تحقيق

محمية جبل موسى… جنات عا مد النظر

ما بين نهرين وسبع بلدات، ما بين كسروان وجبيل، وعلى مدى 6500 هكتار يتمدد ذاك الجبل الاخضر. وصفه البعض بأدغال امازون لبنان، ونقول انه جبل من قلب لبنان، جنة تتمدد شاسعة واسعة تنبض بكل اخضر وبكل حياة، هناك بين وديان وهضاب وسهول، تطوف اسطورة ادونيس وعشتروت معلنة خلودها، هناك ترتفع تلة الصليب، هناك طرقات ونقوش تحكي عن ايام الرومان الغابرة، هناك، البيت اللبناني القديم والطرقات الجبلية واللقمة القروية، هناك مئات انواع الطيور والحيوانات والاشجار والازهار تختال، تزهو وتنشد جمالات خص بها الخالق لبناننا، هناك  جبل ساحر اشبه بفسيفساء نقشت عليها اشياء من كل الاشياء. هناك التاريخ يروي، الطبيعة تمجد، والتراث يقاوم، هناك مخلوقات الله تتكاثر وتنمو… هناك جبل من لبنان ليس ككل الجبال، هو جبل موسى ولا يزال كثير كثير من اهل لبنان يجهلونه ولم يزوروه، فهل يغفر لنا الله ذلك؟!

يعتبر جبل موسى في كسروان الفتوح إحدى محميات المدى الحيوي الثلاث الموجودة في لبنان من اصل اربع وعشرين محمية موجودة في الشرق الاوسط. محمية «جبل موسى» تلك تقع على مسافة 45 كيلومتراً شمال بيروت، وتغطي مساحة قدرها 6500 هكتار، ويشرف الجبل على نهرين: نهر ابرهيم من الجهة الشمالية ونهر الدهب من الجهة الجنوبية. اما القرى الرئيسية المحيطة بالجبل فهي: قهمز، يحشوش، نهر الدهب، غباله، عين الدلبة، العبره وشوان، وهي ترتبط به عبر ممرات جبلية تسهل الوصول اليه. ويمكن الدخول إلى نطاق المحمية من 3 مداخل أساسية: مدخل بيدر الشوك (بلدة قهمز)، مدخل المشاتي، ومدخل الصنوبر (بلدة يحشوش).

المحمية الثالثة
منذ انطلاق مسيرة جمعية حماية جبل موسى عام 2007، تمكنت الجمعية من أن تستحصل على اسم غابة محمية من قبل وزارة الزراعة عام 2008، وفي العام نفسه حصلت على تسمية «منطقة أساسية لمرور الطيور» من قبل  Bird Life International، وفي العام 2009 حصلت من اليونسكو على تسمية محمية «المحيط الحيوي» ضمن برنامج الانسان والمحيط، وبذلك أصبحت ثالث محمية للمحيط الحيوي في لبنان بعد محمية أرز الشوف وجبل الريحان. اما في شباط (فبراير) 2012، فصدر مرسوم جمهوري بتصنيف جبل موسى «موقعاً طبيعياً خاضعاً لحماية وزارة البيئة». والى ذلك تمكنت الجمعية من الحصول على دعم من سفارات أجنبية ومن جهات محلية عدّة لإقامة مشاريع متعلقة بالسياحة البيئية وبالسياحة الداخلية.

 

 

 

 

 

فسيفساء بيئية
تشكل محمية المدى الحيوي في جبل موسى، فسيفساء من الانظمة البيئية. فهذه المحمية الطبيعية تتميز بتنوعها البيولوجي، اذ تحتوي على 215 نوعاً من الشتول المختلفة، وعلى 20 نوعاً من الاشجار ومنها 11 نوعاً من الاشجار الفريدة في بلدنا. كما أنه تم اكتشاف أكثر من 16 نوعاً من الثدييات، ومنها الطبسون والذئب الفضي والخنزير البري والسناجب والضبع والنيص، وذلك بعد وضع كاميرات ليلية لمراقبة المحمية وبعد أن قام ب
احثون متخصصون بدراسة النباتات والحيوانات. والى ذلك تم تصنيفها (Global Important Bird Area)، نظراً الى كمّ الطيور المهاجرة التي تعبر فوقها خلال الخريف والربيع.
تشتهر هذه المحميّة بطبيعتها البكر المتجددة. فالطبيعة هناك تتجدّد باستمرار وتتغير لتكتسي ثوباً جديداً مع كل تغيّر مناخي. هناك يقف زوار تلك المحمية مدهوشين امام غاباتها المختلطة ما بين السنديان، الصنوبر، العزر، الشرك،  الحور، التفاح البريّ، الدفران وغيرها، فضلاً عن العديد من النباتات ذات الأهمية الاقتصادية كالزعتر، الزهور البرية النادرة ككف الدب، الأقحوان، بخور مريم، السحلبية، او المردقوش اللبناني وغيرها من الانواع.
ومن مميّزات محمية جبل موسى للمحيط الحيوي، وقوعها على ارتفاع يتراوح ما بين 300 و1600م.  ما يسمح بتتبّع ومشاهدة الطيور العابرة بحيث باتت تعدّ موطناً لأكثر من 83 نوعاً من الطيور.
هي اذاً كنز بيئيّ مليء بالثروات الطبيعية حيث تم مؤخراً اكتشاف 6 أنواع من النباتات الخاصة بمحمية جبل موسى دون سواها في العالم ويضم جبل موسى اكثر من
727 نوعاً من النباتات.

 

الرومان مروا من هنا
إحدى أهم ميزات محمية جبل موسى الطبيعية هي ذاك التكامل بين الارثين الثقافي والطبيعي، اذ اضافة الى التنوع البيولوجي الموجود في جبل موسى هناك ايضاً التنوع الثقافي.
فمن التراث الثقافي المتواجد في جبل موسى، أجزاء أساسية من الطريق الرومانية القديمة (الدرج الروماني) كان يستخدم بين العامين 64 ق.م و249 ب.م كشبكة طرق تربط الشاطىء بالداخل مروراً بالجبال، الى نقوش منذ عهد الامبراطور الروماني هادريان وهي تعرف بأنها أول محاولة لحماية الأشجار لأنها نقوش تمنع قطع 4 أنواع من الشجر من غابات لبنان، فضلاً عن البيوت القديمة والصهاريج  اذ يبدي الزوار حماسة كبيرة لرؤية منازل اثرية قديمة تظهر الهندسة التقليدية اللبنانية عند بلوغهم قمة الجبل أحدها يطلق عليه اسم «بيت البطريرك»، وقد تم ترميم هذه البيوت، وهناك خزان مياه تحت الأرض وآبار قديمة.

تلة الصليب
والى ذلك تحول جبل موسى الى مركز للسياحة الدينية، اذ تستقطب تلة الصليب في يحشوش عدداً كبيراً من المؤمنين من أبناء المنطقة وخارجها يوم عيد الصليب في 14 أيلول (سبتمبر) كتقليد سنوي. ومن تلة الصليب سيجد الزوار انفسهم امام لوحة طبيعية خلابة اذ ينكشف امامهم وادي ادونيس وعشتروت، اضافة إلى نهر ابرهيم. ويقع في نطاق المحمية أيضاً دير مار جرجس الذي شيّد في القرن الرابع عشر على يد راهب من آل زوين.
كل هذا جعل من هذا المكان ملتقى فريداً من نوعه ان كان من ناحية التنوع البيولوجي أو التاريخي الثقافي والديني.

 

 

مرشدون سياحيون ولوحات توجيهية
ويذكر ان عمل جمعية حماية جبل موسى يتمحور حول العديد من المشاريع الممولة من السفارات والوزارات ومن ابرزها تلك المتعلقة بالسياحة البيئية الممولة من السفارة الايطالية. فمن خلال هذا المشروع اصبح جبل موسى مؤهلاً لأن يمشي الناس فيه مع حراس ومرشدين سياحيين خاضعين لدورات تدريبية من قبل اختصاصيين بالمجال البيئي، كما خضعوا لدورات مع الصليب الاحمر ليتعلموا كيفية التصرف بحال حصول اي طارىء. وبفضل هذا المشروع اصبح ايضاً لجبل موسى مسارات محددة مع لوحات توجيهية تدل الزوار على مكان النقطة المتواجدين فيها.
للراحة أيضاً مساحة في جبل موسى بحيث هناك بيوت ضيافة داخل المحمية تؤمن للزائر الراحة، الأكل والمشروب اللذين يحتاجهما بتكلفة مدروسة جداً، اضافة الى بيوت ضيافة تستقبل الزائر للمنامة.

هدفان: انماء وتشجير
ومنذ إعلانها محمية وحتى اليوم، قامت جمعية «حماية جبل موسى» بعدد من المشاريع الإنمائية والبيئية. فالجمعية التي تأسست عام 2007 بمبادرة من شخصيات كسروانية فاعلة على المستويين الوطني والمحلي ومن مختلف الجهات السياسية، وضعت نصب عينيها هدفين: تنمية المجتمع المحلي ومساعدته لكي يثبت في أرضه وحماية الطبيعة.
العمل على الهدف الاول بدأ عام 2011 بعد دراسة أجريت في الجبل على 1000 منزل، تم من خلالها اكتشاف أن عدداً كبيراً من ساكني البلدات التي تمر بها المحمية لا يعملون. فقامت الجمعية، بالتعاون مع السفارة الأميركية، بتدريب 40 امرأة محلية على انتاج المونة والاشغال الحرفية وإقامة دورات لهن مع متخصصين لإرشادهن الى كيفية انتاج المونة بشكل موحد. وتسهل لهن الجمعية اليوم الإنتاج وفي الوقت نفسه تشتري منهن كل ما يتم إنتاجه وتسوقه هي على عاتقها.
اما الهدف الثاني فكان بيئياً بحتاً وتمثل بمشروع المشاتل وهدفه الاساس: إعادة تشجير لبنان، اذ قامت الجمعية بإنشاء ثلاثة مشاتل حيث تبيع الشتل إلى جمعيات مهمة في لبنان مختصة بالتحريج، من خلال لم البذور من أرض الجبل ويعاد زرعها وبيعها.

لماذا جبل موسى؟!
اخبار وحكايات كثيرة تدور في القرى والبلدات المجاورة لذاك الجبل حول اسمه، منها  ما يقول أن عصا النبي موسى وجدت هناك فاطلق عليه اسم جبل موسى… فيما يؤكد آخرون ان  الاسم الذي يحمله الجبل لا علاقة له بموسى، وإنما يعود إلى أحد المشايخ اللبنانيين من آل الدحداح واسمه موسى، ويروى ان هذا الرجل انتقم لمقتل نجل أمير المنطقة في ذلك الزمن، فما كان من الأمير إلا أن وهبه الجبل الذي حمل اسمه… وكان جبل موسى.

كيف تصل الى جبل موسى؟
يقع جبل موسى في فتوح كسروان، ويحوط به العديد من القرى، أهمها: قهمز، نهر الدهب، يحشوش، غبالة، العبره. وترتبط تلك القرى بجبل موسى بممرات جبلية تسهل الوصول اليه. الطرق الرئيسية التي تؤدي الى جبل موسى هي ثلاث:
1- بيروت – زوق مصبح – ميروبا – مدخل قهمز (الوقت حوالي 50 دقيقة).
2- بيروت – جونيه – غزير – الغينه – مدخل نهر الدهب (الوقت حوالي ساعة).
3 – بيروت – جونيه – نهر ابرهيم – مدخل يحشوش (الوقت حوالي 75 دقيقة).
اما مسارات وطرق  المحمية فهي محدّدة وفق خريطة توزّع على الزوار عند الدخول، فضلا عن لوحات توجيهية تدل الزوار على مكان النقطة المتواجدين فيها.
وينصح الزوار بالإتصال بالجمعية قبل التوجه إلى المكان وذلك حرصاً على سلامتهم، فهي تؤمن لهم مرشداً أو أحد الحرّاس لمرافقتهم لكي لا يتوهوا من جهة ولحمايتهم في حال حصول أي طارىء من جهة أخرى. وتعتمد الجمعية هذه السياسة أيضاً لحماية الغابة من الحرائق أو من أي تعدّ ومن رمي النفايات فيها أو تشويهها.

الزوار اكثر فاكثر
استقبلت محمية جبل موسى هذا العام أكثر من ألفي زائر،  فيما يتوقع المسؤولون في الجمعية ارتفاع هذا الرقم عاماً بعد عام، اذ انه منذ العام 2010 تشهد المحمية، تطوراً وارتفاعاً مطرداً في عدد زوارها، فبعد ان كان عددهم لا يتجاوز الـ 50 زائراً في السنة ارتفع خلال 3 سنوات ليتخطى هذه السنة الالفين طبعاً مع لفت النظر الى تأثير الاوضاع السياسية والامنية على حركة الزوار.
ويذكر ان التكلفة لزيارة المحمية بسيطة وهي عبارة عن مساهمة لحماية هذا الجبل وليست كرسم دخول، التعرفة 4000 ليرة لبنانية للاشخاص ما دون 16 سنة و 8000 ل.ل. لما فوق الـ 16 وتتضمن تواجد الحارس ليضمن سلامة الزوار وليدلهم على المسارات داخل الجبل.

 

 


مواقع المحمية
– منازل أثرية قديمة
– نقوش رومانية من عهد الامبراطور الروماني هادريان
– الدرج الروماني
– تلة الصليب
– أجناس من الزهور والاشجار المتفردة
– اجناس من الطيور والحيوانات
– خزان تحت الارض
– بئر قديمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق