رئيسيسياسة عربية

وقوع ليبيا في قبضة القاعدة مسألة وقت

بقايا ومتفرعات ما يسمى بالقاعدة، التي طالما بشروا بزوالها، خصوصاً بعد مقتل مؤسسها «شيخ الارهاب»، اسامة بن لادن، احتفلت بالذكرى 25 لقيامها، بسلسلة من العمليات الدموية، تدل على انها مستمرة، ولكن جسمها المركزي الذي اضعفته عمليات القمع، ليس هو الذي يقوم بها، فالتنفيذ، والتخطيط كذلك، يجريان بالوكالة، او بواسطة مجموعات ملتحقة. وكانت آخر هذه العمليات، الاعتداء الذي شنته منظمة «الشباب» الصومالية، التي التحقت بالقاعدة على المركز التجاري في نيروبي، فاخطأ في تفاؤله من تحدث عن ان القاعدة انتهت، مع اسامة.

انتقلت واشنطن باراك اوباما، الى الهجوم المعاكس، كما دلت العملية التي نفذتها في ليبيا، لالقاء القبض على ابي انس الليبي، الذي تنسب اليه مسؤولية الاعتداء على سفارتيها في كينيا وتانزانيا (224 قتيلاً و500 جريح)، قبل 15 سنة، ومحاولة اعتقال في الصومال، القائد المفترض لعملية الاعتداء على المركز التجاري في نيروبي.
ورد جماعة ابي انس يخطف رئيس الحكومة الليبية، علي زيدان، من الفندق الذي كان يقيم فيه، على متن مئة سيارة تقل مسلحين في طرابلس، ثم اطلق سراحه في اليوم التالي. وكان خطف ابي انس، الذي سبقه خطف احد الاشخاص في بنغازي، الذي يعتقد انه احد قادة المجموعة التي قتلت السفير الاميركي، كريس كريستوفر، في ايلول (سبتمبر) 2012، اديا الى حشر علي زيدان.

محاولة انقلاب
وكان رئيس الحكومة الليبية، اتهم من خطفه بمحاولة انقلاب لاسقاط الحكومة واحتج رسمياً، لدى واشنطن، مؤكداً انه سيفعل كل شيء لاطلاق سراحه، ولكن مصادر تقول انه لم يكن منزعجاً مما حصل، وتذهب اكثرية النواب والميليشيات، الى حد القول انه كان على علم مسبق  بالعملية. وانها حصلت على ما يبدو بالتعاون مع ميليشيات منطقة زينتان، وعمد البرلمان ذو الاكثرية الاخوانية الى مبادرة غير عادية فاستدعى زوجة ابي انس للشهادة امامه، بينما وجّه انتقادات لاذعة الى حكومة علي زيدان تجاه الغرب، ويرى معارضو علي زيدان، ان الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي هما اللذان يبقيان حكومته قائمة، وخطط لتدريب قوات ليبية في الخارج، للسيطرة على مقدرات ليبيا بينما الجميع متأكدون من ان الحكومة في حاجة فعلية الى مساعدة الغرب، لمواجهة اي تحرك تقوم به الميليشيات الداخلية المتواجدة في كل انحاء البلاد.
وكان باراك اوباما، قالها في صراحة على التلفزيون: «ان حظر الارهاب قائم، ولا بد من مواجهته بعمليات اخرى. ولكن من دون جرنا الى حروب جديدة». ورد الجهاديون والقاعديون، مهددين بالانتقام من الاميركيين: «اعتقلوهم اخطفوا المواطنين الاميركيين في ليبيا، من اجل مبادلتهم مع مقاتلينا». وهددوا بنسف المنشآت والانابيب البترولية، التي تخدم الدول الغربية واعتبر الاميركيون هذه التهديدات – وغيرها – جدية، فنقلوا 200 جندي اضافي، من قاعدتهم في دونا الاسبانية الى قاعدة سيفونيللا، لينضموا الى 3 آلاف جندي اميركي، في عدد من القواعد في ايطاليا.
المراقبون، يعتقدون، ان الحالة في ليبيا، لا يمكن الا ان تسوء. ويشكل خطف رئيس الحكومة الدليل الاسوأ، على عجز الحكومة اشارة اخرى: اخذت الميليشيات، ابن وزير الدفاع، رهينة وجاء على احدى صفحات فايسبوك، «ان بنغازي لا يحميها الا ابناؤها». ومن بنغازي انطلقت النداءات لخطف الاميركيين، فجعل اصحابها المدينة، محرمة على الاجانب، ولكن احداً لم يكن يتوقع الوصول الى خطف رئيس الحكومة الذي كان تأكيده بانه سيفعل المستحيل، من اجل استعادة ابي انس، انها مجرد مزحة، لكن المؤكد هو ان الملتحقين باسم القاعدة سيضربون في كل مكان من ليبيا.
فالوضع مثير للقلق. ولا يستطيع احد، في الداخل وفي الخارج، ان يسيطر على البلاد. التي تسودها الفوضى، كما دلت الجرائم السياسية الاخيرة، والاعتداءات على السفارات، وتوقف  تصدير الغاز والبترول بسبب الصراعات الداخلية بين الميليشات.

شبه دولة
وفي جميع الاوساط المراقبة شعور بضرورة حصول تدخل حتى لانقاذ القوة التي ارسلتها الامم المتحدة لاستقرار الحدود، التي توشك على الانهيار.
فليبيا اليوم، كما تدل موجات الهجرة غير القانونية التي تنطلق من سواحلها، تعطي دليلاً على دولة غير موجودة الا على الخريطة، بلا شرطة ولا جيش. انها نوع من دولة شبه مفلسة على الصعيد السياسي، لا يسيطر عليها احد، رهينة ميليشيات مسلحة ومجموعات اجرامية.
واذا كان ابو انس الليبي، لجأ منذ اكثر من سنة، الى طرابلس، فلأنه كان يعرف ان لا احد يستطيع فعل اي شيء ضده. في حين يعتبر البحاثة ماتيو عبدير، واضع كتاب «القاعدة تقتحم المغرب» (باريس 2007): «ان البنتاغون قدّم خدمة الى المسؤولين الليبيين بانتزاع هذه الشوكة».. ويرى ان التوافق الزمني، بين عمليتي ليبيا والصومال، الاميركيتين، ابرز الشبه الكبير بين الحالتين الليبية والصومالية.
ففي الحالتين يتقاسم السلطة الزعماء القبليون، وقادة الميليشيات، ولكن ليبيا لم تصبح بعد دولة ممزقة، على عكس الصومال التي لا تسيطر حكومتها على اكثر من حي واحد في العاصمة مقديشو.
ومع التطورات الاخيرة، انضمت طرابلس الى الحالة التي تسود في بنغازي، حيث ادى الفراغ الامني والاحتجاجات الى انهيار صادرات النفط الى 700 الف برميل في اليوم، اي اقل من نصف ما كانت تصدره في عهد القذافي.
واذا كانت سيرينايكا تحلم بالانفصال، فان الفزان في الجنوب (550 الف كلم مربع ونصف مليون من السكان) تحوّل الى نسخة ليبية من الغرب الاميركي، لا تمارس الحكومة، اية سلطة فيه، حيث يسود المهربون والميليشيات القبلية والاسلاميون وانضم اليهم منذ بداية السنة مئات القاعديين الذين طردهم الجيش الفرنسي وحلفاؤه التشاديون من مالي.
وفي شهر تموز (يوليو)، لاحظ تقرير وضعه خمسة من اعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي، بعد زيارة الى المنطقة، من «ان مركز ثقل الارهاب في الساحل، انتقل الى ليبيا»، وتردف  الوثيقة ان عجز الدولة (الليبية) عن السيطرة على حدودها الصحراوية، يفسّر ظهور فجوة سوداء في مجال الامن في الفزان، خصوصاً في المثلث الذي تكونه: اوباري وسبها ومرزوق».
ولاحظ التقرير ان الحدود الليبية مع 6 دول مجاورة اصبحت اكثر ترشيحاً من ايام القذافي، فحولت ليبيا الى ملجأ مثالي للارهابيين، وليس في منطقة الفزان فحسب».
واستنتج: «ان تسود القاعدة في ليبيا، ليس سوى مسألة وقت».

تبدل الاستراتيجية الاميركية
وفي مجال الحرب بين الاميركيين والقاعدة، كشفت عمليتا القبض على ابي انس والفشل في اعتقال عبد القادر محمد عبد القادر المعروف باكريما، في الصومال، عن تبدل في الاستراتيجية الاميركية. فان اكريما يعتبر احد القادة الكبار في تنظيم الشباب، وفي «جماعة الهجرة» التي هي تمدد للشباب في كينيا، المتهمة بتنفيذ عملية المركز التجاري في نيروبي.
ويقول الاميركيون، ان كوماندوس مشاة البحرية تراجعوا عن اتمام العملية الصومالية، بعد ان عجزوا عن القبض عليه حياً.
وعدم تصفية الهدفين قتلاً بواسطة طائرات من دون طيار، يشكل التغيير في استراتيجية مكافحة الارهاب الاوبامية، التي كانت اساسها حتى الآن، واعترافاً، بان عودة القاعدة بقوة مفككة، يفرض مزيداً من المجهود العسكري اضافة الى ان اميركا لن تتراجع.
وتساعد العمليتان باراك اوباما على دعم مواقعه الداخلية في وقت ترنحت قيادته، بسبب ازماته السياسية ومشكلة الميزانية مع الجمهوريين، ومواقفه المترددة في حرب سوريا، وتسمحان، في الوقت ذاته، للرئيس الاميركي، بعدم استعمال الطائرات من دون طيار، التي تعرض بسببها لانتقادات من منظمات حقوق الانسان، ومن معارضيه السياسيين لانها تسببت بموت ابرياء وتخلق شعوراً معادياً لدى ابناء البلد التي تتدخل فيه.
فاعتماد قوات عسكرية على الارض، والسعي الى القاء القبض على المطلوبين احياء، يؤدي الى نسبة اقل، مما يعرف بالاضرار الجانبية، ولكنه لا يزيل النقاش، حول صلاحية الولايات المتحدة في التدخل خارج حدودها، فاسترجاع المطلوب، يتم بموجب طلب قضائي رسمي يقدم بواسطة وزارة الخارجية. ولكن لا يبدو ان مثل هذه الطريق سالكة، في حالات كالتي نحن في صددها في الصومال وليبيا.
كما ان القاء  القبض على مطلوبين احياء يثير مشكلة معاملته قانونياً، ولا يبدو، من المتوقع ان ترسل واشنطن قوة كوماندوس لاعتقال من تشتبه، بانه من القاعدة، وان تبلغه مباشرة، ان من حقه عدم الكلام، الا في حضور محاميه، وفي هذه الحالة اعترفت واشنطن بانها القت القبض على ابي انس الليبي، وانها ستحاكمه امام المحاكم، من دون ان تقول متى، في انتظار انتهاء التحقيقات الخاصة التي تجريها معه على متن احدى السفن.

لائحة بالاهداف
ويعتبر مارك ماتزتي، مراسل نيويورك تايمز، لشؤون الامن القومي ان الرئيس السابق جورج دابليو بوش، ادخل سي. اي. ايه الى قلب الحرب على الارهاب، بعد 11 ايلول (سبتمبر)، ووضع لائحة باهداف قاعدية، على رأسها اسامة بن لادن، واجاز الملاحقة والقتل في اي مكان في العالم، وورث باراك اوباما هذه اللائحة وهذه الستراتيجية، عندما وصل الى البيت الابيض في 9 كانون الثاني (يناير) 2009.
وعلى ضوء ما جرى في الصومال، وفي ليبيا، يرى الفائز بجائزة بوليتزر للصحافة الدولية، في سنة 2009 ان طريقة تعامل سي. اي. ايه في حربها ضد الارهاب، انتقلت من استراتيجية بوش التي كانت تقضي بنقل المتهم الى اماكن اعتقال سرية لاستجوابه، سعياً وراء معلومات عن ارهابيين آخرين»، الى اعتماد مزيج من طائرات الاستكشاف والاغارة من دون طيار، لازالة من وردت اسماؤهم في اللائحة. وكان ليون بانيتا، مدير سي. اي. ايه، من شباط (فبراير) 2009 الى حزيران (يونيو) 2011، سمح بشن 216 هجوماً بالطائرات من دون طيار، في باكستان ادت الى قتل 1196 شخصاً اكثريتهم من الارهابيين، ولكن المركز  المستقل للسياسات العامة «نيو اميركا فاوندايشن» يشير الى ان مدنيين كانوا بين الضحايا.
اما مفهوم اوباما الجديد، بشن عمليات كوماندوس لاعتقال المطلوبين، فان كلفته الانسانية والاقتصادية اقل من نشر قوات من اجل القضاء على «الاهداف» فقط. ويضيف ماتزتي ان هذه الطريقة «تقلل، كذلك من الحاجة للذهاب الى الحرب، مما يسهل على الولايات المتحدة شن عمليات قاتلة في كل بقاع الارض اكثر من اي وقت مضى من تاريخها».
بحيث «ان الستين في المئة من الذين انخرطوا في سي. اي. ايه بعد 11 ايلول (سبتمبر)، لا يعرفون طريقة عمل اخرى».

تحول
وتزامن هذا التحول مع النمط الجديد الذي اعتمدته ارداف  القاعدة وجسدته في الاعتداء على محلات وستغايت في نيروبي، بالطريقة ذاتها التي اعتمدت في فندق مومباي في الهند في 2008، انها عمليات رخيصة الكلفة، على اهداف سهلة وشهيرة، مثل الفنادق والمراكز التجارية، والقرى. وحتى السفن السياحية، اماكن مغلقة تزيد صعوبة عمل رجال الامن، وينخفض كذلك، عدد «المجاهدين» الذين يشاركون في العملية: ليس اكثر من 20، وطريقة التنفيذ باسلحة خفيفة بسيطة وقنابل مولوتوف، وليس صاحب هذه النظرية سوى فاضل عبدالله محمد، الذي عينه اسامة بن لادن، قائداً للقاعدة في افريقيا الشرقية، ووجدت ارشاداته في اوراق  كان يخبئها في ملابسه ساعة قتله. ويلاحظ ان الاهداف التي اشار اليها بما فيها معهد ايتون، العالي الشهير والطريقة التي نصح بها تشمل احتلال الهدف اطول وقت ممكن مما يساعد على اعطاء «العملية» صدى عالمياً مدوياً.
اشارة اخرى وردت على تحول مخططات القاعدة، في رسالة وجدها منفذو عملية قتل اسامة بن لادن في آبوت اباد، كتبها يونس الموريتاني، الى اسامة بن لادن، مؤرخة في سنة 2010، تتضمن لائحة اهداف خطط لها في اوروبا وخصوصاً في عواصم المانيا وفرنسا وبريطانيا وكلها على طراز عملية مومباي الهندية.
وفي 2011، وجدت الشرطة الالمانية في ملابس احد القاعديين، ارشادات حول التقنيات المفروض اعتمادها في عمليات على متن سفن سياحية، اضافة الى اشارات حول عمليات تنفذ في اوروبا على شاكلة «مومباي».

ج. ص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق