صحة

حطموا «التابو»… هل العلاقة الحميمة حق لمرضى الألزهايمر؟

تُشكلُ، في المضمون، «تابو»، وفي الظنِ هي فعل ماضي زائل، أما في الواقع فهي، حتى في العمر الثالث، حاجة! العلاقات الحميمة إذاً حاجة الى البشر في كل عمرٍ وفي أي حالة! فماذا عن حالة مرضى الألزهايمر؟ ماذا لو شعر مريض الألزهايمر بالحاجة الى ممارسة الفعل الحميمي؟ نمنعه؟ نقمعه؟ أم نتعلم كيف نتعامل معه؟ وماذا لو كان غير مدركٍ للممارسات التي يقوم بها؟ نسجنه؟ نضعه تحت سابع أرض؟ نُغلق عليه الباب بقوة؟ أم نُمسك بيده برفقٍ ونحاول بث ذبذبات إيجابية بينه وبين شريك عمره؟ علاقات مرضى الألزهايمر الحميمة «تابو» حطمته بجرأة جمعية الألزهايمر- لبنان…

ليس سهلاً، حتى على الاختصاصيين، الكلام علنا، أمام جموع، في الموضوع، لكن الطبيبين ايلي اسطفان، رئيس الجمعية اللبنانية لطب الشيخوخة، ونبيل نجا، رئيس جمعية الألزهايمر قررا الكلام. وقف إسطفان أمام عشرات العيون الشاخصة نحوه وقال: سنتحدث عن كل شيء، كل كل شيء، كي لا يبقى أي سؤال يخطر في البال بلا جواب. صحيح أن العنوان ملطف: العلاقات الحميمة لكن الحديث يفترض أن يكون جريئاً.
الحياة الحميمية ليس المقصود منها الجنس فقط بل التقارب العاطفي والحب أيضا. وثمة مسلمة فيها أن الحياة الجنسية الطبيعية حق في أجواء آمنة وخاصة، لكن ماذا لو كان طالب الممارسة الجنسية غير مدرك ماذا يفعل؟ ماذا لو لمس أماكن حساسة في جسمه أمام الناس؟ ماذا لو حاول مغازلة الممرضة مثلاً؟ ماذا لو صار يطلب من زوجته ممارسة الجنس تكراراً وفي كل مرة ينتهي ينسى أنه فعل فيطالب بالمزيد؟

تغيير في العادات
أن يكون المرء خرفاناً فليس معناه أن حياته الجنسية انتهت. زد أن ممارسة الجنس تُقرّب المسافة بين الزوجين وهذا أمر يحتاج اليه مريض الألزهايمر الذي يبدأ مرضه بمشاكل تصيب الوظائف العليا، الذاكرة، ثم يتمدد مكتسحاً الدماغ والحياة. وتدل الدراسات على أن بعض التصرفات غير الطبيعية في شخصية الإنسان قد تظهر قبل ستة الى ثمانية عشر شهراً من ظهور الإصابة. فتبدأ المرأة بالقول: هذا ليس زوجي الذي أعرفه منذ أربعين عاماً! والزوجة أو الزوج هما، لمعلوماتكم، أول من يكتشف هذه التغيرات عبر العلاقات الحميمة، فيكون الزوج مثلاً متحفظاً فيتحرر في الممارسة، أو يكون متحرراً فيتحفظ، وهذه التغيرات تطرح تساؤلات عند الطرف الآخر: ماذا يحصل؟ كان ينفث سيكارة بعد انتهاء العلاقة ولم يفعل! كان يقبلني لكنه ما عاد يفعل! ولأن الموضوع «تابو» حتى بين الزوجين لا تُصارحه بما تفكر ما يخلق لديها غضباً داخلياً مقروناً بحيرة وقلق لا يتبددان إلا حين تُشخص حالته طبياً بأنه مصاب بالألزهايمر!

غيرة وهلوسات
مريض الألزهايمر قد يشك كثيراً بشريكته ويغار عليها ويبدأ «يُهلوس» قصصاً ويُحيك روايات عن مؤامرات علاقات تفعلها من وراء ظهره مع بائع الغاز وبائع الخضار والحلاق… وهذه الاتهامات، التي تسبق غالباً تشخيص الإصابة، تُسبب المشاكل. وقد يبدأ المريض بالتحرش بالنساء اللواتي يزرن زوجته. وقد يقوم بمداعبات جنسية محرجة علنية، فيُقبل هذه ويضع يده على تلك، وربما يخلع ثيابه! ماذا تفعلون؟ توبخونه؟ تصرخون في وجهه: إنك تجرحنا؟ لا، لا تفعلوا هذا أبداً لأن التوبيخ سيجعله يتمرد ويُكرر غصبا عن الجميع الفعل الذي بدأه، كما لا تجعلوه يشعر أنكم تسخرون منه، طمئنوه بصوت هادئ، واصرفوا نظره الى شيء آخر جميل في الغرفة، وتشاوروا مع الاختصاصي الذي قد يصف له بعض الأدوية . 
اختصاصي طب الشيخوخة الدكتور ايلي اسطفان يحاول ان يساعد على ايجاد أعذار لما قد يفعل المريض: قد يخلع ثيابه مثلاً لأن السحاب يزعجه او لأن البنطلون ضيق أو لأن الحر شديد وربما يريد من خلال ما يفعل أن يشد اهتمام الآخرين وعاطفتهم.
أمر آخر لا بدّ من التطرق اليه وهو الحاجات الجنسية للمرضى الذين يوضعون في دور عجزة… ماذا عن هؤلاء؟ هل نمنعهم من ممارسة حقهم بالجنس إذا رغبوا به؟ هل نقمعهم؟
في أميركا، يُخبر الدكتور نجا، يُوقع من يشاء، في أي عمر وحالة كان، على ورقة يقول فيها: أريد أن أمارس الجنس حين أشاء مع شريكتي… فيوفر له مركز الرعاية الخصوصية ليفعل هذا، أما هنا، عندنا، فالأكل على الدوام والنوم على الدوام والاستيقاظ على الدوام… فكيف الحال مع ممارسة المسن الجنس؟!
أمر آخر تكلم عنه اسطفان وهو عجز شريك أو شريكة المرأة المصابة أو الرجل المصاب عن استيعاب الحالة!  فالرجل المريض قد يُدلل زوجته مسمياً إياها باسم آخر فيقول لها ندى وهي هند وهذا قد يجعلها تتضايق. لهذا يُفترض الإستعانة باختصاصي يُساعد على استيعاب الحالة. ويشرح اسطفان: يخسر من يساعد مريض  أو مريضة الالزهايمر، شريكته او شريكها، الشهوة الجنسية فيبتعدان عن ممارسة هذه العملية مع الشريك ما يُشكل ضغطاً إضافياً على المصاب. وهنا لا بدّ أن نذكر ان الألزهايمر قد يبدأ في عمر مبكر، وإن كان معدله يزيد كلما زاد عمر الإنسان، وهناك إمرأة من كل اثنتين فوق سن الخامسة والثمانين مصابة به.

ممارسة غرائزية
حين تموت الخلايا في الرأس تتعطل مناطق محددة في الدماغ، في جهة اليمين او في جهة الشمال… فهل هذا سبب أن بعض المرضى تشتد عندهم الرغبة الجنسية في حين ان البعض الآخر تقل؟ هل جهة الإصابة، مثل حجمها، تؤثر؟ وهل تعطل خلايا معينة لدى مريض الألزهايمر يجعل القوة تتركز في الخلايا الأخرى التي قد تكون الخلايا المحفزة على الممارسة الجنسية؟
الأمر الثابت علميا في هذه النقطة ان الممارسة الحميمة لدى مريض الألزهايمر قد تتحول أحياناً الى غرائزية تجعله يقوم بها أوتوماتيكياً، فلا يتعب ولا يشبع، وربما يكون خاضعا قبل الإصابة الى ضوابط اجتماعية جمة فيتفلت منها لهذا نراه ينشط جنسيا ويقوم بتصرفات ما كان يجرؤ على القيام بها يوم كان مدركا واعيا. في كل حال، ما يُعطي الرجال نقطة إضافية هو أن الرجل الذي يهتم بإمرأة مصابة يعتني بها، بحسب الدكتور نجا، أكثر مما تفعل المرأة مع رجل مصاب. ويقول: ألاحظ أن حالات التوتر أخف بكثير عند النساء المصابات بالألزهايمر اللواتي الى جانبهن أزواج يعتنون بهن! وهذه النقطة تدعونا الى التعمق أكثر، في أبحاثنا المقبلة، في الموضوع.
إحدى العاملات في دار للمسنين سألت الطبيبين: ماذا أفعل إذا صادفت مريض ألزهايمر يمارس العادة السرية؟ وماذا أفعل إذا صادفت رجلا يقوم بممارسات حميمة مع زوجته المصابة خلال زيارتها في دار المسنين؟ وسؤال ثالث هل العدائية المفرطة التي يقوم بها بعض مرضى الألزهايمر سببها الحرمان الجنسي؟
الحرمان هو طبعاً أحد احتمالات العدائية. أما إذا كان الزوج يداعب زوجته او كان المريض المصاب يمارس العادة السرية، فالحل بالنسبة الى الدكتور نجا، قد يكون أسهل بكثير مما تظنون: أطفئوا الضوء واغلقوا الستار الفاصل بين المرضى ولا تُظهروا اي عملية استهجان او غضب، فمن حق المريض أن يمارس هو أيضاً الجنس، والمداعبة التي يقوم بها الزوج قد تفيد نفسياً المرأة المصابة.
في الختام، مرض الألزهايمر لا يؤثر على العلاقات الجنسية، التي قد يكفي لإشباعها أحيانا بعض العناق والحميمية، وعلى موظفي مراكز رعاية كبار السن إدراك الحق الكامل لمرضى الألزهايمر في ممارسة الجنس، فهم وإن كانوا فاقدي الإدراك لكنهم ليسوا أطفالا نصفعهم على يدهم حين نشاء إذا أساءوا التصرف! وعلى شريك أو شريكة المصاب أو المصابة ان يتذكرا انهما اتفقا ذات يوم ان يكملا الرحلة معا في السراء والضراء… 

نوال نصر 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق