تحقيق

هكذا يكافىء شبيحة الثورات المرأة العربية

حدث ذلك في زمن الثورات. نساء عربيات يتعرضن للتحرش الجنسي والاعتقال والاغتصاب وحتى التعذيب النفسي والتعنيف. من ميادين التحرير في مصر الى ساحات الموت والمعتقلات في سوريا، وصولاً الى تونس وليبيا، النتيجة واحدة : جرائم مروعة دنست قداسة المكان. وبدل أن تكون ساحات الحرية وميدان التحرير رمزاً لثورة طاهرة اذا بها تتحول مرتعاً للمتحرشين تنتهك فيه حرمة النساء، وتصدر على شرفه فتاوى جهاد النكاح. نعم، حصل كل ذلك في زمن الثورات ولا يزال الكثير من الحكايات والمآسي المطمورة. كيف لا والمجرم في ساحات الثورة يصبح بطلاً والضحية جلاداً. لكن عيون المنظمات الدولية في المرصاد، ومنظمة الأمم المتحدة وضعت ملف التحرش بالنساء في ميادين التحرير على نار حامية. لكنها حتماً أقل غلياناً من مشهد اغتصاب محفور في قلب امرأة دنستها أيادي المتلطين وراء شعار الثورة.

في كل ثورات بلدان الربيع العربي كان التطلّع إلى الحرية والبحث عن كرامة الإنسان العربي اللتين داستهما أقدام الدكتاتورية هو الهاجس المشترك. لكن على الأرض الوضع اختلف. صور وحكايات عن حلقات اغتصاب واعمال تحرش تدنس ساحات الثورات التي كان يفترض ان تكون لها رمزيتها الخاصة. والأبشع من ذلك عندما نسمع ببدعة فتوى جهاد النكاح، وآخرها ما كتبه داعية على صفحة تويتر وأعلن أن زواج الفتاة المسلمة التي تبلغ 14 عاماً وما فوق أو المرأة المطلقة أو الأرملة جائز شرعاً مع المجاهدين في سوريا. واستطرد في فتواه أن هذا «الزواج» محدود الأجل ولا يتخطى الساعات. اما الهدف منه فهو إفساح المجال لمجاهدين آخرين بالزواج من هذه الفتاة أو تلك! واعتبر أن جهاد النكاح هذا، يشد من عزيمة المقاتلين ويعتبر من موجبات دخول الجنة. لكن مجرد نشرها والإعلان عنها، ارتفعت الإعتراضات وواجهت تشهيراً من علماء الأزهر الذين اعتبروها زنى فاضحاً. ومن المفتين من اعتبرها بغاء وفساداً أخلاقياً مع التنديد بالفتيات اللواتي التحقن بمخادع قادة جبهة النصرة استجابة للفتوى المشؤومة.

الوعي والضغط الاعلامي
قد يكون الضغط الإعلامي والوعي لدى فقهاء الدين أنقذ فتيات عدة من براثن الوحش المتلبس بزي «الثورة»، وأعادهن الى سريرهن الهادىء والآمن بعد أن كن متجهات الى قدرهن الأسود في سوريا. لكن الأخبار المثيرة و«المؤسفة» بقيت تتردد عن جهاد النكاح في ساحات القتال والمعتقلات. الباحثة الإجتماعية في سوريا ولبنان في منظمة هيومن رايتس ووتش لمى فقيه روت بعضاً من الصور التي وصلت إلى المنظمة من خلال الإستقصاءات التي اجرتها حول عدد من الفتيات السوريات اللواتي تعرضن للإغتصاب والتحرش الجنسي. وتقول: «هناك تقارير تفيد بأن الجيش السوري والقوات المؤيدة للحكومة تحتجز ناشطات المعارضة بشكل تعسفي،  أو قريبات للنشطاء والمقاتلين المؤيدين للمعارضة، وهن يتعرضن للتعذيب والانتهاك الجنسي. وتنقل عن ثماني ناشطات تم احتجازهن، إن قوات الأمن والشبيحة قاموا بانتهاكهن أو تعذيبهن أثناء الاحتجاز. وشملت الانتهاكات، الصدمات الكهربائية، وإبقاءهن في أوضاع مجهدة، واستخدام القضبان والأسلاك والعصي المعدنية أثناء ضربهن وتعذيبهن. وكانت السيدات الثماني قد شاركن في تظاهرات سلمية، وقمن بتصميم ملصقات لجماعات المعارضة، وقدمن المساعدة الإنسانية والرعاية الطبية للمتضررين من النزاع المسلح، وساعدن في نقل المنشقين عن الجيش السوري إلى المستشفيات، إضافة إلى مساعدة النازحين في الخروج من سوريا. وأكدت لمى أن سيدتين من بين الثماني، تعرضتا للإغتصاب أثناء احتجازهما في فرع المخابرات العسكرية في طرطوس، وفرع المخابرات الجوية في المزة بدمشق.
وتفيد تقارير هيومن رايتس ووتش عن وجود نحو 150 سيدة في عدرا، تم حجزهن بتهمة المشاركة السياسية في نشاطات مؤيدة لجماعات المعارضة. ويقدر مركز توثيق الانتهاكات في سوريا أن الحكومة السورية احتجزت أكثر من 5400 سيدة بين آذار (مارس) 2011 ونيسان (ابريل) 2013، ويقدر بقاء نحو 766 سيدة و34 فتاة تحت سن الـ 18 عاماً في مقرات الاحتجاز الحكومية. وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تعرضت 24 محتجزة للتعذيب حتى الموت منذ آذار (مارس) 2011. ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق على نحو مستقل من أعداد المحتجزات أو اللواتي توفين أثناء الاحتجاز، بسبب منعها من الوصول إلى أماكن احتجاز المعتقلات في سوريا. لكن محتجزتين أبلغتا بأنهما تعرضتا للإغتصاب على يد عناصر قوات الأمن وحراس السجن وانتهكوهما جنسياً أثناء الاحتجاز. وتروي أمل (19 عاماً) نقلاً عن هيومن رايتس ووتش أنها تعرضت للاغتصاب في مناسبتين مختلفتين: الأولى على يد محقق وضابطين في تشرين الأول (اكتوبر) 2012، في فرع المخابرات العسكرية في طرطوس، والثانية على يد ضابطين في فرع المخابرات العسكرية رقم 235 (فرع فلسطين) في دمشق، في تشرين الثاني (الثاني) 2012. أما ميساء (30 عاماً) فروت لـ هيومن رايتس ووتش عن تعرضها للضرب والتهديد بالتعذيب، والاغتصاب في مناسبتين منفصلتين: الأولى  في حزيران (يونيو) 2012 على يد ضابط أمن أثناء احتجازها في فرع التحقيقات في المخابرات الجوية في المزة بدمشق. لكنها أبلغت أحد الضباط الذي كان يتولى مهمة استجوابها، فعمد إلى صفع المعتدي أمام ميساء بعد أن تعرفت إليه، لكنه لم يصدر أمراً بنقله من منصبه. فعاود اغتصابها مساء اليوم التالي. وفي  تموز (يوليو) 2012، قام أحد حراس السجن في الفرع عينه بإرغام ميساء على ممارسة الجنس معه.

في ميدان التحرير
إلى ميدان التحرير في مصر ندخل. والوضع هناك ليس بأفضل حالاً.  فهذا الميدان الذي أذهل العالم بعبقرية الثورة المصرية، خرقته أفعال منافية للأخلاق مما اضطر المسؤولين الى تشكيل «قوة ضد التحرش والاعتداء الجنسي» ولعل ظاهرة الاغتصاب والتحرش الجنسي بالنساء المصريات خلال «ثورة 25 تموز – يوليو» وبعدها، تفصح عن الأدوات الذكورية – القمعية المستخدمة من السلطة الأبوية التي تعتبر نفسها وصية على كل الهرم الاجتماعي. لكن للفضاء الرقمي لغته أيضاً، إذ انطلق موقع مصري ضد التحرش بالنساء وشمل تقديم الحماية للناشطات في الميادين والساحات.
وحتى الساعة تشير التقارير إلى أن منظمة هيومن رايتس ووتش لا تملك أدلة على توجيه ضباط من الرتب العليا الأوامر إلى قواتهم بارتكاب اعتداءات جنسية أثناء الاحتجاز، أو على انتشار ظاهرة الإعتداءات الجنسية واعتبارها ممنهجة في مقرات الاحتجاز الحكومية. إلا أن المعلومات التي تلقتها المنظمة تشير إلى عدم اتخاذ الضباط في غالبية الحالات أية إجراءات للتحقيق في أفعال الاعتداء الجنسي أو معاقبة مرتكبيها أو منعهم من ارتكابها، على الرغم من وقوع هذه الأفعال في ظروف يفترض معها أن يكون الضباط والقادة على علم بها، أو على الأقل على علم بحدوث تلك الجرائم.
نعود إلى سوريا حيث تؤكد لمى فقيه أن الاعتداءات الجنسية لا تقتصر على مقرات الاحتجاز، إذ تبين أن القوات الحكومية وميليشيات «الشبيحة» الموالية للحكومة اعتدت على النساء والفتيات وحتى الصبية في أعمار شابة أثناء الغارات على المنازل ومداهمة المناطق السكنية. وتستخدم العناصر العنف الجنسي لتعذيب الرجال والنساء والصبية المحتجزين بحسب روايات شهود وضحايا لـ «هيومن رايتس ووتش». وتشمل وسائل التعذيب والاغتصاب وإيلاج أجسام صلبة، والتحسس الجنسي، والتعري القسري لفترات طويلة، والصدمات الكهربائية وتوجيه الضربات الى الأعضاء التناسلية.

مخاطر التبليغ
لا يزال المدى الحقيقي للعنف الجنسي في مرافق الاحتجاز وخارجها غير واضح المعالم بحسب لمى فقيه. فالوصمة التي تحوط بالعنف الجنسي في سوريا تجعل الضحايا يترددون في الإبلاغ عن الانتهاكات. وقد يواجه الناجون أيضاً المخاطر عند تبليغهم عن الجرائم، ومنهم من يرفض إطلاع عائلاتهم أو مسؤولين في المجتمع المدني على الاعتداء بسبب الخوف أو الخزي. ويواجه الناجون الذين فروا إلى بلدان مجاورة ومنها لبنان العقبات في السعي إلى العلاج وتلقي الخدمات المطلوبة بسبب المحاذير الاجتماعية التي تحوط بالانتهاك الجنسي، وتقييد العائلات لتحركاتهم، والخوف من التعرض لما يسمى بجرائم «الشرف». وفي هذا السياق تؤكد فقيه أن متابعة الفتيات اللواتي تعرضن للإعتداء الجنسي تتم من قبل باحثات إجتماعيات في المنظمة يتولين أخذ التفاصيل والتكتم عن ذكر الأسماء طبعاً في حال افصحت عنه الفتاة أو السيدة. بعدها يتم توجيه الضحية نحو المنظمة أو الجمعية التي ستتولى مرافقتها بهدف تأمين الدعم الإجتماعي والطبي للتأكد أولاً من عدم حصول حمل نتيجة الإغتصاب، والإجهاض أو نقل فيروس نقص المناعة المكتسبة وغيره من الأمراض التي تنتقل بالعدوى الجنسية، إضافة إلى المساعدة القانونية، ومعالجة الإصابات النفسية الناجمة عن الاعتداء. ولفتت لمى إلى الدور الذي تلعبه مفوضية الأمم المتحدة من خلال رفع أصوات الضحايا ووضعهن على المسار المطلوب لإيصال أصواتهن. «لكن التركيز اليوم يتم على الفتيات المعتقلات في سجن عدرا، خصوصاً أن الغالبية لا تزال قيد الإحتجاز منذ فترة 4 أشهر من دون مواجهتهن مع قاضي التحقيق». وتشير المعلومات الواردة إلى دوائر المنظمة أن الفتيات هناك يتعرضن للتعذيب والإعتداءات الجنسية. لكن ماذا عن وضع الفتيات السوريات في لبنان؟ «حتى الساعة لم نبلغ كمنظمة عن تعرض مطلق أية فتاة سورية للإغتصاب لكن الثابت أن هناك تكتماً على الموضوع. ولم نوثق حتى الساعة إلا الحالات التي وصلت وقد تعرضت للتحرش والإعتداء الجنسي والإغتصاب في سوريا». وناشدت فقيه المجتمع الدولي التعامل بشكل سريع وملح مع انتهاكات حقوق الإنسان التي تحصل في سوريا. وتوجهت إلى مجلس الأمن بالطلب لتوجيه تحذير إلى حكومة الرئيس السوري بشار الأسد وتحميله مسؤولية العنف الجنسي وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان، وإحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية.

 

 


وقائع
حالات الإغتصاب والتحرش الجنسي التي شكلت ظاهرة في ميادين التحرير وزمن الثورات لم تفاجىء المعنيين في منظمات وجمعيات المجتمع الأهلي «لأنها تحصل دائماً في كل فترات الحروب». عظيم. لكن الزمن تطور. وما كان يصح في الأمس لم يعد وارداً أو مقبولاً اليوم، «لكنه حتمي في زمن الثورات» على حد ناشط حقوقي ،  «ويروي في المناسبة واقعة إحدى السيدات المصريات التي هربت من منزلها في مرحلة اطاحة الرئيس حسني مبارك. بعد قصف منزلها هربت السيدة مع زوجها والطفلين للإقامة عند أحد الأقارب في منطقة كانت خاضعة لسيطرة الإخوان المسلمين. واثناء وجودهم هناك، جاء الجيش واعتقل الرجال فلم يبق سوى النساء والأطفال. وفي اقل من 15 دقيقة جاء بعض «الرجال الملثمين» بثياب مدنية إلى المنزل وأدخلوها مع باقي النساء في غرفة معيشة المنزل. ثم عمد أحدهم إلى سحبها إلى إحدى الغرف واغتصابها. ولم تنفع محاولات مقاومتها التي كلفتها الكثير من الأذى الجسدي. وبعد ايام علمت أنه تم توقيف زوجها ولا يزال محتجزاً على رغم سقوط نظام الرئيس محمد مرسي والإخوان. لكنها تتوقع خروجه قريباً.
قديماً كانت الحروب مرفقة بالسبي وكانت النساء يسقن كغنائم مملوكة للقائد المنتصر ورجاله. اليوم تغيرت بنية المجتمعات وذهنية الأفراد لكن لا تزال المرأة عرضة للانتهاك والاغتصاب والتحرش الجنسي. ومن الأمثلة المعاصرة التي استدعت تحركاً دولياً للوقوف ضد اغتصاب المرأة واعتبار ذلك الفعل المشين جريمة ضد الإنسانية، اغتصاب النساء في عدد من الدول الافريقية التي عاشت حروباً وثورات، منها: الصومال، وأوغندا، وراوندا، إضافة الى نساء البوسنة في يوغوسلافيا السابقة والعراق كذلك. والاحصاءات في هذا الحقل مرعبة وتزداد قساوة عندما يحصل الحمل السفاح، وتواجه المرأة مصيرها الشخصي الأسود. عندها لا التقاليد ولا الأعراف الاجتماعية ترحمها ولا حتى الأديان في بعض الأحوال. واللافت أن المجرم في عمليات  الاغتصاب التي تحصل في زمن الحروب والثورات ليس فقط ذاك الجندي أو الميليشياوي. فقد يكون أحد رجالات الدكتاتوريات العسكرية التي تحكم قبضتها على شعوبها نساءً ورجالاً. وقد دفعت هذه الظاهرة نساء عربيات متعلمات ومثقفات الضريبة الباهظة بعد اعتقالهن في هذا البلد وذاك بسبب اعتراضهن على نظام «الديكتاتور» أو رفعهن الصوت عالياً. ونادرة هي الحالات التي يتم اشهارها من قبل المرأة الضحية، هذا إن خرجت بكامل عقلها وصحتها بعد حصول الجريمة. لهذا كانت المرأة ولا تزال تقاوم وتعيش الخوف والقلق كلما دقت ساعة الحرب. إنطلاقاً من ذلك شنت الأمم المتحدة حملة عالمية في العام 2008 بهدف وضع حد لجرائم اغتصاب المرأة في أيام الحرب والسلم. وأنشئت لهذه الغاية مواقع الكترونية، تضم رجالاً ونساء من العالم يقفن ضد الاغتصاب.

مسؤولية مجلس الامن
وهنا يبرز دور الممثلة الأميركية أنجلينا جولي بصفتها سفيرة النوايا الحسنة والمبعوثة الخاصة لمفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين. أنجيلينا جولي أكدت بعد لقائها عدداً من النساء والفتيات اللواتي تعرضن للإغتصاب أن مجلس الأمن يتحمل المسؤولية عن حماية ضحايا الاغتصاب في المناطق التي مزقتها الحروب عندما تكون الحكومة المحلية غير قادرة على الوفاء بواجباتها. وأكدت أن «ميثاق الأمم المتحدة واضح في هذا المجال وهو يتحمل المسؤولية الرئيسية في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين.. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الاغتصاب الذي يصنف كسلاح مدمر في الحروب. أضافت: إن مرتكبي العنف الجنسي خلال الحرب يفلتون تماماً من العقاب على الرغم من ارتكابهم انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. ومن المتوقع أن يصوت مجلس الأمن خلال الأيام المقبلة على مشروع قرار يعزز الجهود الرامية لملاحقة مرتكبي العنف الجنسي قضائياً.
فهل تتوقف ظاهرة الإغتصاب في زمن الحروب والثورات بعد صدور قرار عن مجلس الأمن، أم أن المسألة تتوقف على الذهنية البشرية التي لا تزال تعتبر المرأة مجرد وسيلة وأداة يمكن التصرف بحياتها كما تشاء الرغبة الذكورية؟!

جومانا نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق