سياسة لبنانية

معركة القلمون على «دفعات ومراحل» و«تلة موسى» نقطة تحول

أحرز حزب الله (والجيش السوري) إنجازاً عسكرياً نوعياً بسيطرته على «تلة موسى» في أعلى جبال القلمون، وكسب جولة أساسية في معركة القلمون. ويُنظر الى سقوط هذا الموقع على أنه نقطة تحول في مسار هذه المعركة، وأنه أنهى أكثر المراحل صعوبة فيها…

هذا التقدم الميداني الذي حصل في وقت سريع وبكلفة قليلة بعد إخلاء مسلحي «جيش الفتح» (تجمع فصائل المعارضة) التلة من دون مواجهات تذكر تحت ضغط النيران الكثيفة بأسلحة صاروخية جديدة، تعود أهميته للأسباب الاتية:
1- الموقع الاستراتيجي لـ «تلة موسى» التي ترتفع نحو 2800 متر عن سطح البحر وتشرف على مساحة واسعة من منطقة القلمون، وسقوطها يعني سقوط 40% من مساحة السلسلة الشرقية وتفكيك خطوط الإمداد والتواصل بين المجموعات المسلحة وتضييق هامش تحركها ومساحة انتشارها.
2- هذه المعركة أكدت التطور العسكري عند حزب الله  المتحوّل الى «جيش منظم» وامتلاكه:
– قدرات وخبرات قتالية راكمها في سوريا.
– أسلحة هجومية صاروخية جديدة.
– إدارة احترافية للعمليات العسكرية مع وجود تنسيق بين التقدم البري والتغطية النارية.
– قوات نخبة مدربة جيداً وقادرة على خوض معارك والتقدم السريع في مساحات مفتوحة ومكشوفة.
ولذلك فإن إسرائيل مهتمة برصد تكتيكات وقدرات حزب الله في معركة القلمون التي عززت قلقها وقناعتها بأن الحرب في سوريا حتى الآن أفادت حزب الله أكثر مما استنزفته.
3- موقع هذا «الإنجاز – المكسب»، ميدانياً وزمنياً، بعد سلسلة نكسات وخسائر لحقت بالنظام في شمال سوريا (إدلب وجسر الشغور) وجنوبها (بصرى الشام ومعبر نصيب)، لتشكل نوعاً من تعويض معنوي ومن تصحيح لميزان القوى على الأرض.
4- أهمية «موقعة تلة موسى» هي من أهمية معركة القلمون التي لها أهداف استراتيجية أبعد من الأهداف المعلنة والمحددة لها في تحسين وتحصين وضع القرى اللبنانية الحدودية وقطع دابر الإرهاب الآتي عبر الحدود.
معركة القلمون التي تعتبر تكملة وامتدادا لمعركة القصير وبمفعول رجعي تهدف الى:
– حماية العاصمة دمشق.
– تأمين خط دمشق ـ حمص امتدادا حتى الساحل السوري.
– تأمين التواصل بين دمشق ولبنان.
– إحكام السيطرة على الحدود السورية مع لبنان وهي الحدود الوحيدة التي لم تخرج عن سيطرة النظام بعد الحدود مع العراق وتركيا والأردن و«إسرائيل».
– تأمين التواصل بين المناطق العلوية في سوريا والمناطق الشيعية في لبنان… وهذا التواصل يصبح حيوياً في حالة الانتقال الى المرحلة أو الخطة «ب»، خطة تقسيم سوريا بعد التأكد من استنفاد الخطة «أ» وهي السيطرة على كل سوريا.


وفي حين يعتبر خبراء عسكريون أن المعركة الشاملة لكل منطقة القلمون لم تبدأ بعد، وما يجري هو معركة مواقع ضمن استراتيجية القضم المتدرج، ومعركة لدفع الأخطار عن اتجاه معيّن، خصوصاً من الغرب لناحية بعلبك وبريتال أو الجنوب والجنوب الغربي لناحية دمشق وطريق المصنع – بيروت وهذا ما حصل… يرى آخرون أن المعركة بدأت ومن المبكر معرفة استعدادات حزب الله لخوضها إلى النهاية، ويقولون إن المعركة لا تزال محدودة ضمن جرود بريتال – عسال الورد ولم تتمدد في اتجاه الشمال، لأن تقدم حزب الله لم يصل بعد إلى الطريق التي تصل يبرود برنكوس وصولاً إلى الزبداني، واستكمال المعركة في منطقة طولها نحو 100 كلم وعرضها بين 12 و20 كلم، لا بد من أن يستند على محور طرقي، والمحور الوحيد الموجود على السفوح الشرقية لسلسلة الجبال هو يبرود – رنكوس –  الزبداني.
وسط كل ذلك، وبعيداً عما إذا كانت المعركة بدأت أم لم تبدأ، يمكن رسم المشهد الميداني على الشكل الاتي:
– سيطرة الجيش السوري ومقاتلي حزب الله على مجموعة من التلال الإستراتيجية التي كانت الجماعات المسلحة المعارضة للنظام السوري تنتشر عليها. ومن المرجح إستمرار هذه المعارك في الأيام القليلة المقبلة، ما يعني ضرورة إنتظار الوجهة التي ستأخذها التطورات على الأرض. ولكن على رغم أن هدف حزب الله هو الحسم والقضاء على نحو 4000 مقاتل في الجرود، إلا أن الحزب لا يمتلك العدد الكافي من المقاتلين لتغطية منطقة واسعة، لأنه لا يكفي أن يحتل قمة ذات قيمة استراتيجية، بل يجب إبقاء بعض القوى في المراكز التي تم احتلالها لمنع المسلحين من الالتفاف في الوادي واستعادتها، لهذا فإن المعركة ستكون مبنية على الكر والفر، ويمكن أن تستمر لأشهر طويلة، وتتحوّل إلى حرب استنزاف بالنسبة إلى الطرفين لسببين: الأول وعورة الأرض وارتفاع بعض قمم الجبال لأكثر من 2600 متر، والثاني لعدم وجود محاور طرقية تسمح بنقل التموين والإمداد بواسطة الشاحنات مثلاً… ولكن ثمة من يعتبر أن حسم المعركة لا يعني القضاء على كل من وجد فيها، لأن هناك تجارب منها في يبرود وقارة حسمت المعركة فيهما خلال أيام ولم يؤدِ ذلك إلى القضاء على الجميع، بل قتل من صمد في المعركة وهم قلة، فيما انسحب القسم الأكبر من المسلحين.
– على رغم الحديث عن تنسيق يجري بين الجيش اللبناني والمقاومة من جهة وبين الجيشين اللبناني والسوري من جهة ثانية وهذا التنسيق تفترضه الحاجة الميدانية وسير المعارك بغض النظر عن المواقف السياسية المنقسمة، فإن كل المعطيات تشير الى أن الجيش اللبناني لن يكون طرفاً في معركة تدور بين الآخرين، ولن يسمح باستدراجه للتوغل في داخل الأراضي السورية، وبالتالي يبقى همه الوحيد الحفاظ على الاستقرار العام وحماية حدوده، لأن هناك ضرورة لتحييد لبنان عن الحريق المشتعل في سوريا. لكن استمرار الترويج لمعركة القلمون يفتح الباب أمام السؤال عن مدى قدرة المجموعات المسلحة من خلال بعض خلاياها إذا كانت لا تزال نائمة، على الإخلال بالأمن في ضوء الإنجازات التي حققتها مديرية المخابرات في الجيش اللبناني وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي.
– الجبهة باتت مقطعة الى ثلاثة قطاعات عملانية: القلمون وقد انطلقت معركته وهي الأصعب والأخطر لتداخلها بملفات لبنانية ساخنة وأبرزها الأذى الداخلي عبر السيارات المفخخة حيث يجري تجفيف منابعها الإجرامية / مسألة العسكريين المختطفين الذين قد يكون تحريرهم جزءا من معركة القلمون / إطفاء التوتر بين عرسال ومحيطها والذي نشأ بفعل حراك الإرهابيين واختطافهم لعرسال كاختطافهم للعسكريين، وبالتالي تحرير القلمون يعني تحرير عرسال من الخطف وإسقاط ورقة جرود عرسال وما تحويه من ويلات على اللبنانيين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق