رئيسيسياسة عربية

الامن العام فتياً صلباً في الـ 68

اراد المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم، ان يكون عيد التأسيس استثنائياً حدثاً وحديثاً، لجهاز ما فتىء فتيّاً صلباً على رغم سنيه الثماني والستين. فكان التنظيم متميزاً على صورة الجهاز الذي شكل في العامين ونيف الاخيرين احد صمامات الامان – السياسي – الامني – الاجتماعي، سبقته حملة اعلامية، اركانها كتاب «سر الدولة» واطلاق مجلة الامن العام – اريد لها ان تنصرف عن القالب الرسمي الجامد نحو الاعلام التفاعلي- واعلانات ميّزها شعار «الامن سر البقاء».
 


انصرف اللواء عباس ابرهيم، منذ تعيينه مديراً عاماً لجهاز الامن العام في الثامن عشر من تموز (يوليو) 2011، الى المأسسة. فوضع خطة تطويرية قصيرة ومتوسطة المدى لهيكلة كل المديرية، وسعى الى زيادة العديد من خلال تطويع ضباط وعناصر وتطوير العتاد والمعدات لمواكبة خطة النهوض بالمؤسسة. استحدث دوائر إقليمية وحدودية جديدة للأمن العام بعدما استشف شكاوى وملاحظات على صعيد الخدمات والمعاملات، عمل على بلورتها للنهوض بمستوى الخدمات المطلوبة بالسرعة الممكنة ولتسهيل شؤون المواطنين والمقيمين. أعطى أوامره لتمديد العمل يوم الأربعاء من كل اسبوع حتى الخامسة بعد الظهر بدلاً من الثانية، كما رفع عدد الدوائر الاقليمية في المديرية العامة للأمن العام، بحيث أصبحت كل دائرة دائرتين أولى وثانية في جبل لبنان والجنوب والشمال والبقاع.
تمكن الجهاز – المؤسسة ، من تكريس دور متقدم له على مستوى الامنين السياسي والاجتماعي، معطوفاً على تفكيك عدد كبير من شبكات الارهاب والتفجير، بفعل آلية العمل المعتمدة القائمة في الاساس على حسن توظيف ما يملك الجهاز من قدرات بشرية وتقنية، وعلى حسن استثمار مروحة واسعة من العلاقات العربية الدولية التي راكمها ابرهيم على مرّ اعوام خدمته في المؤسسة العسكرية ، وفي مديرية الاستخبارات العسكرية تحديداً.
زادت الحرب في سوريا من الحمل، من غير ان ينوء تحتها الامن العام. فالتحديات كثيرة ومتشعبة، من استحقاق النازحين السوريين، ومسألة مخطوفي اعزاز والمطرانين يوحنا ابرهيم وبولس اليازجي، الى مكافحة الشبكات الارهابية والتفجيرية، وآخرها شبكة الناعمة والسيارة المفخخة التي كانت تعدها. وبين السياسة وامنها، اولوية احترام حقوق الانسان، وفي الصلب طبعاً العامل الاجنبي والعمال في الخدمة المنزلية وايجاد حل لمسألة سجن العدلية.
من الانجازات المسجّلة، معالجة ملف خطف الآستونيين السبعة، وإعادة جثث اللبنانيين وأحد الفلسطينيين الذين قضوا في تلكلخ وتسليمها الى ذويها برفقة مشايخ من دار الفتوى، تحرير المخطوفين التركيين وتسليمهما الى السلطات التركية بواسطة السفير في لبنان، تسلم الأمن العام من السلطات السورية المواطن اللبناني حسان سرور الذي كان في عداد مجموعة تلكلخ ونقله الى لبنان.

التأسيس والصلاحيات
أنشىء الأمن العام في العام 1921 وسمّي آنذاك بالمكتب الأول استناداً الى القرار رقم 1061، تلاه صدور قرارات ومراسيم تنظيمية ليصبح الأمن العام مصلحة في العام 1945 يرأسها ادوار أبو جوده. القانون 48/65 عدّل المرسوم 139 الصادر في العام 1959 وكرّس الأمن العام مديرية عامة ترتبط بوزير الداخلية مباشرة ويرأسها مدير عام الأمن العام. وتعاقب على إدارة الأمن العام اللبناني منذ انشائه كل من: إدوار أبو جوده، الأمير فريد شهاب، العميد توفيق جلبوط، جوزف سلامة، العميد الركن انطوان دحداح، الأمير فاروق أبي اللمع، زاهي البستاني، الدكتور جميل نعمة، اللواء نديم لطيّف، ريمون روفايل، اللواء الركن جميل السيد، اللواء الركن وفيق جزيني واللواء عباس إبرهيم. (راجع صفحة 45).
ناطت المراسيم التنظيمية والقوانين بالأمن العام صلاحيات: جمع المعلومات السياسية، الأمنية، الاقتصادية، والاجتماعية لمصلحة الحكومة، هو مصدر ثقة أكيد على تماس مباشر مع رئيس الجمهورية يرفع إليه كل المعلومات بعد تقويمها وتحليلها، ومن مهامه التقنية الخاصة: مرافقة رجال الدولة اللبنانيين، مراقبة السياسة العامة ومراكز الحدود والأشرطة السينمائية، إعطاء جوازات مرور، التأشير على جوازات السفر لدخول لبنان وإصدار جوازات السفر اللبنانية. يتابع شؤون إقامة الأجانب، يتولى تنظيم وإصدار وثائق سفر اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أو الواردة من الخارج والاشراف على كل المعاملات العائدة لط
لبات التجنس والأحوال الشخصية.

 اللواء ابرهيم
وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان قد رعى في الخامس من ايلول (سبتمبر) الاحتفال الذي اقيم لمناسبة العيد الـ 68 للامن العام، في مقر المديرية في المتحف. في بداية الاحتفال، تم عرض شريط وثائقي لخص تاريخ الامن العام وأهم انجازاته منذ نشأته. ثم تحدث اللواء عباس ابرهيم في كلمته عن  الامن العام «المؤسسة الوطنية التي انخرطت في خدمة لبنان، كل لبنان، وفي خدمة اللبناني، كل لبناني، انطلاقاً من ايمانها بقاعدة التكامل بين الدولة والمواطن، سبيلاً إلى بناء الوطن الذي نطمح جميعاً إلى الحفاظ عليه. وطن حوار تسوده كلمة سواء بين مكوناته الدينية والاجتماعية، مما يعزز دوره الرسالي وقدرته على ابتعاث دينامية تفاعل وتلاق بين الأديان السماوية والحضارات العالمية تحت سمائه، وضمن حدوده التي تخطت حيزها الجغرافي الضيق الى رحاب الكون. وقد يكون هذا المشهد أوحى للشاعر شارل قرم ان يكتب جبله الملهم ملخصاً دور لبنان: لم أر وطناً في هذا الحجم ولا قدراً في هذا الإتساع». ولفت الى ان «مواكبة الأمن العام تطور النظام اللبناني، باندفاعاته وكبواته، جعلته يضطلع بأدوار كبيرة في المرحلة الماضية التي شهدت أحداثاً خطيرة وهددت الكيان في أسس وجوده».
وقال: «إن الأمن العام، بشهادة الوثائق المحفوظة والمعلومات الموثقة والشهود الذين عاينوا الأحداث وأدركوا أسرارها، شكل الجهاز الوطني لاستشعار الأخطار الوافدة عن بعد على لبنان، ورصد نبض الشارع، وإخترقت أذنه الجدران السميكة، فكتب ونبه ودل إلى مواطن الخلل على مستوى الدولة والمجتمع، ونصح وإقترح الحلول. كان يجد حيناً آذاناً مصغية، وفي غالب الأحيان الحارث في البحر». واشار الى أصعب لحظات في تاريخ المنطقة ولبنان، فـ «أمواج الإنقسام العاتية تضرب مجمل البلدان الشقيقة، ولا أخالني مخطئاً إن قلت ان الدور ربما سيكون لمن لم يصل إليه الموج بعد. العدو الاسرائيلي يقف فرحاً مزهواً بعدما حرفنا البوصلة بملء إرادتنا عن إتجاهها الصحيح، وبعدما بلغ عالمنا العربي ما بلغ من قدرة على الإنتحار وهدر الطاقات والدماء والأنفس في الإتجاهات الخاطئة والمواقع المريبة. وتحول الحلم بالتغيير الى كوابيس مرعبة للشعوب الشقيقة التواقة الى الحرية والديموقراطية والعدالة. وفي هذه اللحظة، ينقسم اللبنانيون في ما بينهم، ويضيعون فرصة تاريخية للعب دور المبادر والمضمد للجراح، والساعي الى وحدة الأخوة، فإذا إبداعنا ينهار على أبواب السياسات المرتدية أثواب الطائفية والمذهبية».

العماد سليمان
وقال العماد ميشال  سليمان: «ليس الأمن العام مؤسسة أمنية فحسب، بل كان منذ الإستقلال وما زال رافداً من الروافد الأساسية التي تغني مسيرة بناء الدولة وديمومة نظامها الديموقراطي والعين الساهرة للسلطات الدستورية والرسمية، ولها دور كبير في العمل التنظيمي والخدماتي وضبط الخروج والدخول من والى لبنان ومراقبته، وفي مكافحة أعمال التجسس وكشف الخلايا الإرهابية والمشاركة في تعقب منفذي جرائم التفجير وإطلاق الصواريخ المتنقلة من الضاحية الى طرابلس والى مناطق آمنة أخرى». وهنأ الامن العام بـ «المدير العام لمؤسستكم لجهوده في القضايا الوطنية وعمله المؤسساتي المشرف. هذا فضلاً عن المهام الاضافية المنوطة به للتنسيق مع اجهزة امنية خارجية في عدد من القضايا ونخص منها بالذكر قضية مخطوفي اعزاز التي حان الوقت لانهاء معاناتهم والتي نعمل على متابعتها باستمرار. إن مؤسساتنا العسكرية تستحق أن تحظى باهتمامنا الكامل لتأمين احتياجاتها الأساسية ومستلزمات تطورها، وهي في صلب أولوياتنا كمسؤولين وكمؤسسات دستورية للاستمرار في خطة دعمها وتجهيزها، وذلك بالتلازم مع تطبيق استراتيجية وطنية شاملة للدفاع الوطني من خلال تنمية القدرات الوطنية والديبلوماسية والعسكرية والإستفادة من قدرات المقاومة في التصدي لآلة الحرب الإسرائيلية ووقف اعتداءاتها على أرضنا وخرقها لسيادتنا». وتحدث عن الأخطار الخارجية التي «تتمثل بالعدو الإسرائيلي والإرهاب الدولي، فإسرائيل التي ترى في النموذج اللبناني خطراً على كيانها العنصري، ما زالت مستمرة في محاولاتها لزرع الفتنة بيننا وفي إعتداءاتها على سيادتنا غير مبالية بالقانون الدولي وبقرارات الشرعية الدولية، وإلارهاب أصبح عابراً للدول ويزرع الرعب والخوف والفوضى في كل مكان، وما الشبكات الإرهابية وأعمال التفجير وإطلاق الصواريخ وعمليات الخطف على انواعها سوى عينة عما يخططه الإرهاب الدولي لبلدنا.
وأخطار داخلية ناتجة عن الإنقسام السياسي الأعمى، والحسابات الظرفية والقراءات الملتبسة والرهانات الخاسرة، على ما يجري في محيطنا العربي ولا سيما في الشقيقة سوريا، وإن أخطر ما في هذه الرهانات إقتناع كل طرف بأن مصلحة الوطن ترتبط قطعاً بوصول فريقه الى السلطة فتستقيم عندها المؤسسات ويسود الأمن وتعلو كلمة القضاء. وكأن ذلك يمكن أن يحصل بين ليلة وضحاها أو بسحر ساحر».

الاخطار
واشار الى ان «التصدي لهذه الأخطار هو مسؤولية جماعية تنطلق من التسليم بسيادة حكم القانون وإحترام الدستور، فعلى القادة السياسيين تأمين الحد الأدنى من الإتفاق على بناء البيت الوطني الواحد والجامع والإيمان بمؤسسات الدولة والحفاظ على ديمومتها، لأن العمل المؤسساتي هو الضمان الدائم لسير عجلة الدولة في كل الظروف، فاذا كانت السياسة تتبدل وتتغير وفق المصالح فإن المؤسسات تبقى ثابتة ومثابرة على تأمين احتياجات المواطنين وإدارة شؤونهم من دون أن تتأثر بالخلافات السياسية ولا بالتعثر السياسي أو الفراغ في المؤسسات الدستورية. وعلى المسؤولين الرسميين العمل على تأمين الحكم الرشيد بتعزيز مفهوم الشفافية والمساءلة في وقت واحد، ففي غياب الشفافية لا إمكان للمساءلة، وما لم تكن هناك مساءلة فلن يكون للشفافية أي مظهر. وهذا يستوجب وجود رقابة إدارية صارمة من داخل المؤسسات الرسمية بدءاً من البرلمان وصولاً الى الأجهزة الرقابية والقضائية، كما يستوجب وجود رقابة غير رسمية من المجتمع المدني ومن المواطنين أنفسهم.
ولكن الدور الأهم الذي يبقى دائماً المحور الأساس للعمل المؤسساتي، هو دور القادة والرؤساء التراتبيين الذين عليهم تطبيق القوانين والأنظمة النافذة وقبول النتائج باقتناع وبشكل طوعي حتى ولو كانت غير متوافقة مع مصلحة الرئيس أو الأفراد أو مرجعياتهم المتنوعة».

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق