سياسة لبنانية

هجمات القاع تعيد الى الواجهة ملف «أمن الحدود» وواقع «الانقسام السياسي»

ستظل الهجمات الإرهابية الانتحارية في القاع خاضعة لفرضيات ومحاولات فك ألغازها الأمنية واكتشاف قطبها المخفية والجانب الغامض غير المفهوم فيها، وستظل أسئلة كثيرة تنتظر أجوبة متعذرة أو مؤجلة: من هي الجهة التي تقف وراء دفع هذا العدد الوافر من الانتحاريين، ومن أين أتوا وكيف وصلوا، وما هي مهمتهم النهائية وأهدافهم الفعلية، ولماذا لم تتبن أي جهة أو منظمة مسؤولية هذه الهجمات «الفاشلة»؟!
بغض النظر عن كل هذه التفاصيل المهمة، ما هو واضح وثابت أن ما حدث في القاع كشف عن أمرين أساسيين: الواقع الأمني على الحدود الشرقية في جرود عرسال وبريتال ورأس بعلبك والقاع، وكلها مناطق لبنانية محتلة من تنظيمات متطرفة وإرهابية ومتصلة بمنطقة القلمون السورية. وهذا الواقع يزداد تفاقما وسوءا مع تنامي أعداد المسلحين وتوافر ثغرات وخطوط تسلل وتسرب كأن أخطرها وأكثرها أمانا خط القاع… والأمر الثاني هو أن تنظيم «داعش» قرر الدخول الى الساحة اللبنانية لتصبح جزءاً من مسرح عملياته الإرهابية في المنطقة وفي إطار خطة توسيع أنشطته التي لم تعد محصورة بسوريا والعراق وتمددت في الفترة الأخيرة باتجاه الأردن وتركيا ولبنان.
«غزوة القاع» أعادت الى الأضواء ودائرة الأولويات ملف أمن الحدود بكل تعقيداته وارتباطاته الإقليمية بالأزمة السورية، بعدما كان هذا الملف أخذ مداه إثر غزوة عرسال وانكفأ بعدها الى الظل السياسي وستاتيكو عسكري – أمني… ولكن غزوة القاع أعادت الاعتبار أيضاً الى الانقسام السياسي داخل الحكومة حول هذا الملف الأمني الحدودي وطريقة معالجته، بعدما كانت الانقسامات والتباينات الوزارية طغى عليها في الأشهر الأخيرة الطابع الطائفي والفئوي.
فقد أظهرت مداولات مجلس الوزراء وجود توجهين ومقاربتين للوضع المستجد بعد القاع:
– فريق حزب الله وحلفائه يدعو الى معالجة جدية وجذرية والى اتخاذ قرارات صعبة تكون في مستوى الوضع وخطورته. وهذا الفريق الوزاري طرح أفكاراً ومقترحات تتراوح بين حد أدنى هو إعلان القاع ومنطقة مشاريع القاع منطقة عسكرية تخضع حصرا لسلطة وسيطرة الجيش اللبناني، وحد أقصى هو القيام بعملية عسكرية واسعة في الجرود لتنظيفها من الإرهابيين والمسلحين بعدما تأكد أن هذه الجرود هي البؤرة والجهة التي يأتي منها الإرهابيون، وبعدما بات من المشكوك به أن تكون الرقة هي المصدر والجهة التي أتى منها «انتحاريو القاع»، لأن عمليات الرقة منظمة ومحترفة وشهدنا نماذج لها في الأردن وفي تركيا.
ويدعو حزب الله مع حلفائه أيضا الى فتح خطوط الاتصال والتنسيق مع السلطات السورية على المستويين الأمني والسياسي لأن لبنان في حاجة الى هذا التواصل في ملفي «الجرود» ومخيمات النازحين ولا يمكنه منفرداً إيجاد حلول ومعالجات لأي من هذين الملفين. ويرى أن تبادر الحكومة الى اتخاذ قرار جديد يسمح للجيش اللبناني بالتنسيق الكامل مع الجيش السوري من أجل مراقبة الحدود بالدرجة الأولى ومنع تسلل الإرهابيين بالاتجاهين، وكذلك وضع الرؤية الكاملة والمشتركة لكيفية إنهاء احتلال الإرهاب لجرود رأس بعلبك وعرسال لأنه طالما أن «داعش» و«النصرة» يحتلان هذه الجرود فالخطر يبقى قائماً.
– ولكن مجمل هذه المقترحات لا تلقى قبولاً لدى تيار المستقبل وحلفائه. فهذا الفريق يرفض أي عملية عسكرية للجيش اللبناني في الجرود تعيد ربط وضع لبنان وأمنه بالأزمة والحرب في سوريا، وتضع على قدم المساواة الإرهابيين والثوار، وتصب في خدمة النظام السوري وتعيد فتح قنوات التعاون والتنسيق معه… وبالتالي فإنها تهدد استقرار لبنان ونسيجه الطائفي الاجتماعي الهش… كما أن لدى هذا الفريق تحفظات على مقاربة أمنية – عسكرية لموضوع المخيمات السورية… وبالإجمال فإن تيار المستقبل يعود الى تحميل حزب الله مسؤولية الأوضاع والتهديدات الحدودية بسبب قتاله في سوريا ويرفض أخذ الجيش الى المكان والموقع الذي يريده الحزب… أما حزب الله فإنه يتهم خصومه بأنهم يحاولون استغلال الحالة الأمنية الشاذة والضغوط الناجمة عن العمليات الإرهابية من أجل تحسين موقعهم التفاوضي عير تحميله مسؤولية كل الوضع: مسؤولية استجرار الإرهاب الى لبنان، ومسؤولية الفراغ الرئاسي، ومسؤولية تعريض الاستقرار السياسي والأمني…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق