سياسة لبنانية

ما بين حماده وجنبلاط: «سوء تفاهم» أم أكثر؟!

لم يكد النائب وليد جنبلاط يحط رحاله في بيروت إثر زيارته للسعودية ولقائه الملك سلمان عبد العزيز ليفاجأ «بنيران صديقة» أطلقها النائب مروان حماده باتجاهه من دون أن يسميه في الذكرى الثالثة لاستشهاد اللواء وسام الحسن، متهماً إياه «بالتخاذل والتخلي في نصف الطريق»، ما أثار حفيظة جنبلاط الذي سارع بالرد (عبر حسابه على «تويتر») قائلاً: «ليس هناك عيب في السياسة بمبدأ التسوية. إن بعض الناس في بعض المنابر وبمناسبة الشهيد وسام الحسن اتهموني بالتخاذل والتخلي في نصف الطريق». وتابع: «ما في جمرك على الحكي وعلى المزايدة الله يهديهم».
وواكب جنبلاط وزير الصحة وائل أبو فاعور فرد على المواقف المنتقدة لجنبلاط قائلاً: «لم نترك أحداً أو نتخلى عن أحد في منتصف الطريق لأننا لم نتبع أحداً في يوم من الأيام إلا قناعاتنا، ولا تسهوينا المزايدات ممن تخلف هو عن فهم المخاطر على الوطن من الانقسامات القاتلة والمواقف التي لا تراعي هذه المخاطر».
هذه الردود دفعت النائب حماده الى إصدار بيان توضيحي قال فيه «إنه ربما نقل الى صديقي الكبير وحلفائي الأعزاء تفسير خاطىء لعبارة وردت في خطاب التأبين للواء الشهيد وسام الحسن»، مؤكداً أنها «لم تستهدفهم أبداً كما لم تتضمن كلمات التخاذل والتراجع، واقتصرت على وصف العزلة السياسية لبنانياً وعربياً ودولياً التي تستوجب عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان». وأضاف: «إن المعركة في لبنان ليست بالتأكيد معي وأنا لست في موقع التأثير لا حواراً ولا حكومة ولا مجلساً على إنجاح التسويات أو إبطالها».
وقد أعقب الإشكال اتصالات سريعة لتوضيح الأمور، ويقول مطلعون أن «غيمة الصيف» في طريقها الى العبور، مشيرين الى أنه حتى في المرحلة التي أعقبت سقوط حكومة الحريري (حيث رفض حماده في الاستشارات النيابية تسمية ميقاتي، وشذ عن خيار نواب «اللقاء الديمقراطي» مسمياً الحريري خلافاً لإرادة جنبلاط، آخذاً معه ثلاثة من النواب المسيحيين هم هنري حلو وفؤاد السعد وأنطوان سعد)، لم يلجأ حماده الى استهداف جنبلاط في أي يوم، وبقي محافظاً على خيط يحفظ العلاقة التاريخية بينهما، والعكس صحيح.
المطلعون يقولون: لقد عمل مروان مع وليد منذ مجيئه إلى المعترك السياسي، ولم يتركه يوماً. وهذا التاريخ من العمل المشترك يتمسك به الجميع. ولذلك، كان رد جنبلاط خفيفاً، بل أقرب إلى العتب، فيما جاء رد أبو فاعور قوياً. بعد استشهاد كمال جنبلاط في آذار (مارس) 1977، وإلباس وليد عباءة الزعامة، اضطلع حمادة بدور أساسي في صعوده السياسي، وسط حرب أهلية طاحنة. وهو واكبه في محطاته كافة، من عودة والدته من باريس، واجتياح 1982 ومرحلة 17 أيار (مايو) 1983، وفتحَ له أبواب العلاقات مع الأوروبيين. وكان مروان حلقة التواصل الأولى بين وليد والرئيس رفيق الحريري. وهو واكب جنبلاط في مرحلة الصدام مع السوريين، وصولاً إلى محاولة الاغتيال التي تعرض لها، ثم خروج القوات السورية.
ويقول العارفون بأجواء المختارة إن جنبلاط بقي يحفظ لصديقه القديم وفاءه ودوره في مسيرته السياسية، حتى في المراحل الأخيرة بعد انقسام الكتلة. وهو خصوصاً يثمّن له تضحيته وكاد يقدم حياته ثمناً لمواقفه السياسية.
ولا يحرص جنبلاط على العلاقة السياسية بينه وبين حماده فحسب، بل على العلاقة الشخصية أيضاً. ومن المشاهد التي يتذكرها كثيرون، أن مروان كان من القلائل الذين قبّلوا يد والدة وليد، المرحومة مي إرسلان جنبلاط، خلال تشييعها، كما قبّلها وليد نفسه. وفي هذا المشهد ما يؤشر إلى طبيعة العلاقة بين مروان والبيت الجنبلاطي.
في المقابل، ينقل عن شخصية درزية مخضرمة أن جنبلاط قد يشعر أن ثمة من يحفر تحته. هو كسائر قادة الطوائف الذين يترأسون الأحزاب أو التيارات أو الحركات، لا يستطيع أن يتحمل أي صوت آخر داخل معسكره. الشخصية إياها تسأل ما إذا كان يمكنه ان يتحمل مروان حمادة؟ ذات انتخابات فاقت أصوات حمادة أصوات جنبلاط. تردد أنه قال له «الأصوات الزائدة فقط هي أصواتك»، وحين فتح منزله في بعقلين أمام أهل المنطقة على أنه ممثلهم في ساحة النجمة سأله بتهكم «قالوا لي إنك فتحت مقهى القزاز في بعقلين». في الحال أقفل المنزل. لا دار هناك سوى دار المختارة… في الأيام الأخيرة نقل الى جنبلاط أن حمادة، وفي كلمته في ذكرى اللواء وسام الحسن، اتهمه بالتخاذل وترك حلفائه وأصدقائه في منتصف الطريق. بعض «المغرضين» راحوا يشيعون بأن هناك مقربين من حمادة يرددون «أن البيك مثل أميركا لا تعرف متى يتركك لتسقط جثة هامدة تحت ضربات العدو».
لا ريب ان حمادة مثقف بارز وكاتب بالفرنسية لا يشق له غبار، وعلاقاته الدولية والعربية وثيقة ومترامية. لكنه يعلم أيضاً أنه لا يستطيع في حال من الأحوال أن يقارع سيد القصر، وسيد الطائفة. على الفور نفى أن يكون قد استهدف جنبلاط أو أن يكون قد استعمل أساساً الكلمات التي تم تداولها. شيء ما يشبه فعل الندامة على ذنب قال إنه لم يرتكبه…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق