صحة

العلاج البيولوجي الحلّ وأمراض المناعة الى حلّ

مرضى؟ تتألمون؟ الروماتيزم يضرب أطنابه في العظام والمفاصل؟ الحساسية شديدة؟ مناعتكم خفيفة؟ السرطان يستحكم؟ أفتحوا آذانكم جيدا، أفتحوا عيونكم جيدا، وأفتحوا قلوبكم الى أمل يُفترض ألا يلين!
العلاج البيولوجي هو ثورة حقيقية في عالم الطب الحديث. فتعالوا نذهب معا في رحلة على قارب العلاج بحثا عن حياة أجمل وألم أقل وصحة أفضل…

إننا نعيش عصر الجزئيات. نعم، انه عصر تفاصيل التفاصيل. وهذا دليل صارخ على أن قصة الطب والعلاج لا ولم تنته بعد، فالثورة التي نعيشها في الأمن وفي التكنولوجيا وحتى ثورة الشعوب على الحكام كلها تُنذر بأن المستقبل قد لا يُشبه اليوم، ومن قيل له اليوم ان مرضك مستعص قد يُقال له غدا، غدا بالذات، علاجك ما عاد صعبا! فلماذا التشاؤم إذا ولماذا اعتبار الحياة باتت خلفنا وأن المستقبل ضبابي مظلم قاس؟ تقولون: هو مجرد كلام؟ ترددون في سركم: المكتوب يُقرأ من عنوانه؟ لا، تبدلت المقاييس جدا وبتنا في زمن الجزئيات… فماذا في هذا الزمن الجديد؟

ما هو العلاج البيولوجي؟
الدكتور جورج صليبا، الاختصاصي في علم الأحياء والطب الرياضي وفي أمراض المفاصل والروماتيزم، غاص في الموضوع، في عمق الموضوع، متطرقا الى العلاج البيولوجي وأمراض المناعة الذاتية مسهبا في كتاب سميك في استعراض الحلول… فهل العلاج البيولوجي حقا جديد حديث؟ يجيب: لا، ليس جديدا كثيرا في معيار السنين ويعود الى العام 2001 وانطلق العمل به في الخلايا السرطانية ثم اعتمد في علاج امراض الروماتيزم والجهاز الهضمي وحتى في الأمراض الجلدية وعاد كثير من المرضى، ممن ظنوا ان الحياة قست عليهم ودمرتهم صحيا، الى التفاؤل بعدما استعادوا صحتهم بفضل ادوية العلاج البيولوجي!
ليس جديدا إذا في معيار السنين لكنه يتطور في التطبيق… في كل حال، فلندخل في صلب الموضوع: ما هو المقصود بالعلاج البيولوجي؟
في أجسامنا، في كل جسم من أجسامنا، جهاز مهمته الدفاع عن الأعضاء وأجهزة الجسم الأخرى يُسمى جهاز المناعة. ألم تسمعوا حين تشتد عليكم الأمراض من يقول لكم: انتبهوا جهاز المناعة لديكم ضعيف؟ فحين يضعف جهاز المناعة يُصبح الجسم فريسة هجمات الجراثيم والفيروسات. ويعمل هذا الجهاز عادة من خلال التعرف على هؤلاء الأعداء الوافدين، على الفيروسات والجراثيم، والتصدي لهم والقضاء عليهم… لكن ماذا لو اصاب هذه العملية خلل ما فما عادت قادرة على التمييز بين الجراثيم والخلايا الطبيعية؟ تبدأ عندها المعاناة! والأسوأ أن الطب لم يتمكن حتى هذه اللحظة من تحديد سبب هذا الخلل وإن كان يرده غالبا الى عوامل جينية وراثية!
صحيح؟ غير صحيح؟ لا يهم بقدر ما يهم البحث في كيفية التصدي لأمراض المناعة الذاتية. ويكفي أن نرى مريضة روماتيزم شرس تتلوى في مقعدها متمنية الموت على الحياة كلما انتابتها نوبة مرض لندرك معنى ان نغوص اكثر واكثر في كل أمل جديد… والأمل يحتاج الى استعداد وحوافز فماذا نخبرها؟ وبماذا نعدها؟

تصحيح الخلل المناعي
هناك ما لا يقل عن خمسين مرضا يتسبب بها فقدان المناعة الذاتية، وهناك من يرفع هذا الرقم الى مئة، وربما الى مئة وعشرين، بينها طبعا داء السكري من النوع الأول، الذي يصيب الاطفال، والروماتويد، الذي يعرف بالتهاب المفاصل، ويؤدي الى آلام مبرحة هائلة وتشوهات في المفاصل والعظام والانسجة، وهو يضرب النساء اكثر مما يصيب الرجال، بمعدل ثلاث نساء مقابل رجل واحد، وغالبا ما يموت هؤلاء المصابين جراء العقاقير التقليدية الموصوفة لهم للسيطرة على  الآلام المبرحة وهذا ما جعل الأطباء، ممن يملكون ضمائر طبعا، يفتشون عن علاجات أخرى أقل أذى وأكثر فعالية فتوصلوا الى العلاج البيولوجي الذي يعمل على تصحيح الخطأ المناعي.
العلاج البيولوجي إذا يعمل على تصحيح الاختلال في الجزئيات المرتبطة بالمرض والمسببة له… كيف؟ تؤخذ مثلا مجموعة من كريات الدم البيضاء وتعالج ثم تحقن من جديد في المفصل المعطل ما يُتيح لخلايا الجهاز المناعي التمييز مجددا بين الخلايا الطبيعية السليمة والفيروسات الوافدة. تريدون تبسيطا ادق؟ يُشبه هذا العلاج، العلاج البيولوجي، تلك التقنية المستخدمة في تصحيح اعطال الحاسوب حيث يُعاد تثبيت الجهاز من جديد حين يصيبه اي خلل… أوليست أجسامنا مثل الساعة، أو لنقل مثل الحاسوب، تتكتك على وقع النبضات وأي عطل فيها يستدعي اعادة برمجة كل الجسم؟
يجري إذا اللجوء الى العلاج البيولوجي بعد ان تكون الأدوية التقليدية قد فشلت في تحقيق الحماية. ولعلّ كلفة هذه العلاج هي ما يُرجئ غالبا اعتمادها! في كل حال، كما في الروماتويد كذلك في علاج السرطان حيث بات التوجه أكثر نحو تحفيز الجسم المصاب من أجل التعامل ذاتيا مع المرض الخبيث. ويبدو بالتالي العلاج البيولوجي هنا ايضا من أكثر ما يُعول، او يفترض ان يُعوّل، الأطباء عليه، مع الإشارة الى أنه يسمح بالتعامل مع كل حالة بمعزل عن الحالات الأخرى، وفق خصوصيتها، ووفق قياس المريض نفسه وحالته بدل إعطائه دواء كيميائيا يُعتقد أنه يصلح للكل! أولم نقل منذ البداية ان العلاج البيولوجي يعتمد على تفصيل التفصيل؟ في كل حال، تتضمن العلاجات البيولوجية لمن يهمه الامر: مضادات حيوية وادوية مكونة من جزيئيات تعمل على تعطيل عمل المستقبلات التي تعزز عمل الخلايا السرطانية وعلى علاجات تعيد تصويب عمل جهاز المناعة.

قولوا لنا كيف هي أجهزتكم المناعية نقل لكم كيف ستمضون عمركم!
 فكيف هي اجهزتكم هذه؟ يكفي ان تراقبوا مسار أي عطل مرضي بسيط يلمّ بكم لمعرفة ما إذا كنتم قادرين على المواجهة ام لا! أصابكم الزكام؟ السعال؟ الربو؟ الحساسية؟ يتحكم بكم المرض؟ يطول ويطول ويطول؟ تشعرون بالتعب الدائم؟ بدوار متكرر؟ بآلام متنقلة؟  ثمة ثغرة إذا في تلك الأجهزة المناعية وقد تكفي بعض الإجراءات البسيطة، ونقول قد، كي تستعيدوا مناعتكم نسبيا وتُصبحوا بالمعنى الشعبي: بومبا!!
لا، لا تستهونوا أبدا بأمراض المناعة الذاتية التي قد تؤثر على كثير من الأعضاء بينها القلب والرئتان والكبد والعين والجهاز العصبي… ولعلّ الأمر الخطير هنا هو ان المرض المناعي قد يحتاج الى سنوات كثيرة قبل أن يُشخّص، يكون خلالها يعبث في الجسم وفي الأعضاء، ولعلّ ما يفترض أن يعرفه كثيرون هنا هو أن الأمراض المتأتية عن ضعف جهاز المناعة، حتى لو كانت من نوع الصدفية الجلدية والبهاق، هي غير معدية لأنها ناتجة كما سبق وقلنا عن خلل داخلي في الجسم يحدث نتيجة انحراف الجهاز المناعي عن وظيفته وعدم تمكنه من التمييز بين الخلايا السليمة والأجسام الفيروسية أو البكتيرية المهاجمة.
سؤال يلحّ: لماذا النساء أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المناعية من الرجال؟
يُعتقد، مع التشديد على كلمة يُعتقد، أن هورمونات المرأة تلعب دورا في نشأة الأمراض المناعية، وهي تنتج داخل الغدد الصماء قبل أن تضخ في الدورة الدموية وتمارس وظائفها المختلفة، ويبدو حسب النظريات العلمية ان الهورمونات الأسترويدية، مثل الأستروجين والبروجيستيرون والتستوستيرون، تؤثر على نشاط بعض الأمراض المناعية.
العلاج البيولوجي وأمراض المناعة الذاتية باتا اليوم ملتزمين في النظرة والعلاج كما التصاق التوأم في حبل الخلاص، وأصبح بالتالي ضروريا على المريض ان يسأل طبيبه إذا سها هذا عن باله: وماذا عن العلاج البيولوجي في حالتي؟ هو سؤال قد يحمل أجوبة كثيرة في مواجهة أمراض تُعدّ شرسة! ألا يُقال مفتاح البطن لقمة ومفتاح الحلّ كلمة! 

نوال نصر   
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق