تحقيق

قمة العرب للطيران والاعلام 2013 في صلالة

حين يجتمع العرب يتكلمون «العربية» وحين يسافرون من دولة الى دولة في المجال العربي الرحب يُقال: هذه رحلة «عربية»، وحين يُحقق العرب مآثر ونجاحات تُصنف، أو يُفترض أن تُصنف، في الخانة «العربية»، وحين تُسمي مؤسسة تتطلعُ الى بلوغِ القمر نفسها «العربية» يُفترض أن تنظر الى الأفق، الى السماء، وتقول: هذا ما أريد… وهذا ما سأحقق! قمة العرب للطيران حدقت في الأفق واقتحمت المستقبل واختارت محطات وصول واحدة منها صلالة، الولاية العمانية الجميلة، التي تتأهب لتُكرس جوهرة السياحة الخليجية… بين بيروت والشارقة وصلالة رحلة على متن أول شركة طيران اقتصادي أنشئت في الشرق الأوسط وتتخذ الشارقة مقراً لها: «العربية للطيران».

صلالة- نوال نصر

الحدث: قمة العرب للطيران والإعلام 2013، والموعدُ: سنوي، والمنظمون: «العربية للطيران» ومحطة «سي. أن. بي. سي» و«ايرباص» و«سي. أف. أم»، أما الرحاب فإلى الشارقة أولاً ثم صلالة… العربُ يعيشون في ربيع ثائر أما صلالة، التي تبعد عن العاصمة العمانية مسقط نحو تسعين دقيقة جواً، فتعيش من الفصول: الخريف. الطقس جميل والجلوس في الطبيعة رائع على أصداء الموسيقى واللوحات الراقصة العمانية المميزة. وفي موازاة ذلك، في رحابِ صلالة، حراكٌ استثنائي. رواد الطيران يبحثون في المستقبل. أرقامٌ ومعلومات وتحاليل وأبعاد والنتيجة شبه ثابتة: العالمُ مقبلٌ على ارتفاع هائل في عدد المسافرين في العام 2031، ضعف ما هو عليه اليوم، حسب توقعات مدير التسويق الاستراتيجي في «ايرباص» فؤاد عطار، والتوقعات أيضاً أن يرتفع عدد المسافرين بنسبة 6،2 في المئة سنوياً، على أن يتم هذا في موازاة استلام شركات الطيران العاملة في الشرق الأوسط 1963 طائرة جديدة.
الأرقام قد تحمل أحياناً بعض التضخيم… فعلام تستند الأرقام المعلنة حول قطاع الطيران؟
يبدو أن الخبراء العاملين في القطاع لا يستندون الى دراسة واحدة بل الى عشرات الدراسات وكلها تُنبىء بأن مستقبل قطاع الطيران سيُشكل «انفجاراً» ايجابياً في قطاعٍ اقتصادي سياحي يحتاج الى إبر منشطات، وإحدى تلك الدراسات تُشير الى أن حركة السفر ازدادت في المنطقة العربية وإليها بمعدل 236 في المئة خلال العقد الآفل… وفي العقد المقبل، في زمن بات فيه الكون مفتوحاً والعالم يقترب ليكون قرية، لا بدّ أن نضرب الرقم باثنين أو ثلاثة أو ربما بأكثر!

 

 


77 مليون شخص يتنقلون سنوياً في سماء الخليج
رائعٌ أن تُحقق منطقة الخليج العربي كل هذا التقدم في قطاع الطيران القادر، إذا جرى التعامل معه بذكاء، أن ينشل المنطقة، كل المنطقة، من الكساد الاقتصادي! وكيف لا وأكثر من 77 مليون شخص من دول مجلس التعاون الخليجي يتنقلون سنوياً في سماء الخليج! 77 مليون إنسان يُفترض أن يكونوا حاضرين وبقوة في أي طرح اقتصادي! وهنا تكرج جملة أسئلة: كيف يمكن للدول جذب أكبر عدد من هؤلاء المسافرين؟ ما هي التحديات الموجودة والفرص المتاحة في عالم اليوم؟ هل يستفيد قطاع الطيران العربي من الفرص المتاحة لمضاعفة النمو؟ وهل نقوم كعرب بما فيه الكفاية لتأهيل الكوادر البشرية؟

مسقط… قاعدة سياحية
وزارة سياحة سلطنة عمان راعية قمة العرب للطيران والإعلام 2013 تمثلت في شخص الوكيلة (الوزيرة) ميثاء المحروقي. الوكيلة تابعت بتواضعٍ كل تفاصيل القمة من الألف الى الياء. جميلٌ طبعاً أن ينعم البلد بمسؤول يفقه ما يفعل ويهتم لما يدور ويلتفت الى المستقبل البعيد، الى العام 2031 مثلاً، بدل أن يتجمد في اللحظة في 2013! ميثاء المحروقي بدت منذ اللحظة الأولى ايجابية، تُلقي التحية بتحبب، تبتسم دائماً وتتفاءل بالمستقبل الآتي الذي بدأت تستعد له السلطنة منذ الآن بطموح أدناه: أن تتحول مسقط مركزاً دولياً وقاعدة سياحية أساسية في الخليج العربي… والبداية فتح خطوط الطيران المنخفض الكلفة الى صلالة، المنطقة العمانية الجميلة، يعني أصبح بامكان من يشاء أن يستقل حين يشاء الطائرة الى صلالة بسعر منخفض!
ماذا يعني أن يكون السعر منخفضاً؟ هل هذا يعني أن التقديمات تُصبح أقل؟ هل معنى هذا أن السلامة العامة تُصبح في خطر؟
الرئيس التنفيذي لمجموعة «العربية للطيران» عادل علي يتحدث عن آفاق وعن امكانيات هائلة يتمتع بها قطاع الطيران والسياحة في العالم العربي لكن، في موازاة هذا، هناك تحديات. ماذا يعني هذا؟ ماذا يقصد علي بالتحديات في قطاع الطيران؟ يُفترض، على ما يُجيب، تطبيق سياسات الأجواء المفتوحة وتشريع قوانين تسمح بالتنقل بحرية عبر الحدود وإطلاق المزيد من شركات الطيران الخاصة، ما يسمح لمنطقة الشرق الأوسط بالاستفادة من الإمكانات التي يقدمها قطاع الطيران، ولا سيما ان التقديرات تشير الى أن حجم قطاع الطيران العربي يقترب في حجمه من حجم القطاع في اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية. وهو بات مكوناً أساسياً من اقتصادات المنطقة وهو يضخُ أكثر من 129 مليار دولار من إجمالي الناتج المحلي العربي ويستوعب أكثر من 2،7 مليون وظيفة من إجمالي القوى العاملة في المنطقة.

 

 


بحث عن سلامة عامة عالية بكلفة اقل
الأحلام البعيدة أن نطير كُلُنا في يومٍ ما، ليس ببعيد، مثل الطيور في الأجواء… لكن هل هذا منطقي؟ هل يمكننا مع تكثيف حركة الطيران والانبعاثات في الأجواء المحافظة على كوكب الأرض؟ هذه واحدة طبعاً من التحديات. و«أياتا» تتوقع زيادة الإزدحام الجوي بنسبة 1،8 في المئة كل سنة. الطائرات أيام زمان كانت أكثر بطئاً لكنها كانت تصل، قبل الإزدحام الجوي، أسرع مما تفعل اليوم. قمة الطيران درست إذاً السلبيات وطرحت الايجابيات وخلصت الى أن الثانية تبقى طاغية والحاجة باتت أكثر إلحاحاً من الأول الى حمائم اصطناعية تُحلق بين الطيور في السماء. وكُل هذا في ظلِ واقعٍ هو ان الناس باتوا يبحثون عن الشركة الجيدة والسعر الجيد. لكن هل صحيح أن الاتحاد الدولي للنقل الجوي «أياتا» لا يُفضل كثيراً وجود شركات منخفضة الكلفة؟ يتلقف المدير الاقليمي لمنطقة الخليج في «أياتا» مايكل هيريرو هذا السؤال بابتسامة وإجابة: «أياتا» تؤيد كل الشركات وهي تمثل 84 في المئة من الحركة الجوية بغض النظرعما إذا كانت حركة عالية الكلفة ام منخفضة الكلفة.
في العام 2020 يُتوقع أن يتضاعف عدد الركاب والطائرات، والطبقة المتوسطة ستتضاعف بمعدل خمس مرات، ولا بدّ أن يُطالب هؤلاء بطيران أقل كلفة وبسلامة عامة عالية… فهل «العربية للطيران» قادرة على توفير هذين المطلبين؟
عادل العلي، الرئيس التنفيذي لمجموعة «العربية للطيران»، يجزم بألا مساومة أبداً على السلامة العامة، العربية تشتغل على طبيعة الخدمات، بمعنى أن الراكب قد لا يأكل إذا لم يكن جائعاً وإذا أراد أن يأكل فليختر بنفسه نوعية ما يريد بالثمن الذي يريد ويدفع نقداً. طيران المستقبل إذاً يُفترض أن يكون مرناً أكثر في هذه المسائل وحتى في مسائل الحجز المباشر عبر الانترنت. العالم يتغير وقطاع الطيران لا بدّ أن يتماشى مع النظرة الجديدة.

الى خريف صلالة… بالأحمر
نصعد في «العربية للطيران». اللون الأحمر يطغى، حتى على شفاه المضيفات حيث طلاء الأحمر البارز. الخدمة رائعة والابتسامة المشرقة تكاد لا تغيب. لا شيء يختلف في الطيران ذي الكلفة المنخفضة عنه في الطيران ذي الكلفة العالية  إلا السعر! أمرٌ آخر قد يختلف بالنسبة الى من اعتاد أن يحجز مقعد «رجل أعمال» لأن المقاعد كلها درجة اقتصادية!
الى صلالة، الولاية العمانية التي جرت فيها «قمة العرب للطيران والإعلام 2013»، درْ. التراث حاضرٌ في كل التفاصيل والخنجر التقليدي يُلازم خصور الرجال. والقلاع والحصون والكهوف تتناثر في مواقع كثيرة. الولاية العمانية في خريف يبدأ في 21 حزيران (يونيو)، أي حين تشتد الحرارة في سائر دول الخليج والمنطقة. الجوّ الخريفي يُضفي على الطبيعة جمالية خاصة ويجعل صلالة هدفاً سياحياً. الطيران كثف رحلاته الى صلالة لكن هل صلالة مستعدة، في بنيتها التحتية، لاستقبال السياح؟ تجيب وزيرة السياحة المحروقي: «امكانات النمو كثيرة وبدأنا بمخطط التوسعة من أجل ان نتكامل مع مختلف دول الخليج والمنطقة ونحن نستثمر حالياً مبلغ 170 مليون ريال عماني في قطاع الفنادق. اننا نبني البنى التحتية، اننا نوسع المطارات. وفي ايار (مايو) الماضي فتح مجلس الوزراء قطاع الطيران امام المستثمرين عبر الموقع الالكتروني ويمكن لأي شركة أن تأتي وتستثمر في صلالة. ونحن على ثقة من ان المطارات بحاجة الى ركاب والركاب الى فنادق والفنادق الى سيارات. انها حلقة متصلة إذا أحسنا التعامل معها نؤسس للمستقبل. وهذه الدولة، دولتنا، ترحب بالسياح وبالأعمال التجارية. ونحن سنكون قريباً جاهزين للتعامل مع كل احتياجات المنطقة مع الاحتفاظ الكامل بتراثنا وثقافتنا وتاريخنا. عمان فريدة من نوعها وهكذا ستبقى».
قشعريرة برد تسري في الأبدان في خريف صلالة. واندفاعة المياه من النوافير الطبيعية في كهف المرنيف، المطل على بحر العرب، يجعل فعلاً من تلك الولاية فريدة من نوعها… نقف الى جانب النافورة فيُبللنا رذاذها. المياه نعمة في الخليج وصلالة تتفجر فيها النوافير طبيعية وتهبط فيها الحرارة الى 18 درجة مئوية في وقتٍ تكاد تلامس، في بقية دول الجوار، الخمسين درجة وأكثر! ألم نقل إن صلالة فريدة؟
انتهت قمة الطيران وبدأت منطقة في الخليج، بدأت صلالة العمانية، تتخذ لها مكاناً في السياحة العالمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق