سياسة لبنانية

التداعيات والنتائج السياسية والأمنية لـ «فضيحة سجن رومية»

تم احتواء عاصفة فيديو التعذيب في سجن رومية، العاصفة المشبوهة والمفتعلة في توقيتها وأهدافها. ومر «القطوع» بأقل ضرر ممكن. القطوع الأمني الذي كاد أن يشعل شارعاً مشحوناً، والقطوع السياسي الذي كاد أن يطيح بوزير الداخلية. ولكن المسألة لم تمر من دون مضاعفات وتداعيات ونتائج أمنية وسياسية هذه أبرزها:
1- «هشاشة» الوضع الأمني «الممسوك وغير المتماسك» القابل في أي لحظة للاشتعال عند توافر الشرارة وعود الثقاب بسبب تنامي وتفاقم أجواء الشحن والتشنج الطائفية والمذهبية التي لا يبدو أن الحوار بين المستقبل وحزب الله نجح في احتوائها ولجمها…
2- «التوتر المكبوت» وحالة التطرف الكامنة في الشارع السني «المتأهب» الذي لديه قابلية وجهوزية التحرك والتفاعل مع أي حدث ينطوي على «تحدٍ واستفزاز» للطائفة السنية ومشاعرها ومصالحها… وهذا الشارع تحرك مرتين في فترة وجيزة، المرة الأولى لرسم خط أحمر في عرسال عندما أطلق حزب الله معركة جرود عرسال، والمرة الثانية عندما جرى تسريب فيديو التعذيب في سجن روميه لإسلاميين موقوفين. ولكن ثمة وضع يسترعي الانتباه في الشارع السني ويتمثل في وجود اختراقات من جانب تنظيمات إسلامية متطرفة تحاول الإفادة من المناخ وحالة الشكوى و
التذمر للتأليب والتحريض واستقطاب التأييد ومحاصرة تيار الاعتدال.
3- تيار المستقبل لحقه ضرر وأذى مما حدث: من جهة بدا أنه غير قادر على ضبط إيقاع الشارع والتحكم بانفعالاته وسلوكياته، وإنما هو مضطر لمسايرته ومجاراته كأفضل وسيلة لاحتواء التطرف بدل مواجهته. ومن جهةأخرى تترسخ أكثر فأكثر صورة أن تيار المستقبل يعاني من خلافات وتجاذبات وتصادم مصالح وطموحات داخل صفوفه القيادية التي خرجت الى العلن منذ فترة، وخصوصاً بين الوزيرين نهاد المشنوق وأشرف ريفي اللذين يجهدان في نفي الخلاف وفي دحض الحملة المركزة للإيقاع بينهما وفضح غاياتها.
4- الوزير نهاد المشنوق نجح في مواجهة وتمرير التحدي الأخطر منذ توليه وزارة الداخلية، وتحلى بجرأة تحمل مسؤولية ومحادثة السجناء الذين تعرضوا للضرب والاعتذار من عائلاتهم والتعهد بعدم تكرار ما حصل وبتحصيل الحقوق الإنسانية للسجناء… ولكن الوزير المشنوق خرج من هذه الجولة «جريحاً» وهو الذي تتوالى الضغوط و«اللكمات» ضده للنيل من صورته ومصداقيته الى حد يصبح كل مرة بحاجة الى دعم مباشر من الرئيس سعد الحريري والى تأكيد على أنه يتمتع بـ «حماية وحصانة». هذا ما حصل قبل شهرين عندما جرت عملية مداهمة سجن روميه وأعقبها توجه المشنوق الى الرياض لينال دعم الحريري وتغطيته رداً على انتقادات وحملات طاولته، وهذا ما حصل عندما أوفد الحريري مدير مكتبه نادر الحريري الى وزارة الداخلية في زيارة تضامن مع المشنوق ودعم له، لم يكن بد منها لوضع حداً للحملات التي استهدفته وللتفسيرات والتأويلات التي طاولت علاقته مع ريفي وأيضاً مع الرئيس فؤاد السنيورة.
في الواقع يواجه الوزير المشنوق وضعاً غير مريح ولا يحسد عليه:
– من جهة تصب عليه التيارات الإسلامية المتطرفة سهامها وجام غضبها وتأخذ عليه انفتاحه على حزب الله ومحاورته والتنسيق معه، وتصفه بأنه تحول الى «دفرسوار»  ورأس حربة أمنية – سياسية ضد الحركات الإسلامية، وأنه يقود المواجهة معهم تحت عنوان «حرب الاعتدال ضد التطرف»، ويصل الأمر عند بعض الجهات الى حد التأليب والتحريض ضد المشنوق وهدر دمه وتهديد حياته.
– من جهة ثانية، يغدق عليه حزب الله مع حلفائه الثناء والتقدير لإقدامه وجرأته في مواجهة التطرف واتخاذ القرارات من موقع رجل دولة ومن خلفية وطنية… وهذا الثناء يضر المشنوق أكثر مما يفيده ويضعفه أكثر مما يقويه، وتحديداً في الشارع السني وحتى أمام جمهور المستقبل. فما يقوله حزب الله يزيد من إحراج الوزير المشنوق الذي يريد من حزب الله أفعالاً لا أقوالاً وشيئاً آخر لا يحصل عليه، وهو أن يضع بين يديه «أوراق قوة واستقواء» ليواجه في طائفته وشارعه ويظهر بالدليل الحسي ما استطاع أن يحصّله من إنجازات ومكتسبات، ويثبت أن سياسة الاعتدال والانفتاح لا التطرف والمواجهة هي التي توصل الى نتائج.
– ومن جهة ثالثة فإن الوزير المشنوق يواجه وضعاً داخل تيار المستقبل لا يمنحه التغطية الكاملة والمساندة القوية، لا بل يضج باتهامات شخصية وأحاديث عن شخصيته «الطاووسية» وطموحه السياسي الذي يصل سقفه الى رئاسة الحكومة… وهذا المناخ الداخلي من التشكيك والتسريب بدأ يفعل فعله في ضرب صورة المشنوق وإضعاف حضوره ودوره، الأمر الذي يجعله في حاجة أكبر الى دعم رسمي ومكشوف من الرئيس سعد الحريري، والى تصحيح الانطباعات والآراء بشأن وضع المشنوق وسياسته والموقف منه. وأول الغيث يمكن أن يكون اليوم من خلال بيان كتلة المستقبل النيابية بعد اجتماعها الأسبوعي.
5- هذا الاهتزاز المفاجىء في الشارع السني وداخل تيار المستقبل حصل في التوقيت السياسي غير المناسب، وفي اللحظة التي يخوض فيها المستقبل معركة سياسية حامية مع عون وحزب الله، وتتعرض فيها الحكومة، التي هي حكومة المستقبل برئيسها ووزاراتها الأساسية، الى ضغوط متزايدة. ومن الطبيعي أن يكون الرئيس تمام سلام أكثر المنزعجين مما يحصل بين وزرائه وداخل طائفته، وأن يسارع الى «لملمة الوضع» عبر اجتماع طارىء عقده في السرايا بدا في الشكل اجتماعاً قيادياً سنياً (سلام – المشنوق – ريفي – اللواء محمد خير – العميد ابراهيم بصبوص – المدعي العام سمير حمود)، وبدا في مغزاه لقاء مصالحة وترتيب أوضاع بين وزيري الداخلية والعدل.
6- ثمة وجه إيجابي لما حدث وثمة نتائج وأوضاع أفضل تدفع في اتجاهها «فضيحة» سجن رومية وتساهم في تسريع وتيرتها والتعجيل بتحقيقها ومنها:
– إقفال ملف الموقوفين الإسلاميين ونزع فتيل التوتير والشحن والاستغلال المتصل به، وعلى قاعدة إطلاق سراح من لم يتورط بأعمال إرهابية وجرمية، ومن أمضى في السجن محكومية تعادل أو تفوق طبيعة الجرم المنسوب إليه.
– فتح ملف السجون، إن لجهة الإصلاح والتحديث وتحسين الشروط والأوضاع الإنسانية، أو لجهة نقل عملية إدارة السجون والإشراف عليها من سلطة وزارة الداخلية الى سلطة وزارة العدل.
– تشكيل لجنة تحقيق برلمانية تضع يدها على هذه الحادثة وتُعطى صلاحية تقويم وضع السجون وتحديد المعالجات.
– دعوة مجلس النواب الى جلسة استثنائية، وتحت عنوان «تشريع الضرورة»، لإقرار اقتراح الهيئة الوطنية لمناهضة التعذيب والهادف الى وضع حد لممارسات التعذيب في مختلف السجون اللبنانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق