رئيسيسياسة عربية

الجيش في ميزان الذهب الدولي

تواصل الولايات المتحدة الاميركية تعويلها على دور المؤسسة العسكرية اللبنانية، كضامن للاستقرار السياسي والامني. وكان آخر اوجه الدعم تخصيصها 8،7 ملايين دولار اضافي، ليرتفع المبلغ الاجمالي الذي قدمته الى القوات المسلحة والامنية اللبنانية في الأعوام الفائتة الى مليار دولار اميركي. كما كان لافتاً الاجتماع الذي جمع في نيويورك الرئيس ميشال سليمان مع وزير الدفاع الاميركي تشاك هاغل وخصص لغرض دعم الجيش. واثار هذا الواقع قلقاً اسرائيلياً، تعمّدت تل ابيب ابلاغه الى الادارة الاميركية.

يشير تقرير بحثي اميركي الى ان الولايات المتحدة الاميركية «تبدي اهتماماً خاصاً لبناء قدرات الجيش اللبناني، لا سيما لجهة توفير التدريب للقتال في المدن والعمليات الخاصة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب. وعمل مدربون من الجيش الأميركي ومشاة البحرية في دورات تدريبية داخل الولايات المتحدة مع جنود لبنانيين لتحسين مهارات الرماية وتقنيات القتال في المناطق الحضرية، كما لتحسين مهارات حرب المدن وإنشاء تكنولوجيا متقدمة للقيادة والتحكم. كما تدرس واشنطن الاحتياجات الملحة للجيش اللبناني».
ويأتي في هذا السياق، الاجتماع الذي جمع خلال السادس والعشرين من ايلول (سبتمبر) رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان مع وزير الدفاع الاميركي تشاك هاغل، في ختام الزيارة الرئاسية لنيويورك، حيث تناول البحث العلاقات اللبنانية -الاميركية وسبل تعزيز التعاون بين وزارتي الدفاع. كما تطرق الاجتماع الى زيادة الدعم العسكري للجيش اللبناني بالاسلحة والعتاد وفق الروزنامة التي تقدم بها الجيش اللبناني.
وكان السفير الاميركي ديفيد هيل قد اعلن ان «الولايات المتحدة ملتزمة دعم القوى الامنية اللبنانية المسؤولة عن الحفاظ على الأمن في لبنان، والرئيس الاميركي باراك اوباما اعلن عن مبلغ 8،7 ملايين دولار اضافي لدعم هذه القوى للحفاظ على الأمن الداخلي وحماية الحدود»، مشيراً إلى أن «المبلغ الاجمالي الذي قدمته الولايات المتحدة للقوى الأمنية اللبنانية خلال الأعوام الماضية بلغ مليار دولار اميركي لتمكينها من القيام بواجباتها وصولاً الى تطبيق قرارات الامم المتحدة ولا سيما القرارين 1701 و1559».
غير ان التقرير البحثي ينبّه الى ان «النزاعات والخلافات بين الكتل السياسية اللبنانية قد تؤثر في فاعلية المؤسسة العسكرية، اضافة الى انعكاسات تأخر تشكيل حكومة جديدة وغياب اي استراتيجية وطنية متماسكة ترسم آليات مواكبة الصراع السوري والحد من سلبياته، بما في ذلك الحضور المتزايد للاجئين السوريين في لبنان، مع الاشارة الى ان الجيش اللبناني هو المؤسسة الوحيدة راهناً التي لديها القدرة على التصرف في عمليات محدودة داخل البلد، لكنه يحتاج الى زيادة موازنته ودورات تدريب خارجية اضافية، وهو ما تسعى اليه الولايات المتحدة مع مجموعة من الدول الداعمة».

دعم دولي
وكانت تقارير اعلامية، في سياق مواكبة المحادثات واللقاءات التي اجراها الوفد الرئاسي اللبناني على هامش الجمعية العامة للامم المتحدة، قد تحدثت عن توافر شبه اجماع على تحييد لبنان عن النيران المندلعة في غالبية دول المنطقة، وابقائه مستقراً. واشارت الى ان رؤساء غالبية الدول والمسؤولين فيها الذين اجتمع بهم رئيس الجمهورية، التقوا معه على ضرورة دعم الجيش اللبناني بالعتاد اللازم لتمكينه من فرض سيطرته على كامل الاراضي اللبنانية وانهاء اشكال المظاهر المسلحة كافة، انطلاقاً من الخطوة الناجحة التي نفذها في تسلمه أمن الضاحية الجنوبية والحؤول دون تكريس ما يسمى بالامن الذاتي.
وكشفت عن تركيز الوفد الرئاسي في محادثات نيويورك على ضرورة انسحاب اسرائيل من باقي الاراضي التي تحتلها في جنوب لبنان ووجوب ممارسة الضغط على تل ابيب لحملها على تنفيذ هذه الخطوة المهمة على طريق عودة الحكم في لبنان للامساك بزمام الامور ولقطع الذرائع حول امكان اي تحريك للوضع في الجنوب.

شراكة
ويتحدث التقرير البحثي الاميركي عن قلق اسرائيلي بلغ مسامع دوائر القرار في واشنطن مما يزعم انه «تعاون مفترض بين الجيش اللبناني وحزب الله»، فيشير الى ان ثمة في تل ابيب من يعتبر في هذا السياق ان «ترسيخ شراكة حزب الله مع الجيش اللبناني أمر مهم بالنسبة الى الحزب، الذي يضع في اعتباره احتمال أن إسرائيل قد تستفيد من الهاء السوريين للقيام بضربة أخرى تهدف إلى القضاء على الحركة الشيعية بعد صدها في محاولة سابقة في العام 2006. في المقابل، تنشغل فرق المكافحة التابعة للاستخبارات الإسرائيلية برصد تحركات حزب الله وتسعى وراء أهداف له على طول المنطقة الحدودية لاستخدامها في حال وقوع صراع متجدد».
ويشير التقرير الى ان «تل ابيب ابلغت واشنطن ان تعاون الجيش اللبناني المحتمل مع حزب الله يشكل معضلة بالنسبة الى الولايات المتحدة الاميركية، المؤيدة القوية للجيش اللبناني، إنما الخصم الملتزم ضد حزب الله. وفي زيارة قام بها اخيراً إلى لبنان، دان نائب وزير الخارجية الأميركية وليام بيرنز دور حزب الله في الصراع السوري، قائلاً: «رغم عضويته في الحكومة اللبنانية، قرر حزب الله أن يضع مصالحه الخاصة ومصالح أنصاره الخارجيين فوق مصالح الشعب اللبناني».

 سوريا
ويتطرق التقرير الى دور حزب الله في الحرب السورية، فيقول: «على رغم المعارضة السنية اللبنانية والعربية لدور الحزب العسكري في سوريا، يصر الامين العام السيد حسن نصرالله على أن الحزب على الطريق الصحيح في الحرب السورية، وأن دوره في الحفاظ على حلف المقاومة ضد إسرائيل سيكون مبرراً في الأيام المقبلة. وقال السيد نصرالله في اجتماع مغلق لقادة الحزب وكوادره في تموز (يوليو) أنه بصرف النظر عن التصعيد في القتال «فإن نتائج ما يحدث ستكون في مصلحة قوى المقاومة (…) والأيام المقبلة ستؤكد أن القرارات التي صدرت في العامين الماضيين كانت صحيحة، سواء أكان ذلك في ما يتعلق بالوضع في لبنان أم بما يحدث في سوريا».
يضيف: «ينظر العديد من اللبنانيين إلى تدخل «حزب الله» اللبناني إلى جانب القوات الموالية للنظام في سوريا باعتباره انتهاكاً مباشراً لإعلان بعبدا، وهو اتفاق صدر في العام 2012 بين الإئتلافيْن السياسيين اللبنانيين المتنافسين 8 و14 آذار، يسعى إلى الحفاظ على السلام في لبنان عن طريق الحفاظ على البلد من الصراعات الإقليمية والدولية وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية.  كما أصيب بالهلع أيضاً العديد من الفئات السياسية في لبنان بسبب تقارير عن مشاركة «حزب الله» في عمليات الجيش اللبناني ضد جماعة متطرفة سلفية في صيدا خلال معركة استمرت يومين، في 22 و23 حزيران (يونيو) الماضي. بدأ الحادث عندما نصب مسلحون يعملون تحت قيادة الشيخ أحمد الأسير كميناً لمركز للجيش اللبناني في منطقة عبرا في مدينة صيدا في 22 حزيران (يونيو)، مما أسفر عن مقتل 18 جندياً وإصابة أكثر من 50 ومقتل 28 مسلحاً سلفياً. فالأسير معارض صريح لدعم حزب الله العسكري لنظام الأسد في سوريا، ومن بين أتباعه فضل شاكر (فضل عبد الرحمن الشمندر)، وهو مغن سابق معروف تخلى عن الموسيقى غير الإسلامية للانضمام إلى حركة الأسير في العام 2011. وخلافاً لتقارير سابقة ذكرت بأن الأسير وشاكر قد قتلا في المعركة، فقد ثبت بأن جثتين من الجثث المحترقة اللتين كان يعتقد بأنهما تعودان الى الرجلين كانتا في الواقع لمسلحيْن، وذلك بعد اجراء اختبارات الحمض النووي وصدرت في أعقاب ذلك مذكرات قضائية للقبض على الأسير وشاكر. غير ان وزير الدفاع اللبناني فايز غصن يصر على القول بأن حزب الله لم يكن يقاتل في صيدا، مشيراً الى أن الجيش اللبناني يعاني صعوبة في تأمين الحدود مع سوريا، نظراً الى التزامه بنشر 15000 جندي في جنوب لبنان وفقاً لقرار مجلس الأمن
الدولي رقم 1701».

 خلافات
ويسلط التقرير الضوء على علاقة «حزب الله» مع عدد من حلفائه، فيشير الى انه «يعاني خلافات حول قضايا داخلية مع العماد ميشال عون، زعيم «التيار الوطني الحر». ووصل الأمر إلى ذروته مع ائتلاف 8 آذار السياسي في 10 يوليو (تموز) الماضي، عندما أعلن زعيم حركة «أمل» الشيعية نبيه بري انسحاب حزبين من الأحزاب الشيعية (حركة أمل وحزب الله) من الائتلاف، المتكون، اضافة اليهما، من مسيحيين وعدد من الأحزاب السنية الصغيرة. ووفقاً لبري، فإن الانفصال الودي نسبياً لن يعطل التنسيق بينهم في مجال السياسة الخارجية. وقال: «نحن نتفق مع عون حول القضايا الاستراتيجية مثل المقاومة والموقف من اسرائيل، لكننا لا نتفق حول قضايا داخلية».
ويذكّر بأن «إحدى نقاط الخلاف الرئيسة بين فئتيْ ائتلاف 8 آذار المنحل إعادة تعيين العماد جان قهوجي قائداً للجيش اللبناني، وهي خطوة عارضها العماد عون وآخرون (…). ويأتي الانقسام في الوقت الذي يحاول لبنان تشكيل حكومة جديدة برئاسة رئيس الحكومة المكلف تمام سلام، الذي رفض بالفعل مطالب حزب الله بخصوص حصوله على حق النقض داخل الحكومة (الثلث المعطّل)».

 مكافحة
ويلاحظ انه «مع تعرض حزب الله الى انتقادات حادة من مجموعة واسعة من المعارضين السياسيين، بدأ الحزب هجوماً إعلامياً جديداً، مستخدِماً كبار الأعضاء لتوضيح فهم الحزب لدوره في لبنان، وعزمه على مكافحة المتطرفين التكفيريين في سوريا ولبنان واستعداده الى إعادة الانخراط والحوار مع كل الحركات الإسلامية. مع ذلك، تعني الانقسامات الطائفية الموجودة في لبنان بأن حزب الله سيعاني مشكلة في إقناع من هم من غير الشيعة اللبنانيين بصوابية تحول سلاحه ضد اللبنانيين، حتى لو ضد المتطرفين التكفيريين، في الوقت الذي ستثبت فيه أكثر صعوبة تبرير دعمه نظام الأسد في سوريا، نظراً الى عدم الشعبية الواسعة للحكومة السورية في أجزاء كثيرة من لبنان».
ويخلص الى ان «المقصد الرئيس لحزب الله هو الحفاظ على حركة «المقاومة» المعادية لإسرائيل رغم كل هذه الصعوبات، وخصوصاً أن تحلل ائتلاف 8 آذار قد يكون إشارة مبكرة عن تسجيل انشقاقات ناشئة داخل المقاومة».

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق