فنان

جوزف بو نصار في «روميو 11»: الفوز المنتظر

قد لا تكون المرة الأولى التي  ينال فيها الممثل جوزف بو نصار جائزة عالمية. لكن رمزية الجائزة التي نالها كأفضل ممثل عن فيلم «روميو 11» في مهرجان Monaco Charity Film Festival حولته رقماً صعباً على شباك تذاكر السينما الأوروبية، وهو الذي قال ان العمل فيها لا يعوض اذا ما كان منجزاً على أصوله. ومن تابع الفيلم الكندي للمخرج ايفان غيربوفيتش الذي نال بدوره جائزة أفضل مخرج، يدرك أن الخطوة طبيعية بعدما فجر بو نصار إحساسه ومشاعره وقدراته التمثيلية. لكن لماذا «روميو 11» ولماذا جائزة افضل ممثل  للممثل اللبناني جوزف بو نصار؟ الفائز يروي تفاصيل الحدث قبل أن يتسلم الجائزة.

«روميو 11» هو عنوان لفيلم كندي من النوع  الدرامي الطويل. وتتمحور فكرته في شكل اساسي حول الاعاقة الجسدية وما تخلفه من صدمات نفسية وعائلية واجتماعية. يترجم هذه المشاعر الدرامية رامي (علي عمار) الذي يؤدي دور الشاب المعوق والذي حولته إعاقة المشي إلى إنسان يعيش مشاعر العزلة، وعاجز عن تحقيق طموحاته ورغباته وعواطفه. الا انه لم يستسلم لليأس فيقرر ان يتحدى الاعاقة ويعيد الثقة الى نفسه ويتخلص من العزلة.

الانتفاضة على اليأس
الخطوة الأولى تبدأ في دخول رامي الى العالم الافتراضي ويتعرف الى فتاة عبر الانترنت تحت اسم مستعار «روميو 11» ويغريها بالجاه والمال. لكن سرعان ما يكتشف انه وقع ضحية شلة من الأصحاب  تلاعبت بمشاعره وحطمت احلامه. فينتابه حزن شديد ويصاب بصدمة قوية. ولكنه يكمل مشوار التحدي ويصر على مواجهة الخداع والتمسك بالحياة والامل.
هذه «الانتفاضة على اليأس» خلفت مشاعر فرح كبير لدى والده زياد (جوزف بو نصار) الذي كانت تنتابه مظاهر الحزن والقلق على مستقبل ابنه رامي معتبراً انه «دخل في مصالحة مع نفسه ومحيطه العائلي والاجتماعي». وهنا يبرز دور الأب الذي يسعى من خلال مواقف مفعمة بالإحساس المرهف أن ينقذ إبنه الذي يعيش صراعات داخلية، ويصر على إخراجه من بوتقته  بهدف إيصاله إلى بر السعادة الحقيقية التي يخيّل إليه انها تهرب منه. لكن النهاية تكشف أهمية تفاعل المشاعر وإصرار الأب والإبن على تجاوز العقد النفسية التي عاشها نتيجة إصابته بإعاقة المشي. ويتجلى هذا التفاؤل مع دخول عمار في قصة حب حقيقية بعد تعرفه الى فتاة في حفل زواج اخته، فتنفرج اساريره ويبادلها الحب والاعجاب في جو من الصدق والثقة والاطمئنان تمهيداً ربما لنهاية سعيدة.

فوز «طبيعي»
النقاد اعتبروا ان منح الممثل جوزف بو نصار جائزة أفضل ممثل خطوة «طبيعية» ازاء آداء في هذا الحجم. ومن تابع هذا الفيلم الكندي (الذي فاز أيضاً بجائزة أفضل فيلم وأفضل إخراج لإيفان غيربوفيتش)، لم يفاجأ لأن النجاح كتب له منذ اللحظات الأولى على عرضه  الأول في مهرجان «كارلو فيفاري السينمائي» في العام الماضي. ويروي بو نصار عن وقع هذه اللحظات: «أذكر كيف تفاعل الجمهور يومها حيث استمر التصفيق لدقائق طويلة. عندها أدركت أن الفرح الذي عشته في فترة تصوير الفيلم  في كندا واستمر لأكثر من شهر سيعطي ثماراً جيدة. وكان هذا التجاوب الإيجابي لما تضمنه الفيلم من معاناة وأبعاد إنسانية رائعة» إلى حد تأثره شخصياً بالفيلم لدى مشاهدته العرض الأول. ويُعلّق قائلاً: «العمل مع محترفين له نكهة مختلفة، ولا شيء يوازي العمل في السينما، فهذا الفن جميل جداً إذا ما أنجز على أصوله».

مفاجأة
خبر فوزه كأفضل ممثل فاجأه. ولوقع الخبر أسباب كما يرويها بو نصار: «عندما يقدم الممثل عملاً محترفاً ويفجر فيه كل طاقاته فهو حتماً يتوقع أن يلقى الصدى المطلوب عند الجمهور. لكن على مستوى الحكام وهوية المهرجان فإن الوضع يختلف. من هنا لم أكن أتوقع الفوز بالجائزة لأن عملية منح جوائز السينما الأوروبية لممثل لبناني صعبة ومستبعدة. من هنا شكل الخبر مفاجأة على رغم أهمية العمل ككل».
ولا ينكر بو نصار تفاعل المشاعر والأحاسيس في فيلم «روميو 11» خصوصاً أنه يتكلم عن قصة شبه حقيقية لأن الولد الذي يؤدي دوره الممثل علي عمار، يعاني من إعاقة المشي في الواقع. و كان عمار خضع لتدريبات جسدية قاسية لتليين عضلاته وتنشيطها تسهيلاً للحركة والتنقل.
وهكذا من التلفزيون إلى المسرح فالسينما، سجل الممثل جوزف بو نصار محطات عديدة في النجاحات التي قطفها طوال مسيرته الفنية، لكن وصوله الى اداء دور البطولة في فيلم «روميو 11» كان متمايزاً. كيف وقع اختيار المخرج الكندي «إيفان غيربوفيتش» على الممثل اللبناني بو نصار؟
يقول ابو نصار: «عندما بدأت عملية اختيار الممثلين كان هناك إصرار لدى المخرج غيربوفيتش على ان يؤدي دور والد رامي ممثل محترف، لأنه صعب ويتطلب الكثير من الإحترافية. وبعد جوجلة الأسماء المطروحة، وقع الإختيار على شخصي من خلال مشاهدة المخرج لأكثر من 5 أفلام سينمائية كنت شاركت فيها. فاتصل بي وتم الإتفاق على ان أؤدي دور زياد والد رامي». ويشدد بو نصار على الرسالة الإنسانية التي يحملها الفيلم: «هناك هدف واضح من خلال هذا العمل السينمائي الذي تدور قصته حول المشاعر التي تنتاب المعوق في تفاصيل حياته اليومية. وقد أراد الكاتب أن يقول بأن الإعاقة ليست سبباً للوقوف والإستسلام. فمن يثابر ويقرر أن يسير إلى الأمام يصل حتماً على رغم الإعاقة وأياً كان نوعها».

نحو المسرح
في طفولته عشق جوزف بو نصار قراءة الكتب، ومن عمر 12 سنة توسعت دائرة إهتماماته وبدأ يقرأ المسرح ويتابع السينما. وكان ذلك بمثابة القاعدة لمهنته المستقبلية. وتجلى هذا المخزون في سن 16 عاماً حيث قرر أن يخوض غمار العمل المسرحي. فأخذ المبادرة على رغم معارضة الأهل الذين انطلقوا من فكرة: إنو شو المسرح وشو التمثيل؟ لكنه أصر على أن يعبر عن القصص المؤلمة في مجتمعه، وتبين له أن لا سبيل الى ذلك إلا عبر الأداء المسرحي.
شرارة الإنطلاق كانت في العام 1967 مع منير أبو دبس حيث بدأ كطالب، ثم سافر إلى بولندا عند ييجي غروتفسكي ومن بعدها إلى باريس: وفي العام 1980 عاد إلى  بيروت وأسس أول فرقة مسرحية خاصة به في منطقة الجديدة في ضاحية بيروت الشمالية. ومنذ تلك الفترة تنوعت أعماله ما بين الإخراج وإعداد النصوص والتمثيل.
يؤكد بو نصار أنه لم يخطط ليصبح ممثلاً تلفزيونياً، فمنذ البدايات كانت السينما والمسرح شغفه. أما التمثيل التلفزيوني فكان يحل في المرتبة  الثانية. ويؤكد أنه لم يندم على أي عمل تلفزيوني قدمه «لأنني منذ البداية أختار أدواري بتأن شديد. ولطالما راودتني أفكار بأنه، لماذا أضيع هذا الوقت على أعمال تلفزيونية؟ علماً بأن هذه الأعمال تعطي الممثل شهرة محلية بارزة بعكس السينما التي لها جمهورها، وكذلك المسرح. فالتلفزيون في كل بيت بعكس المسرح والسينما اللذين يتطلبان رغبة وقصد بالمتابعة. أما السينما فنجاحها دائم ويعيش طويلاً، كما يؤمن للمثل رصيداً فنياً كبيراً. أما المسرح وهو شغفي الثاني فيتميز بروح العمل الجماعي والأهداف الإنسانية والإجتماعية والسياسية المشتركة. والإثنان يبقيان الأساس والأصل في روزنامة حياتي الفنية».
إنشغال جوزف بو نصار في تصوير «أشرقت الشمس» و«العائدة» في الجزء الثاني حال دون توجهه إلى موناكو لتسلم الجائزة. لكن الرسالة وصلت. جوزف بو نصار فاز بجائزة أفضل ممثل في مهرجان موناكو عن دوره في فيلم «روميو 11». فهل من يشكك بعد بقدرات الفن عند الممثل اللبناني؟ إذا نعم. إسالوا لجنة التحكيم في المهرجان الدولي في موناكو لماذا زياد؟ ولماذا روميو 11؟.

ج. ن

 


«روميو 11» بالدقائق والأسماء
هو من انتاج العام 2011. بلغت ميزانيته مليوناً و200 الف دولار، وهو ناطق بالفرنسية والعربية. كتب السيناريو ساره ميشارا ومن إخراج ايفان غربوفيتش (كندي من اصل صربي). عرض الفيلم لأول مرة على الشاشة الكندية في آذار (مارس) الفائت. وشارك في العمل ممثلون لبنانيون منهم علي حسن عمار او «رامي» (من مواليد بعلبك 1989يتابع حالياً دراسة علم النفس، مصاب باعاقة جسدية)، جوزيف بو نصار (زياد)، كالين حبيب (ندى) وزياد غانم  (بسام
).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق