أبرز الأخبارصحة

شمسُ الظهر… شواءٌ ودمار ولا عذر لمن أنذر!

البحر أسرار والشمس حياة والإسمرار جاذبية والصيف حرية، لكن التسمر تحت أشعة الشمس، قبالة البحر، في عزّ الظهر، في فصل الصيف، جريمة!
تفعلون هذا؟ مجرمون أنتم؟ الإسمرار هاجسكم؟ جلدكم ليس بخير؟ كتلٌ وبقعٌ وشامات تظهر عليكم؟ تتمردون على النصائح وتشلحون أجسادكم تحت عين الشمس ولا تبالون بكل التحذيرات؟
نحن في عز الصيف. نحن محاصرون بالشمس. نحن في قلب الخطر. نستسلم؟ نواجه؟ ندافع؟ نلهو عن الحقيقة الدامغة بالسمرة الجذابة المؤقتة؟
يبدأ الحل بقرار! فليكن الآن قبل فوات الأوان…

قرارُ وقف التعرض للشمس غير سهل طبعاً خصوصاً على الفتيات اللواتي يحصدنّ أعلى كمية إطراء حين يتحمصنّ تحت عين الشمس، على الظهر وعلى البطن، ويحصلنّ على السمرة الجذابة. لكن حين يتكلم الطب يفترض أن تُراجع الأهواء العقل بهدوء، بلا انفعال، بحثا عن الحل الأمثل. شمس بعد الظهر مثلاً، بعد الرابعة عصراً، وحرص وانتباه في عز الظهر، قيلولة قصيرة مثلا مع شرب كثير من المياه، وستلمسون، أو تلمسنّ بالتحديد، ايجابيات ما تفعلنّ.

انتبهوا… الميلانوما!

قد يقف بينكم في هذه اللحظات من يقول: وما بالهم هؤلاء يتحدثون عن الشمس في زمن القلق؟ أليس تأثير التوتر على الجلد والنفس والجسد أقوى وأشد؟ صحيح هذا. وعميد كلية الطب في جامعة القديس يوسف البروفسور رولان طنب، وهو طبيب جلدي، يؤيد هذه المعادلة ويشرح: يترابط الجلد والأعصاب والدماغ تكوينياً منذ يبدأ الجنين بالنمو وأي حالة قلق يواجهها حين يرى النور ويكبر قد تبرز أولى تأثيراتها علامات جلدية، ولنأخذ مثلاً الصدفية التي تتأثر بالتقلبات النفسية والمزاجية، لا سيما القلق والغضب والحزن والإكتئاب. الأسباب التي تؤثر إذاً على الجلد قد تكون كثيرة لكن الشمس خطيرة. لماذا؟ لأنها قد تؤدي الى ما هو أبعد من شبح الشيخوخة المبكرة، الى سرطان الميلانوما، فهل تعرفون عنه؟
الميلانوما هو السرطان الأول، الأكثر خطورة، بين سرطانات الجلد. ويُقصد به سرطان الخلايا الصبغية. وهو يتطور داخل الخلايا المصنعة للميلانين، الذي يُكسب الجلد لونه. البروفسور رولان طنب يُعطي مزيداً من التفاصيل: تتألف البشرة من ثلاث طبقات أساسية: البشرة وهي الطبقة العليا أو الخارجية، الأدمة وهي الطبقة السفلى أو الداخلية، والطبقة الدهنية الواقعة تحت البشرة. والخلايا الصبغية تقع عادة في الطبقة السفلية وهي مسؤولة عن إعطاء البشرة لونها الطبيعي وحمايتها من الأشعة ما فوق البنفسجية الموجودة في ضوء الشمس. والتعرض الطبيعي لهذه الأشعة يدفع الخلايا الصبغية الى زيادة انتاج الميلانين، ما يجعل البشرة داكنة، أما الإفراط في التعرض لها فقد يتسبب بتغيرات في الخلايا الصبغية تتحول الى سرطان جلدي وربما الى ميلانوما.

لا تعتمدوا على المستحضرات

هناك من سيقول الآن: أنا حميت نفسي من ضرر الشمس باستخدامي مستحضر للحماية مكتوب عليه: «100 أس بي أف»… فهل هو حقاً كذلك؟
لا، لا تتأثروا بأسلوب الترويج والإبهار الذي يمارس عليكم من شركات الإعلانات التي تقول أن المستحضر الفلاني يؤمن الحماية مئة في المئة، فلا يوجد أي مستحضر في العالم، حتى لو كان آتياً من المريخ، قادر على أن يحميكم مئة في المئة. هناك جلد قد يتحمل أكثر من سواه. لكن كل أنواع الجلد، مهما كان نوع الحماية المستخدمة، ستتأثر ولو بنسب مختلفة، ناهيكم عن أن وضع هذا المستحضر، الذي يؤمن الحماية نسبياً، يفترض أن يتكرر كل نصف ساعة. نعم كل نصف ساعة. وتذكروا دائماً أن أطفالكم أكثر من يتأثرون بضرر الشمس والنتيجة قد لا تظهر الآن، أو حتى غداً، بل ستظهر بالتأكيد ذات يوم. فحساسية جلد الأطفال عالية جداً. والحروق التي قد تصيب الصغار اليوم قد تؤدي الى إصابتهم، بنسبة كبيرة، بسرطان الميلانوما في يوم ما. ألا يدفعكم هذا بربكم الى التفكير ألف مرة قبل تنظيم يوم استجمام كامل، مع أفراد العائلة، على البحر؟

تحت اي شمس!

البحر جميل. إنه ملاذ. إنه هروب من روتين الحياة ومحاولة لرمي الهموم الكثيرة بين فقش الموج ولكن، ماذا لو رمينا بحملٍ، بثقلٍ، وعدنا بأثقال؟
في كل شيء، في أي أمر، في هذه الحياة طبعاً، ناحية سلبية وأخرى إيجابية، ومن يفكر إيجابيا قد ترتد عليه الحياة إيجابيات لكن في هذا الموضوع، موضوع تأثير الشمس السلبي على الجسد والجلد، لا مجال للتخمين أو اللعب أو التجربة على قاعدة: الضرر يمكن أن يحدث ويمكن ألا يحدث فلماذا لا نعيش اليوم، كما يحلو لنا أن نعيش، وغداً بعيد بعيد…
ماذا يعني كل هذا: ألا نذهب الى البحر؟ هل يعني هذا أن نختبىء من الشمس كمن يختبىء من ظله؟
لا، إذهبوا واسبحوا واجلسوا تحت الشمس الدافئة لكن غير الخارقة، التي لا تترك فيكم ندوباً وحروقاً وبقعاً وتشوهات. اختاروا التوقيت المناسب واذهبوا. وتذكروا أن المبالغة في التعرض للشمس مثل المبالغة في الخوف من التعرض للشمس. والمبالغة، في كل شيء، تضر ولا تنفع!
من هم الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بسرطان الميلانوما؟
كلنا معرضون لكن قد ترتفع النسبة عند وجود الميلانوما في تاريخ العائلة، وترتفع هذه النسبة مرتين أكثر إذا كان القريب المصاب من الدرجة الأولى أي أب أو أم أو أخ أو أخت. ذوو البشرة الحساسة المعرضة للإحتراق، ومن يملكون كثير من الشامات أكثر عرضة أيضاً من سواهم.
ثمة مناطق أكثر عرضة لتشكل الميلانوما عند الرجال وعند النساء. حالات إصابة الرأس والعنق عند الذكور مثلا تصل الى 22 في المئة بينما لا تتجاوز هذه النسبة عند الإناث 14 في المئة. وقد تتعرض النساء الى هذا السرطان الشرس عند الساق بنسبة 42 في المئة بينما لا تتعدى هذه الإصابة عند الذكور 15 في المئة.
سرطان الميلانوما قد يظهر على شكل بقعة داكنة أو شامة وليس سهلاً عادة، بالعين المجردة، التمييز بين ما هو عادي وما هو ميلانوما، لكن ثمة خمس خصائص قد يفيد التحقق منها عند الشك: عدم تماثل الشكل. عدم تساوي الحواف. تغير اللون. تغير القطر. تطور في الحجم والشكل واللون والارتفاع. فإذا لاحظتم مثل هذه التغيرات راجعوا الطبيب.

شيخوخة مبكرة
رأسمال الشمس إذا قد يفيد نسبياً لكنه قد يتسبب بأضرارٍ جمة ومباشرة خصوصاً في الحمض النووي، الذي يقوم عادة بإصلاح نفسه بنفسه، لكن نتيجة تراكم الشمس لا يعود قادراً على التجدد ما يؤدي الى بروز علامات الشيخوخة المبكرة.

صح وخطأ

الأوهام تبقى كثيرة والمعلومات المستقاة من غير مصادرها الصحيحة قد تربك في أحيان أيضاً كثيرة. ومن المعلومات المغلوطة أن الخروج من المياه والجلوس على الرمال، معتمرين قبعة، قد يقينا من أضرار الشمس في ساعات محددة. وهذه معلومة طبعاً خاطئة، فالمياه تعكس نسبة تتراوح بين خمسة في المئة الى عشرة في المئة من أشعة الشمس بينما تعكس الرمال الجافة نحو 15 الى 30 في المئة من هذه الأشعة، وبالتالي قد يصاب الإنسان بضربة شمس وهو على الشاطىء بنسبة أعلى من إصابته إذا كان موجوداً في داخل المياه، حتى لو كان يعتمر قبعة، لكن هذه الخطورة قد تقل وتتقلص جداً، الى حدود الثلاثة في المئة، إذا كان يجلس على عشب أخضر.
يزن الجلد نحو 15 في المئة من وزننا الإجمالي. والجلد يعكس شكل الصحة، فإذا بدا نضراً شعرنا بالجسم سليماً وإذا بدا باهتاً قلنا هو مريض. الإسمرار قد يجعلنا نُخطىء لوهلة، لساعات وأيام وأشهر، لكنه كما الثلج الذي حين يذوب تظهر كل الندوب والأوساخ تحته، كذلك تلك الجاذبية المؤقتة ما إن تتلاشى حتى نشعر بفداحة ما فعلت بنا شمس الظهر: بالدمار الهائل.
نحن في عز الصيف. الشمس قوية. البحر ينادينا. هو ملاذ جميل لنا، كباراً كنا أو صغاراً، لكن قبل أن نسقط فيه فلنختر التوقيت والشكل والنتيجة. أعذر من أنذر؟ لعلّ المقولة الأدق هنا: لا عذر لمن أنذر…

نوال نصر

    

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق