أبرز الأخبار

العراق: صفقة اميركية – ايرانية ام فصل جديد من الربيع العربي؟

هل هي صفقة فعلاً؟ ام مجرد صيغة جديدة من صيغ الربيع العربي؟
سؤال يطرح بقوة في ضوء المعادلات التي تطفو على سطح المشهد العراقي، بخياراته المحدودة، وقراءاته الهشة، وهو المشهد الذي ما زالت اطراف سياسية فاعلة تبدي عجزها عن قراءة تفاصيله بدقة وعمق، والوصول الى تصورات شاملة يمكن اعتمادها في بناء موقف محدد، واتخاذ اجراءات وترتيبات تتلاءم مع الحدث.

المعطيات المتاحة تؤشر على ان المسلحين، وبغض النظر عن مرجعياتهم، وانتماءاتهم، اصبحوا على مسافة قريبة من العاصمة بغداد. والتقارير تتحدث عن هجوم وشيك لاقتحام العاصمة، الامر الذي يدفع مؤشر القراءات الى الجزم بحدوث شلال دم. حيث تستميت قوات المالكي في الدفاع عن العاصمة، وتبدي استعدادها لتدمير كل ما يتحرك على الارض حماية لذلك الهدف الاستراتيجي. فالملف –  إذاً – جاهز لكم من التطورات المثيرة، والدموية في البعد الداخلي. اما في البعد الخارجي فقد شهدت المنطقة ككل استعدادات مكثفة، والى الدرجة التي اصبحت العديد من الجيوش على اهبة الاستعداد للتدخل كل لهدفه الخاص بدولته.
فالاردن، اطلقت صافرة الانذار استعداداً لاي طارىء، ومن اجل استخدام اقصى قوة ممكنة لمواجهة اي موقف دفاعاً عن النفس، ومواجهة مبكرة لاية اطماع تبديها حركة داعش او اية تنظيمات اخرى. وسوريا حولت مجهودها الحربي في اتجاه تطورات الملف العراقي. وتركيا اصبحت جاهزة للدفاع عن مصالحها، بدءاً من الدبلوماسيين الذين تشير بعض المصادر الى انهم محتجزون من قبل اطياف تنظيمية. وانتهاء بفرضيات تاريخية لها علاقة بالحلم العثماني.  والجيش الايراني جاهز للتدخل لاغراض لها علاقة بالعامل العقائدي الايراني.

اهداف مخفية
وسط تلك الاهداف المعلنة من غير المستبعد ان تكون هناك اهداف اخرى غير معلنة وخصوصاً للجانبين الايراني والتركي. وقراءات تؤشر على احتمالية تدخل هذه الاطراف لصالح تلك الاهداف والتي قد تكون مرتهنة بحلم عقائدي او غير ذلك. لكنها قد تكون مجرد مشروع احتلالي.
كيف؟   
ليس مجرد سؤال، وانما معطيات ترسمت على الارض، وتحولت الى تحليلات وتقديرات مفادها ان ما يجري في العديد من مناطق العراق انما هو مجرد اعراض لما يطبخ في موقع آخر.
هنا، وقبل الدخول في تفاصيل تحليلية، يمكن التوقف عند تصريحات ادلى بها وزير الشؤون الخارجية الاماراتي احمد قرقاش، فوصف ما يجري في العراق بانه فصل جديد من فصول الربيع العربي.
وفي المقابل تساءل المحلل السياسي ووزير الاعلام الاردني الاسبق صالح القلاب عن حقيقة ما يجري بين ايران والولايات المتحدة، واشار المحلل السياسي نصر المجالي الى صفقة من المتوقع ابرامها قريباً بين الدولتين.
من هنا يمكن القول ان القراءات التي طفت على سطح المشهد قد تغيرت شكلاً ومضموناً. وتخلت عن حالة الاندفاع التي سادت في بداية الامر. ولكن مع الحفاظ على فرضية تشير الى ان ما يجري ليس من صنع حركة داعش، ولا اية جهة اخرى منفردة، وانما نتاج لاجراءات وترتيبات خاطئة، تم توظيفها في اتجاه معين يمكن ان يخدم الصفقة التي يعتقد ان لها امتداداً صوب قضية النووي الايراني من جهة، والملف السوري من جهة ثانية. كما ان لها علاقات بلاعبين رئيسيين في المنطقة من بينهم تركيا . وتتصل بطروحات وافكار كانت تصنف بانها تقليدية، وتستند الى نظرية المؤامرة، بينما المؤشرات باتت اكثر ميلاً الى اعتبارها حقيقية.

مجموعات مقاتلة
وفي سياق القراءات الميدانية للواقع، اكد قائد ميداني كبير في التشكيلات التي تقاتل جيش الحكومة العراقية إن التحرك الذي أسفر عن انتزاع مناطق واسعة من البلاد خطط له منذ نحو عام، موضحاً – كما أوردت الحياة اللندنية – ان تنظيم «داعش» لا يشكل 30 في المائة من القوة العسكرية للمقاتلين.
اللواء الركن «منتصر الأنباري» أكد أن قرار تشكيل مجموعات سنية مقاتلة اتخذ بعد اجتماع شمل كل الفصائل المسلحة السنية والعشائر ورجال الدين، ماعدا تنظيم «داعش» في أيار (مايو) 2013 وبعد أسابيع من «مجزرة ساحة اعتصام الحويجة» التي نفذتها قوات رسمية وخلفت عشرات القتلى والجرحى.
وأكد الأنباري أن الاجتماع، الذي لم يكشف عن مكان انعقاده، خلص إلى تشكيل هيئة سياسية وأخرى عسكرية وثالثة إعلامية، لتغيير الواقع في المناطق السنية، وأن أطرافاً تمثل بعض الأحزاب والتوجهات السياسية هي التي طالبت بتأخير التحرك العسكري إلى ما بعد الانتخابات التي جرت في نيسان (أبريل) على أمل أن يجري تغيير في الحكومة العراقية يستجيب إلى مطالب ساحات الاعتصام السنية. وذكر أن أجواء غاية في السرية أحاطت بتشكيل وحدات عسكرية بإمرة ضباط من الجيش السابق، وجنود متطوعين وتسليحهم وتدريبهم في كل المناطق السنية، بانتظار ساعة الصفر التي انطلقت الثلاثاء الماضي والتي سبقتها عملية السيطرة على محافظة الأنبار، بداية العام الحالي.
وعن العلاقة مع «داعش»، أوضح أن التنظيم لم يكن ضمن جهود تشكيل المجموعات السنية في بداية الأمر، الا أنه قدم بعد شهور عدة وعبر مندوبين عنه عن رغبتهم في أن يكون جزءاً من التحرك العسكري وجزءاً من التحرك السني. وكانت هناك ممانعات وتحفظات كثيرة، لكن الاتفاق تم في النهاية على أن تشكل وحدات عسكرية مشتركة تضم فصائل مختلفة تحت ظل «المجالس العسكرية الموحدة» منها: الجيش الإسلامي، وكتائب ثورة العشرين، وجيش النقشبندية، وكتائب سعد، ومتطوعون من العشائر، وحركة ضباط الجيش السابق، تحت ظل «المجلس العسكري» من جهة، وتنظيم «داعش» من جهة أخرى.

صمت وقلق
الى ذلك، ومن بين المؤشرات التي لا بد من التوقف عندها في هذا الصدد، حالة الصمت التي سادت المنطقة، والحيرة التي سيطرت على قياداتها وصناع القرار فيها، والتي تطورت سريعاً الى نوع من القلق المتجذر والاجراءات والترتيبات الامنية والعسكرية الاحتياطية، والتي عمت مختلف دول الجوار.
ففي سوريا، وضمن محاولة لعدم السماح بفرض امر واقع جديد على الارض، كثفت القوات النظامية السورية من عمليات القصف لمواقع تسيطر عليها حركة داعش، واحبطت القوات عمليات نفذها التنظيم على مناطق حدودية بين العراق وسوريا. وباتت عمليات القصف بالبراميل المتفجرة العنوان الابرز للنشاط العسكري في الكثير من المناطق وخصوصاً التي تسيطر عليها داعش.
وفي الوقت نفسه منعت القوات على الارض اي انسحابات تكتيكية للتنظيم المتطرف من شأنها ان تغير من المعادلة، سواء في مجال الدفع  بعناصر القوة نحو العراق او ضمن اعادة ترتيب الاوراق في سوريا. ودمرت القوات السورية العديد من الآليات التي تم ارسالها عبر الحدود مع سوريا، طبقاً لقراءات تؤشر على ان التنظيم يكون قد ارسلها لحمايتها من اي هجوم مضاد، او لتوظيفها في موقع اخر من مواقع المعركة.
وفي الجانب الاردني، وبينما رصدت اطراف متابعة انسحابات مكثفة للجيش العراقي من المناطق الحدودية مع الاردن، فقد كثفت القوات الاردنية من تواجدها في المنطقة الحدودية، وضمن اطار المثلث الصحراوي الممتد من الحدود الاردنية وحتى العراقية والسورية. واصدر قائد الجيش الاردني الفريق اول متعب الزبن اوامره للجيش بالحزم في التعامل مع اية مظاهر غير اعتيادية. واستخدام اقصى درجات القوة مع اية محاولة لاختراق الحدود سواء اكانت من الجانب السوري او من الجانب العراقي ومن اي جهة كانت.
وقبل اصدار تلك التعليمات قامت القوات المسلحة الاردنية بتدمير اربع سيارات كانت على وشك اجتيازالحدود الاردنية. دون ان يفصح البيان العسكري عن مرجيعة تلك السيارات، او حمولتها.
ورصدت جهات متابعة ترتيبات مشابهة من دول اخرى، وخصوصاً السعودية، التي باتت تنظر الى التطورات بقدر كبير من الريبة، وترى فيها حرباً اهلية.

الدفاع الكردي
اللافت هنا ان كردستان العراق، وخصوصاً المناطق الخاضعة للحكم الذاتي الكردي قد استدعت قوات الاحتياط، واستنفرت جميع اجهزتها الامنية والعسكرية، ووعدت بالدفاع عن ارض العراق ككل. غير ان اجراءاتها تركزت على حماية حدود كردستان، ومحاولة منع اي طرف من تسجيل اي امر واقع.
واستنفرت تركيا كل امكاناتها من اجل التعامل مع اي مستجد على الارض. لكنها في الوقت نفسه دعت حلف الناتو الى التعامل مع التطورات بما تستحق من تدخل عسكري.
وابدت الولايات المتحدة تحفظها على بعض عناصر التطورات، وردت ما يجري الى سوء ادارة الموقف، والتعاطي الخاطىء مع الواقع من قبل الحكومة العراقية.  واللافت هنا ان واشنطن اكتفت – مرحلياً – بارسال بضع مئات من الجنود لحماية سفارتها في بغداد. الاجراء الذي كان موضع نقد واسع من جميع اطراف المعادلة.
ميدانياً، يبدو التوقف اجبارياً عند الوضع العسكري الذي يجمع متابعون ومحللون على اعتباره غاية في الصعوبة والحساسية. حيث بلغ الهجوم الذي يشنه المسلحون بغض النظر عن انتماءاتهم التنظيمية والطائفية، مدينة بعقوبة، التي لا تبعد عن العاصمة بغداد سوى ستين كيلومتراً. وفي الجهة المقابلة خسر الثوار السيطرة على بعض المنافذ الحدودية.
في هذا الوقت، ترافقت عملية ارسال جنود اميركيين لحماية سفارة واشنطن في بغداد مع مباحثات ايرانية – اميركية جرى تسريب بعض ملفاتها، وتتعلق بالتطورات التي تشهدها تلك المنطقة. ومن بين المعلومات المتسربة ان هناك صفقة يجري ترتيب اوراقها بين الطرفين. وقد كشفت مصادر ايرانية النقاب عن بعض تفاصيلها.
من بين تلك التفاصيل عدم ممانعة واشنطن ان تقوم ايران بارسال قوات لحماية «المواقع المقدسة للشيعة» والتي يطلق عليها اسم «المراقد» او «مراقد الائمة».

ربيع عربي
في الاثناء، أكد وزير الشؤون الخارجية الإماراتي، الدكتور أنور قرقاش، أن أحداث العراق وسوريا وليبيا تؤكد أننا بصدد فصل جديد من فصول الربيع العربي، وأن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من التحديات والأخطار.
واستدعت وزارة الخارجية الإماراتية سفيرها في بغداد عبدالله إبرهيم الشحي للتشاور في ظل التطورات الخطيرة التي يشهدها العراق. وأعربت الوزارة في بيان لها عن بالغ قلقها من استمرار السياسات الاقصائية والطائفية والمهمشة لمكونات أساسية من الشعب العراقي  ورات الوزارة أن هذا النهج يساهم في تأجيج الأوضاع ويكرس مساراً سياسياً يعزز من الاحتقان السياسي والنزيف الأمني على الساحة العراقية.
وقالت وزارة الخارجية في بيانها إن «دولة الامارات إذ تستنكر مجدداً وتدين بأشد العبارات إرهاب داعش وغيره من الجماعات الإرهابية والذي أدى إلى إزهاق أرواح العديد من أبناء الشعب العراقي الأبرياء، إلا أن الامارات على قناعة وثقة بأن الخروج من هذا النفق الدموي لا يتم عبر المزيد من السياسات الاقصائية والتوجهات الطائفية والمتمثل في بيان الحكومة العراقية الذي صدر الثلاثاء 17 حزيران (يونيو). وأكدت الوزارة أن الإمارات ترى أن الطريق الوحيد لإنقاذ العراق والحفاظ على وحدته الاقليمية واستقراره هو في تبني مقاربة وحل وطني توافقي يجمع ولا يقصي.
في الاثناء، ترتفع وتيرة الحديث عن صفقة يجري الاعداد لها بين الجانبين الاميركي والايراني. وفي هذا الصدد، قالت وزارة الخارجية الأميركية، الثلاثاء، إنها مستعدة لمزيد من المحادثات مع إيران بشأن الإضطرابات في العراق، لكن من المرجّح أن تجرى هذه المناقشات على مستوى أقل.

اميركا – ايران
واجتمع نائب وزير الخارجية الأميركي ويليام بيرنز، مع مسؤولين إيرانيين لوقت قصير يوم الاثنين الماضي، على هامش المحادثات الأوسع بين إيران والقوى العالمية الست في فيينا بشأن برنامج طهران النووي.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جين ساكي للصحافيين «نحن مستعدون لاستمرار تواصلنا مع الإيرانيين تماماً، كما نتواصل مع غيرهم من اللاعبين في المنطقة بشأن التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بالعراق.
وإلى ذلك، تساءلت افتتاحية لصحيفة الغارديان البريطانية عما إذا كان التقارب الأميركي – الإيراني سيفضي إلى «صفقة كبرى» تحسم العديد من الأزمات في إقليم الشرق الأوسط وعلى نطاق أوسع.
ورأت الغارديان أن الاميركيين لا يريدون رؤية كل المجهود الذي وضع لبناء العراق يذهب ادراج الرياح، اضافة الى ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة ليس فقط في العراق بل في المنطقة بأكملها. وأضافت الصحيفة أن ايران والولايات المتحدة يمكن أن تتعاونا على نطاق أوسع يؤدي الى ابرام تسوية في سوريا، والى احتواء الجهاديين، والى تخفيف حدة الاحتقان بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط.

اسوأ رئيس
وقالت افتتاحية الصحيفة إن على ايران والولايات المتحدة الاتفاق على ما يجب القيام به حيال نوري المالكي، الذي يعد من أسوأ رؤساء الوزراء العراقيين، «فالعراق لا يحب المالكي ولا المالكي يحب العراق»، إلا أن ايران ساندته في السنوات الأخيرة على التمسك برئاسة الوزراء. وتتساءل الصحيفة إن كان المالكي ما زال من رجالهم، وإن صح الأمر، فهل على الولايات المتحدة مساندته ايضاً؟
وأوضحت الصحيفة أن تصريحات المالكي الأخيرة تؤكد انه لم يتعلم لغاية الآن من الأخطاء التي ارتكبها في السابق.
وختمت (الغارديان) قائلة: إذا كنا متفائلين، فإن الازمة العراقية قد تساعد على ابرام «الصفقة الكبرى» بين إيران والولايات المتحدة التي كانت استعصت عليهما في الماضي.
في الملف الاقتصادي توقف متابعون عند الارتفاع الكبير في اسعار النفط على خلفية توقف جزئي في عمليات التصدير للنفط العراقي، حيث تجاوز سعر البرميل 110 دولارات.
وتم التوقف ايضاً عند عمليات التبادل التجاري بين العراق والعديد من الدول والتي تصل الى عشرات المليارات من الدولارات، وخصوصاً التبادل التجاري بين العراق وتركيا. وكذلك بين بغداد والعديد من الدول ومنها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وكذلك ايران.

احمد الحسبان

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق