هل صحيح ان الغيرة على صحة الناس وحماية الدستور والميثاقية هما وراء هذا الصراع؟

أليس التمسك بالثلث المعطل كان السبب في عدم تشكيل حكومة تخلف حكومة تصريف الاعمال؟
هل صحيح ان الخوف على صحة الناس، وتسيير امور الدولة والمواطنين هما اللذان حتما عقد جلسة لحكومة تصريف الاعمال؟ منذ سنوات والبلد سائر الى الانهيار والفقر والجوع يعمان، وقد نهبت الودائع واقفلت المصالح والشركات وسادت البطالة، وترافق كل ذلك مع موجة قاتلة من الضرائب والرسوم التي فرضت عشوائياً ودون دراسة، حتى فاقت القدرة الشرائية للمواطن، ولم نسمع يوماً صوتاً من المسؤولين، يوصّف هذه الحالة ويعمل على علاجها. او انه مهتم فعلاً بالناس.
وهل صحيح ان الغيرة على الدستور والميثاقية والمعايير وغيرها من الالفاظ الطنانة الرنانة، هي وراء معارضة عقد جلسة للحكومة؟ لماذا لم يرتفع الصوت يوم كان الدستور ينتهك مرات ومرات في اليوم الواحد، وعلى ايدي «حماته»؟ فمن اين نبعت هذه الغيرة المفاجئة؟
ان القضية لا تتعلق لا بمصالح الناس، ولا بالدستور والميثاقية، بل انه صراع على النفوذ والامساك بالقرار. فمن يمسك بالسلطة لسنوات يصعب عليه التخلي عنها، لا من هذا الطرف ولا من ذاك. وهذا الكباش المدمر يدفع ثمنه المواطنون الذين غرقوا الى تحت تحت جهنم ولا من يسأل عنهم. فالمسؤولون يسعون وراء مصالحهم الخاصة فقط، ولا يهمهم امر الاخرين. يوم تشكلت هذه الحكومة جرى تأكيد بان اي طرف لم يحصل فيها على الثلث المعطل، ولما اشتدت الحاجة اليه برز بوضوح، وصوت تسعة وزراء ضد عقد جلسة للحكومة وهددوا بمنعها. ولكن رئيس الحكومة لم يستسلم واستمر في اتصالاته الى ان أمن الثلثين وعقد الجلسة، وربح جولة على محاربيه. وجاء احد الوزراء، وقد شرب حليب السباع، فهدد وتوعد وطلب وقف الجلسة وعدم عقدها، الا ان اعتراضاته لم تلق اي اهتمام فغادر بعد ساعة. نعود الى الثلث المعطل الذي رافق الحياة السياسية طوال العهد الماضي. اليس هو ما حال دون تشكيل حكومة تخلف حكومة تصريف الاعمال؟ فلماذا هذا الاستخفاف بعقول الناس؟ لماذا لا تظهر هذه الغيرة لسد الفراغ الرئاسي المدمر، فيُنتخب رئيس يكون على مستوى المرحلة، فيدير امور البلد ويعيده الى السكة الصحيحة، بعدما انحرف كثيراً عن خطه، حتى تخلى عنه الجميع؟ لماذا يواصل المعارضون والمعطلون لانتخاب رئيس استخفافهم بهذا الاستحقاق الدستوري المهم. لو كانوا حقاً يهتمون بالبلد وبالدستور لتخلوا عن الورقة البيضاء مرشحتهم الدائمة في كل جلسة.
انتهت المعركة ولم يتوقف الكباش، واسفرت عن غالب ومغلوب، وهذا يزيد الطين بلة ويفاقم الصراع والتعطيل. والخاسر الاول هما الشعب والبلد. لقد اثبتنا مرة جديدة اننا قاصرون واننا بحاجة الى قوة خارجية عادلة تمسك بيدنا وتقودنا الى طريق الصواب، ومن هنا كانت دعوة البطريرك الماروني بشاره الراعي الى عقد مؤتمر دولي من اجل لبنان، ينتشله مما هو فيه. لماذا لا تظهر هذا الغيرة على الوضع المنهار، فيتكاتف الجميع ويعملون من اجل انهاضه رأفة بالمواطنين الذين وصلوا الى اسوأ الدرجات، وهم متروكون للقضاء والقدر.
لقد عقدت اللجان النيابية جلسة اخرى، وواصلت مناقشة مشروع قانون الكابيتال كونترول، هذا القانون الذي فقد كل مفاعليه بعد مضي اكثر من ثلاث سنوات على طرحه، فنام في الادراج وسمح بتهريب الاموال الى الخارج، وقضى على ودائع وجنى عمر شعب بكامله. بدون اي محاسبة بل على العكس، اذا حاول احد المودعين الحصول على امواله او حتى على جزء منها، يعتقل ويودع السجن. ولو كان عندنا عدل لدخل من بددوا اموال الناس السجون فلا يخرجون منها الا بعد ان يعيدوا الحق الى اصحابه. ولكن من هي الجهة التي يمكن ان تقوم بذلك وتطبق القانون، وهي المتهمة الرئيسية والمسؤولة الاولى عن افقار الشعب؟ الامل بالانقاذ ضعيف ان لم نقل انه معدوم في ظل منظومة لا تفكر الا بنفسها.
المطلوب حالياً مصالحة شاملة بين كل القوى السياسية وتجمعها عند هدف واحد «انقاذ البلد» حتى اذا استقامت الامور وعاد الوضع الى حالته الطبيعية، نكون قد سرنا على الطريق الصحيح. فهل يرضى السياسيون بالتخلي عن انانياتهم من اجل هذا البلد؟