أبرز الأخبارتحقيق

النازحون السوريون: لقمة العيش بالحرام!

قالوا بطالة، قلنا “الله بيدبر”. قالوا أزمة سكن، قلنا اللبناني أشطر من أن يترك”احدا” يجلس مكانه وهو قادر على أن يسحبها من فم السبع!. لكن أن تتحول أزمة النزوح السوري إلى بؤرة آفات إجتماعية ومنبع لقصص وحالات وروايات تقشعر منها الأبدان؟
الروايات كثيرة، والكلام عن وجود أفعال شاذة داخل البؤر التي يعيش فيها النازحون السوريون يسيل يوميا. إعتداءات جنسية على الأطفال، تجارة بيع الأعضاء، دعارة في اوساط النساء النازحات السوريات، زواج قاصرات بموجب عقود غير شرعية… فيض من غيض ومنها من يبقى وراء الجدران إلى أن يحصل الإنفجار الكبير.

لكن ماذا عن نتائج هذه الآفات على الأرض وما هو انعكاسها على المجتمع اللبناني وتحديدا بعد انتهاء الأزمة السورية وعودة النازحين إلى بلادهم؟

قبل أسبوعين ضجت وسائل الإعلام اللبناني بقصة الطفل السوري ابن الأعوام الستة الذي تعرض للإعتداء على يد شاب مهووس. هوية المعتدي معروفة بحسب شهادة الأم لكن القصة فصولها عند نقطة الإعتراف وتوقيف المجرم. فالتحاليل المخبرية أظهرت إصابة المعتدي بمرض نقص المناعة (السيدا) مما يخشى بأن يكون نقل العدوى الى الطفل وربما الى آخرين تعرضوا لاعتداءاته الوحشية ولم يجرؤ الأهل على التكلم خوفا من الفضيحة. لكن هذه القصة التي فجرت قنابل إعلامية على مدى ثلاثة أيام طويت بحجة تقدم الأحداث السياسية والأمنية على أي موضوع أجتماعي آخر. لكن الفاتورة صارت باهظة.

سعيا وراء لقمة العيش!
عندما بدأ النازحون بالتوافد إلى لبنان كان همهم تأمين سقف آمن يأويهم من خطر البقاء في العراء ويضمن لعائلاتهم العيش بأمان ولو بأقل مستوى ممكن من الحياة الكريمة. المئات صاروا بالآلاف ووصلوا إلى المليوني نازح سوري. والقصة صارت أكبر من موضوع إنساني بعدما أظهرت كل التقارير حجم التداعيات السلبية على الإقتصاد اللبناني. إنطلاقا من هذا الواقع بدأ البحث عن سبل أخرى لتأمين لقمة عيش. والواضح ان نسبة اللاهثين وراء لقمة عيش بطرق ملتوية فاقت الحد الطبيعي.
ففي تقارير القوى الأمنية نسبة الجريمة في لبنان ارتفعت منذ بدء الأزمة السورية ونزوح الأهالي الى لبنان. أما أنواع الجريمة فتراوح بين  النشل، والسرقة، والإعتداءات الجنسية “لكننا لا نزال ضمن السقف الأمني الطبيعي”. هكذا يطمئننا المسؤولون الأمنيون. نسلم معهم بهذه النتيجة التي قد تقنع المنطق الأمني. لكن في المنطق الشعبي الأمر يختلف. فالأخبار اليومية عن عمليات نشل وسرقة وتحرش جنسي دفع بأغلبية العائلات اللبنانية إلى منع أولادهم من الخروج ليلا أو السير في الشوارع كما جرت العادة في ساحات القرى الشمالية والبقاعية. أما على مستوى المدينة وضواحيها فالقرار كان واضحا من قبل أغلبية البلديات التي رفعت لافتات تطلب فيها من النازحين السوريين عدم التجول بين الساعة التاسعة ليلا والسادسة صباحا. حتى أن مخافر القوى الأمنية وجهاز الشرطة في البلديات أستعاد همته وعافيته على شرف النازحين السوريين.
نقطة إيجابية إذا أردنا أن ننظر إلى الأمور من الوجه الآخر. لكن على المقلب الآخر لم يعد للإيجابية متنفس. فالآفات الإجتماعية التي بدأت تتظهر تفوق باقي التداعيات الإقتصادية وربما الأمنية. لكن من قال إن السلسلة غير مترابطة؟ فالضائقة الإقتصادية وعدم قدرة اغلبية النازحين على تأمين موارد كافية للعيش لا سيما في ظل تقطير المساعدات المخصصة لهم، ساهمت في الفلتان الأمني.المهم تأمين المال ولو عن طريق الحرام. ومنهم من اختار الطرق التي قد لا تكلفهم حياتهم في المفهوم الأمني، لكنها حتما تنعكس على سلوكيات الفرد والمجتمع.

بيع اطفال
الناشط الإجتماعي في جمعية “قل لا للعنف” طارق أبو زينب يتكلم عن ظاهرة الآفات الإجتماعية الناتجة عن النزوح السوري إنطلاقا من شهادات وحالات ملموسة. نبدأ في تعداد الآفات :«تجارة الأعضاء والبشر والدعارة. لكن الأهم يتعلق بالآفة الأولى لأنها ترتبط مباشرة بالأطفال. وهذا وحده يستحق أكثر من علامة استفهام حول انعكاس هذه الآفات على نفسيات الأطفال ومحيطهم.
«إذا انطلقنا من الأسباب نكتشف أنها تتوقف أولا وآخرا على الأزمة الإقتصادية”. خلاصة توصل إليها أبو زينب من خلال عمله كناشط إجتماعي على الأرض. لكن ماذا عن النتائج؟ “أولى تداعيات هذه الأزمة والتي بدأت تتفشى منذ منتضف العام الماضي تتمثل في ظاهرة بيع الأطفال السوريين لعائلات لبنانية أو عربية أو حتى أجنبية ميسورة بهدف تأمين مبلغ مالي يؤمن لهم استئجار منزل أو شراء فيزا للهجرة إلى إحدى الدول الأوروبية. أما الأسعار فخاضعة لسوق العرض والطلب. صدقوا .فنحن هنا نتكلم عن سلعة بشرية!.. بالنسبة إلى النازحين يمكن التعويض عن الطفل الذي باعوه مقابل حفنة من الدولارات! لكن إذا انعدمت سبل العيش كاملة؟عندها لا يعود لمفهوم العائلة دور أو سبب”. معادلة منطقية في حساب العائلات التي نزحت من دون أن تحمل معها حتى حقيبة ملابس أو كيس مؤونة يكفيها لأسبوع. لكن في منطق البشرية وحقوق الطفل فإن ما يحصل هو بمثابة جريمة منظمة تمارسها أكبر المافيات التي تستغل وضع النازحين السوريين. اليوم في لبنان وغدا من يدري على من تقع القرعة.

الدعارة في مواجهة الذل والفقر!
نعود إلى جردة الآفات أو ما يعرف بتجارة الجنس الموجهة نحو المرأة السورية. وتشير التقارير إلى أن العصابات المدبرة تنتشر وبكثافة في أوساط النازحين بهدف استغلال المراة السورية بحيث يتم تزويجها عبر ورقة غير شرعية مقابل مبلغ من المال يراوح بين 1500و2000 دولار على ألا تمتد فترة “الزواج” لأكثر من اسبوعين أو شهر على أبعد تقدير. لكن الزبون قد يكتفي بأسبوع واحيانا أقل فيرحل قبل أن يسدد كامل المبلغ ومنهم من يمضي فترة الأسبوعين ويرحل بعد ان يدفع للمرأة السورية مبلغ 500 دولار أو يقنعها بأنه سيسافر إلى الدول العربية لمدة يومين. لكنه لا يعود. ومجرد الإتصال به وتهديده بعقد الزواج يكون الرد “ضعي العقد في الماء المغلية واشربي ماءه”.
ثمة من يقول، طالما أن القصة صارت مكشوفة واللعب يتم فوق الطاولة، فلماذا لا يتعظ النازحون السوريون من الدروس التي تعلموها حتى الساعة؟
بحسب إختصاصية في علم الإجتماع المسألة تتعلق بالبيئة الحاضنة اساسا للنازحين السوريين. فهذه الآفات تتفشى تحديدا في مناطق الحدود الشمالية والبقاع لأن أغلبية النازحين في هذه المناطق  تأتي من بيئة إجتماعية واقتصادية شبه معدومة. والمرأة كما الرجل لم تتطلع يوما على القانون ولم تتعرف إلى حقوقها. جل ما تدرك أنها كائنة حية خاضعة لذكورية الرجل. حتى أصول الشرع والفقه لم تطلع عليها فكيف يمكن أن نطلب منها أن تكون أكثر وعيا على حقوقها وتحافظ على كرامتها؟
وعلى سيرة الوعي والإدراك بتفاصيل القانون، هناك من اطلعن عليه لكن مع ذلك فضلن السير في طريق البغاء والدعارة ضمن شبكات دعارة محلية وعربية لتأمين مستوى لائق لعائلاتهن، وفي رأيهن: “الشغل مش عيب. وصفة الدعارة تبقى أفضل من العيش في الخوف والذل والفقر”. ومع انعدام شبكات الأمان المفترض أن تتوافر لتأمين المساعدات الطبية والتربوية والمساندة الحقوقية للنازحين عمد بعض رجالات الفقه والدين إلى نشر بعض التعاليم في أوساط النازحين لتحذيرهم من خطر الآفات الإجتماعية وتحديدا على الأطفال والنساء. لكن دخول شبكات المافيا العربية والعالمية في تجارة الدعارة والبشر والأعضاء على خط مخيمات النازحين يطيح كل التعاليم السماوية وحتى الأرضية.

بيع كلى وعيون
نصل إلى الآفة الأكثر خطورة على حياة الفرد. فهمتم حتما إننا نتكلم عن آفة تجارة الأعضاء. أبو زينب لفت إلى أن هذه التجارة رائجة في أوساط النازحين الذين يعانون ضائقة مالية وتحديدا في البقاع حيث يوجد أكبر تجمع للنازحين السوريين. وأوضح ان التجارة تشمل أعضاء بشرية صحيحة وسليمة مثل قرنية العين والكلي واعضاء أخرى مقابل مبالغ مالية عادية احيانا لكنها تكفي لإنقاذ حياة إنسان وتأمين مستقبل عائلة سورية. وأكد أبو زينب أن غياب الرقابة ساهم في تفشي هذه الظاهرة خصوصا ان أغلبية العمليات الجراحية تتم في عيادات أو مراكز طبية خاصة .المهم أن تتوافر فيها المعدات الطبية المطلوبة لإجراء العملية. لكن المؤسف أن حياة المتبرع تكون على المحك والأغلبية تعاني من تداعيات العمليات الجراحية التي لا تكون في أغلبيتها ناجحة أو مضمونة النتائج.

متسولون ومافيات
كل المعادلات تصح أمام الحاجة والضائقة الإقتصادية. هكذا تفكر أغلبية النازحين خصوصا أن المساعدات الوافدة من قبل مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون النازحين السوريين ضئيلة جدا. ومدة الحصول عليها بعد تقديم العائلة طلبا في أحد مراكزها لا تقل عن 5 أشهر. هذا عدا عن معاناة الإنتظار أمام أبواب المراكز المتوافرة في المناطق. وهذه الضائقة هي المبرر الوحيد في تفسير علماء الإجتماع لمسألة تسول الأطفال أو وضعهم في سوق العمل وسط شروط وظروف تتعارض مع اتفاقية حقوق الطفل. ومجرد نزول الطفل إلى الشارع يتحول إلى طعم في مصيدة تجار المخدرات والدعارة، فيستغلونهم لبيع الحشيشة والكوكايين كون الطفل ابعد ما يكون عن الشبهات. أما الأسعار فلا تتجاوز الألف ليرة لسيجارة الحشيشة، و4 دولار لكل نصف غرام. وفي آخر النهار يستغل التجار الأولاد للعمل على ابواب الملاهي الليلية والمطاعم مما يعرضهم لجميع أنواع التحرشات الجنسية. وفي هذا المجال يؤكد طارق ابوزينب أن عددا كبيرا من الأطفال السوريين بين إناث وذكور يتعرضون لتحرشات جنسية يوميا وقد يقتصر الأمر على المداعبة من دون حصول اعتداء بالكامل كما حصل مع الطفل ذي الأعوام الستة. لكن مجرد إدخال الطفل في هذا العالم فهذا يعني أن جريمة ارتكبت في حق البراءة التي كان يفترض أن تبقى مرسومة على وجهه.
يحصل كل ذلك في لبنان وتحت انظار وعلم المسؤولين. لكن من يسأل؟ فالأولوية للوضعين الأمني والسياسي. لكن الإنفجار الإجتماعي المتوقع على خلفية الآفات الإجتماعية في مخيمات النازحين السوريين سيهز المجتمع اللبناني.
قلتم آفة عابرة؟ تداعياتها لا تبشر بذلك.

جومانا نصر

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق