أبرز الأخبار

غزة: ارتفاع حجم الخسائر البشرية يحرج تل ابيب فتعيد انتشارها وحماس ترفض وقف نار من جانب واحد

تشير قراءات سياسية الى ان حركة حماس حققت نجاحات لافتة في المجال السياسي. وان ما كان يواجهها من مصاعب جمة قبل بدء العدوان الاسرائيلي الواسع على قطاع غزة، تحول الى مكاسب سياسية في مواجهة اسرائيل رغم الخلل الكبير في ميزان القوى العسكري بين الطرفين. غير ان قراءات اخرى ترى عكس ذلك، وتنظر الى المسألة من زاوية ان العملية بمجملها بمثابة «انتحار» محكوم بالخلل القائم في موازينن القوى.

بعد اطاحة الرئيس المصري محمد مرسي في تموز (يوليو) 2013 بدت حركة حماس التي تصنف كذراع منبثق عن جماعة الاخوان المسلمين معزولة وضعيفة، خصوصاW مع تسلم عبد الفتاح السيسي العدو اللدود لهذه الجماعة مقاليد السلطة في مصر.
ومما زاد في تعقيدات الموقف بالنسبة الى حركة حماس، اسراع السلطات المصرية الى اقفال انفاق التهريب بين قطاع غزة ومصر وزيادة فترات اغلاق معبر رفح ما ادى الى خنق هذا القطاع اقتصادياً وهو الخاضع اصلاً لحصار اسرائيلي خانق منذ العام 2006.
وبدأ التذمر يطاول السكان بسبب هذا الحصار حيث لم تعد حماس قادرة على دفع رواتب نحو 40 ألف موظف، ولا على مواجهة بطالة ضربت نحو 40 بالمائة من اليد العاملة.
المكاسب السياسية التي تحققت تتمثل بان العزلة التي اصابت الحركة تحولت الى مكانة تمثلت بتوجه اطراف دولية واقليمية الى التفاوض معها، في حين وجدت الحركة نفسها في موقف يجعلها قادرة على فرض شروط معينة، ويجري التعاطي معها بصيغة او باخرى. ومن خلال مفاوضات مباشرة او غير مباشرة.

احراج اسرائيل
ساعد على ذلك الازمة الداخلية التي تعيشها حكومة اسرائيل، والحرج المتزايد بحكم ارتفاع كم الخسائر البشرية ليس في صفوف الجيش الاسرائيلي فحسب، وانما في صفوف المدنيين الفلسطينيين من ابناء القطاع.
فسقوط اعداد كبيرة من الضحايا المدنيين من ابناء القطاع من شأنه ان يثير حفيظة العالم ومنظمات المجتمع المدني. ويحرك الشارع العربي والاسلامي للضغط على الحكومات من اجل اتخاذ مواقف متشددة تجاه الازمة.
وسقوط اعداد كبيرة من القتلى في صفوف الجيش الاسرائيلي يؤدي الى وقوع حكومة نتانياهو في الحرج
، وارتفاع وتيرة المعارضة. وفي الوقت نفسه تثير التذمر في صفوف العسكريين الذين يتم ارسالهم الى الجبهة.
غير ان حكومة تل ابيب تلجأ الى التلاعب في الكثير من الاشياء، ومنها – على سبيل المثال – اخفاء الارقام الحقيقية للخسائر البشرية. وفرض حظر على النشر بخصوص المعلومات المتعلقة بالقتلى. والاقتصار على ما يصدر عن الناطق العسكري. مع ان ما يتم الاعتراف به يقل عن نصف الخسائر الحقيقية بحسب تأكيدات اصدرتها مرجعيات تابعة للمقاومة.
اما بخصوص معنويات الجنود التي تؤكد تقارير متابعة انها باتت منهارة، وانها ادت الى فرار المئات من الجنود من الخدمة العسكرية في الجبهة، فقد تم التحايل عليها بطريقتين، الاولى: الاعتماد على المرتزقة في مهمات قتالية خاصة، وبعد تقديم مغريات للذين تم الاتفاق معهم على تنفيذ تلك المهام.
والثانية،  اعتماد اسلوب اعادة الانتشار، واللجوء الى تبديل الطواقم بين كل فترة واخرى. واطلاق مسميات «اعادة الانتشار» على تلك العمليات.
غير ان المدققين في تفاصيل المشهد يعتقدون ان تل ابيب بلغت حداً واضحاً من الاحباط، وصولاً الى تسريب معلومات عن توجه لانهاء تلك الحرب من طرف واحد، بحكم الخسائر الكبيرة من جهة، وعدم القدرة على تحقيق الاهداف المعلنة. لكنها تحاول تحشيد جهات دولية لدعم مطلبها الرئيس المتمثل بنزع سلاح حركة حماس. وهو المطلب الذي تحاول الولايات المتحدة تبنيه نيابة عن نتانياهو وحكومته. كما تحاول ارسال مذكرة الى مجلس الامن من اجل تبني ذلك المقترح.

الانسحاب من غزة
في السياق، ذكرت تقارير اذاعية ان بعضاً من القوات الاسرائيلية بدأت في الانسحاب من مناطق حضرية في قطاع غزة وسط توقعات بسحب المزيد. والمحت إسرائيل إلى أنها تستعد لإنهاء الحرب من جانب واحد على غزة فيما قالت إنها لن تحضر المفاوضات التي تستضيفها مصر لعقد هدنة جديدة. وأعلن الجيش الإسرائيلي عن سحب قواته من بعض مناطق أطراف قطاع غزة لأول مرة منذ توغلها في 17 من الشهر الماضي في القطاع. وقال مسؤولون إسرائيليون لوسائل إعلام محلية إنهم سيسعون لإنهاء الصراع، المستمر منذ ما يقرب من أربعة أسابيع، دون التعامل مع حماس، بمجرد تحقيق أهداف معينة.
ونقلت صحيفة هآرتس عن مسؤولين كبار قولهم بعد اجتماع لمجلس الوزراء استمر خمس ساعات «نحن لا نعتقد أن هناك جدوي من أي ترتيب سياسي في الوقت الحالي، ونحن نبحث التركيز في إنهاء العملية على الردع وحده».
في غضون ذلك، وصل إلى القاهرة وفد فلسطيني برئاسة عزام الأحمد للمشاركة في مفاوضات التهدئة.
واعتبرت حركة حماس أن قرار الحكومة الإسرائيلية بعدم إرسال وفد إلى القاهرة للتفاوض على اتفاق لوقف إطلاق نار دائم في قطاع غزة يمثل «استخفافاً بالجهود الدولية والعربية وإمعاناً بالإجرام ضد شعبنا».
وقال القيادي في الحركة مشير المصري إن الموقف الإسرائيلي يعد دليلاً على الارتباك والعجز أمام المقاومة الفلسطينية ومحاولة للهروب من استحقاقات مطالبها في أي تهدئة.
وحذر المصري من تداعيات إقدام إسرائيل على انسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة دون اتفاق متبادل لوقف إطلاق النار مع الفصائل الفلسطينية. وقال في هذا الصدد إن المقاومة سيكون لها اليد الطولى في مواجهة أي انسحاب إسرائيلي أحادي دون الاستجابة للمطالب الفلسطينية. وأضاف أن هذا السيناريو لن يوفر الأمن والامان للاحتلال.
وشدد قيادي حماس على أنه لا خلاص لإسرائيل أمام عجزها أمام المقاومة وضرباتها سوى بالاستجابة لمطالبها الإنسانية المتعلقة برفع الحصار وإنهاء الظلم الواقع على سكان قطاع غزة.

تواصل حمام الدم
ولم تصمد التهدئة الانسانية التي اعلنت في قطاع غزة صباح الجمعة اكثر من بضع ساعات، فتواصل حمام الدم وتجاوزت حصيلة الضحايا الفلسطينيين منذ بدء العدوان سقف 1670، فيما اكدت كتائب القسام عدم امتلاكها اي معلومات عن الجندي الاسرائيلي المفقود.
وقالت إسرائيل انه «بتأييد من الولايات المتحدة» وفي وجود هدنة او عدم وجودها، فإن قواتها ستواصل عمليات هدم الأنفاق التي استخدمتها حماس في هجمات عدة عبر الحدود. وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه حدد موقع أكثر من 30 نفقاً وعشرات المخارج ونسفها. وقال اللفتنانت بيتر ليرنر المتحدث باسم الجيش «نرى أن أهدافنا وعلى رأسها تدمير الأنفاق اقتربت من التحقق».
وقال نائب وزير الخارجية الإسرائيلي تساحي هانجبي لقناة التلفزيون الثانية الإسرائيلية انه لا يمكن الثقة بأن حماس ستكون عند كلمتها. ولا «يمكنهم وقف القصف لأن وقفاً لإطلاق النار في هذه المرحلة سيكون أسوأ هزيمة ممكنة بالنسبة لهم سواء تم التوصل إليه بترتيب أو دون ترتيب».
وكانت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس اكدت أنها اشتبكت مع قوات إسرائيلية توغلت في شرق رفح قبل بدء سريان وقف اطلاق النار الذي أعلنت إسرائيل أنه انتهى بعدما اتهمت حماس بانتهاكه.
وقالت إسرائيل إن قواتها البرية ستستمر في مهمتها الرئيسية وهي تحديد موقع أنفاق يستخدمها نشطاء حماس لشن هجمات عبر الحدود وتدميرها بغض النظر عن أي وقف لاطلاق النار.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه حدد موقع أكثر من 30 نفقاً وعشرات المخارج ونسفها.
وقال اللفتنانت بيتر ليرنر المتحدث باسم الجيش «نرى أن أهدافنا وعلى رأسها تدمير الأنفاق اقتربت من التحقق». وترى حماس في مثل هذه التحركات الإسرائيلية استفزازات محتملة.

اطلاق صواريخ
وقالت كتائب القسام «لقد أبلغنا الجهات الوسيطة التي شاركت في ترتيب وقف إطلاق النار الإنساني بأننا نوافق على وقف إطلاق النار تجاه المواقع التي نستهدفها في المدن والبلدات الصهيونية ولكننا من الناحية العملياتية لا يمكننا وقف النار تجاه القوات المتوغلة في القطاع والتي تعمل وتتحرك طوال الوقت حيث إنه يمكن لأي قوة متوغلة الاصطدام مع كمائننا وذلك قطعاً سيؤدي إلى حدوث الاشتباك» .
واعلنت حماس إنها أطلقت صواريخ بعيدة المدى على مدينتي حيفا وتل أبيب. ولم تعلن إسرائيل استهداف حيفا بالصواريخ لكن الجيش قال إن منظومة القبة الحديدية اعترضت صواريخ في تل أبيب ومدينة بئر السبع الجنوبية. ولم يصب أحد في اطلاق الصواريخ.
وكان من بين أهداف الغارات الجوية الإسرائيلية مبنى في حرم الجامعة الإسلامية بمدينة غزة.
ونقلت وسائل اعلام إسرائيلية عن مسؤولين حكوميين لم تذكر أسماءهم قولهم إن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير الحرب موشي يعلون سيستمران في نهج العمليات الإسرائيلية حالياً أي أنه بدلاً من التصعيد فإنهما سيستمران في البحث عن الأنفاق وتدميرها. وتوقع الجيش الإسرائيلي أن ينتهي من مهمة تدمير الأنفاق في غضون أيام.
الى ذلك، توقفت مصادر تحليلية عند قدرة المقاومة على الاستمرار في المواجهة. حيث ساد اعتقاد بان المقاومة استنفذت امكاناتها خلال الفترة السابقة.

مواصلة المواجهة
الجدل استند الى كم من الفرضيات اثارتها تصريحات لمسؤولين ايرانيين اشاروا الى ان ما استخدمته حركة حماس من اسلحة وامكانات حتى اللحظة لا يتجاوز عشرة بالمائة من مخزونها. وفي الاثناء، قالت المقاومة الفلسطينية، إنه في حال انسحب الاحتلال الاسرائيلي من جانب واحد فإن ذلك «لن يلزمنا بشيء»، وان الميدان هو من يقرر كيفية الرد، مؤكدة بلسان المتحدث باسم حركة حماس سامي أبو زهري «أن المقاومة قادرة على مواصلة المواجهة رغم مرور 27 يوماً من القتال».
وقال: «على الاحتلال أن يختار ثم يدفع الثمن إما أن يبقى في غزة ويدفع الثمن، أو ينسحب من طرف واحد ويدفع الثمن، أو يفاوض ويدفع الثمن». وتابع: «سنتفاجأ من حجم الهزيمة النفسية التي يعيشها المحتل في الساعات المقبلة».
من جهته، أكد رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو، أنه لن يقبل بأي اتفاق لوقف إطلاق النار، ما لم يتضمن تدميراً كاملاً للأنفاق التي تنطلق من قطاع غزة، رغم انتقادات الأمم المتحدة الشديدة بسبب الخسائر الكبيرة في أرواح المدنيين، في حين وافقت الإدارة الأميركية على فتح مخازن الطوارىء التابعة للجيش الأميركي، لتزويد الجيش الإسرائيلي بالأسلحة التي يحتاجها، بعد قرار إسرائيل توسيع العدوان، واستدعاء 16 ألف جندي احتياط جديد للمشاركة في العدوان، ليصل عدد جنود الاحتياط المجنّدين في الاسابيع الأخيرة إلى 86 ألف جندي.
وقال نتانياهو في افتتاح جلسة خاصة لحكومته، إن جيشه «يواصل عملياته في هذه الأثناء بكل قوة في كل أنحاء قطاع غزة. كما يستكمل الجيش إبطال مفعول الأنفاق الإرهابية والقدرات التي أعدتها حماس بحفر هذه الأنفاق التي كانت تسمح لها بخطف وقتل مواطنين وجنود من خلال شن هجمات متزامنة تنطلق من أنفاق كثيرة تمتد إلى داخل أراضينا. والآن نقوم بتفكيك هذه القدرات»، حسب تعبيره.
وتابع نتانياهو قائلاً، لقد «قلت في بداية الحملة العسكرية إنه لا توجد ضمانات لتحقيق النجاح نسبة 100% كما منظومة «القبة الحديدية» لا تعطي رداً مطلقاً على اطلاق الصواريخ ولكن على الأرض حققت عمليات الجيش نتائج ملحوظة وهذه العمليات تستمر بكل طاقتها في هذه اللحظات أيضاً». وقال: «لغاية الآن دمرنا العشرات من الأنفاق الإرهابية ونحن مصممون على استكمال هذه المهمة، مع وقف اطلاق النار أو من دونه». واضاف: «ولذا لن أقبل بأي مقترحات لا تمكّن الجيش من استكمال هذه المهمة بالنسبة الى أمن المواطنين الإسرائيليين».

تزويد اسرائيل بالسلاح
من جهتها، قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن الإدارة الأميركية وافقت على فتح مخازن الطوارىء التابعة للجيش الأميركي الموجودة في إسرائيل، وسمحت للجيش الإسرائيلي بالتسلح بقذائف راجمات 120 ميلليمتراً، وبقنابل وصواعق لراجمات 40 ميلليمتراً، وبذخيرة أخرى وصفت بأنها حيوية.
وقال بيان صادر عن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون»، إن ما طلبته إسرائيل متوفر في مخازن الطوارىء الأميركية منذ سنوات، وأضاف، أن «الولايات المتحدة ملتزمة بأمن إسرائيل، وأن مساعدة إسرائيل في تطوير وامتلاك قدرات دفاعية مستقلة وقوية يعتبر حيويا للمصالح القومية للولايات المتحدة»، مشيراً إلى أن تسليم الذخيرة للجيش الإسرائيلي يتماشى مع هذه المصالح.
وكانت منظمة العفو الدولية حثت الولايات المتحدة على وقف إمداد اسرائيل بالأسلحة.
وقالت في عريضة وجهتها الى وزير الخارجية الاميركي جون كيري «لقد آن الأوان للحكومة الاميركية لكي تعلق نقل اسلحة الى اسرائيل والسعي لفرض حظر دولي على الأسلحة الى كل اطراف النزاع».
وفي طهران، أكد قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني اللواء قاسم سليماني ان نزع «سلاح المقاومة وهم لن يتحقق» وحث حركة حماس في غزة على تكثيف عملياتها ضد اسرائيل متوعداً برد «في الوقت المناسب».
تلك التصريحات المتقاطعة تؤكد تشعب الموقف، ودخول اطراف اخرى على الخط، ما يعني ان العملية التي بدأت بقرار من طرف واحد او طرفين، لن يكون من السهل اختتامها بحكم تعدد الاطراف. وصعوبة توافقها على راي موحد. اما انهاء العملية بقرار احادي، ومن طرف واحد فيعني مشكلة اكبر واخطر من ان يتوققع احد.

احمد الحسبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق