيش السوري وحزب الله من جهة والتكفيريين من جهة اخرى، بحيث ان الاشتباكات ستتمدد الى لبنان، وقد بدأت طلائع القتال تظهر للعيان، فقبل ايام شنت النصرة هجوماً استباقياً على مواقع الجيش السوري وحزب الله، ونقلت الانباء عن وقوع قتلى وجرحى.
فكيف يستعد لبنان لمواجهة هذا الوضع الخطر؟
على الصعيد العسكري يقول العماد جان قهوجي ان القوى العسكرية المرابطة على الحدود، والتي وسعت انتشارها امام تقهقر المسلحين، هي على اتم الاستعداد لمواجهة اي طارىء، مؤكداً العزم على النصر، مطمئناً الى ان الارهاب سيندحر. هذا الكلام اكده الجيش قولاً وفعلاً منذ ان اندلعت الاشتباكات، يوم حاولت النصرة وداعش الوصول الى عرسال والى قرى رأس بعلبك، فتصدى لها الجيش اللبناني ببسالة، رغم ضعف امكانياته العسكرية وقلة عدده، وكبد المهاجمين خسائر فادحة في الارواح والعتاد واعادهم على اعقابهم، لا بل ابعدهم بعيداً عن الامكنة التي كانوا يتمركزون فيها.
وقد شهد العالم كله ما حققه الجيش واثنى عليه، وسارعت الدول الكبرى تمد يد العون له وتدعمه بالمال والسلاح في معركته. فالولايات المتحدة اقامت جسراً جوياً الى مطار بيروت وشحنت اليه كل السلاح المناسب للمعركة، فاعطته المزيد من العزم والقوة. ثم كانت بادرة المغفور له الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي منح الجيش اللبناني ثلاثة مليارات دولار، واعقبها بعد ذلك بمليار رابع حمله الرئيس سعد الحريري وباشر على الفور في شراء السلاح للجيش وللقوى الامنية اللبنانية. ومنذ ايام اعلن العماد قهوجي ان السلاح الفرنسي الذي دفعت المملكة العربية السعودية ثمنه من خلال المليارات الثلاثة لتسليح الجيش، ان هذا السلاح سيبدأ خلال ايام بالوصول الى لبنان، وهو سلاح حديث ومتطور يزيد الجيش قوة ومنعة.
وبالفعل فقد وصل الى بيروت مسؤول شركة «اوداس» على رأس وفد من الشركة وعدد من ممثلي الشركات الفرنسية العاملة في مجال تصدير الصناعة العسكرية لاطلاق مشروع تزويد الجيش بالاسلحة الفرنسية.
ان هذه المبادرات الثلاث فضلاً عن تقديمات اخرى من عدد من الدول الغربية والعربية، يدل بما لا يقبل الشك، على الثقة الكبيرة التي يوليها العالم للجيش اللبناني ولقيادته الحكيمة، التي برهنت عن كفاءة عالية جداً في الحرب على الارهاب.
هذا على الصعيد العسكري، فماذا على الصعيد السياسي؟
الحكومة كعادتها بدت مربكة ومنقسمة على نفسها. ذلك انه بعد اشهر قليلة تنتهي مدة خدمة قائد الجيش العماد جان قهوجي، وقائد قوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص ورئيس المخابرات العميد ادمون فاضل، الذي مدد له وزير الدفاع ستة اشهر، فكيف ستواجه الحكومة الوضع؟
هناك عدد من الوزراء يطالبون بالتمديد للقادة الامنيين، وخصوصاً العماد جان قهوجي، الذي نجح في مكافحة الارهاب وابعاده، وكذلك اللواء بصبوص، وحجة هؤلاء الوزراء، وهم على حق، انه لا يجوز تعيين قائد للجيش في ظل الفراغ الرئاسي ويلزم به الرئيس الجديد. فقد درجت العادة ان يكون لرئيس الجمهورية في بداية عهده رأي في تعيين قائد الجيش.
وهناك فئة من الوزراء تعارض التمديد جملة وتفصيلاً، ليس للطعن بكفاءة القادة الحاليين، ولكن لانهم يريدون ان تجرى التعيينات لصالحهم من خلال انصارهم. غير عابئين بما يمكن ان يؤثر ذلك على سير المعارك، على الجبهة الشرقية، اذ ان الخطط ستتغير وكل شيء سيتبدل مع قائد جديد، فهل يدركون سلبيات هذا التعيين؟
قد يكون الضباط المقترحون لشغل هذه المناصب يتمتعون بالكفاءة اللازمة، ونحن لا نشك مطلقاً في ذلك، ولكن هل الظرف مناسب للتغيير في عز المعركة، وفي ظل الفراغ الرئاسي؟
الجواب على هذا السؤال نتركه لاصحاب الضمائر الحية فليحسبوا جيداً خطواتهم ويراعوا مصلحة الوطن في كل ما يفعلون، وهذا ما يهم لبنان واللبنانيين في هذه الايام العصيبة. خصوصاً وان الفراغ في قيادة الجيش امر غير مسموح البتة. فمن يستطيع ان يتحمل عبئه؟ وهل من المعقول ان يكون هناك فراغ في سدة الرئاسة وفي قيادة الجيش، وهما اعلى مركزين من حصة المسيحيين، فمن يتحمل ضرب الميثاقية؟ اسئلة تحتاج الى اجوبة فهل لدى معارضي التمديد لتجنب الفراغ رأي آخر؟ الحل هو اعلاء مصلحة الوطن فوق كل المصالح الشخصية والفئوية، حفاظاً على لبنان. فغلّبوا الوطنية على اي اعتبار آخر.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق