افتتاحية

متى تنتهي هذه المرحلة السوداء من حياة لبنان؟

مياه الرئاسة الراكدة منذ سنتين ونصف، والتي حركها الحريري منذ اسبوع، لا تزال تتفاعل رغم انها تحولت الى عقدة بفعل فساد مراهقين سياسيين، لا يستحقون ان يمارسوا السياسة، لانهم يجهلون اصولها. فهل تسفر عن نتائج تنهي هذه الصفحة السوداء من حياة لبنان السياسية؟
الجلسة الخامسة والاربعون لانتخاب رئيس للجمهورية، والتي علق اللبنانيون عليها الامال العريضة، مرت كغيرها من الجلسات الاربع والاربعين السابقة، وان كانت قد حملت بعض الجديد، اذ انها حظيت بالاهتمام هذه المرة، على امل ان تحقق الاماني ولكنها لم تفعل. والجديد ايضاً ان هذه الجلسة شهدت حضور النائب عن تيار المردة اسطفان الدويهي، الذي كسر طوق المقاطعة لاول مرة منذ بداية ازمة الشغور الرئاسي، وتلا بياناً اكد فيه ان ترشيح فرنجية مستمر وهو جدي اكثر من اي وقت مضى، وفي ذلك نعي لامكانية الاتفاق على تجاوز الازمة والمبادرة الى انتخاب رئيس للجمهورية. كما ان حضور الدويهي اكد بما لا يقبل الشك ان اخر شعرة بين العماد عون والنائب فرنجية قطعت.
وهنا يطرح السؤال لو كان فريق 8 اذار، وعلى رأسه حزب الله، يريد انتخابات رئاسية، اما كان قادراً على ان يمون على النائب سليمان فرنجية ويطلب اليه السير بانتخاب العماد عون، خصوصاً وان الفرصة هي لفريق 8 اذار، بعد ان غاب مرشحو 14 اذار عن الساحة، وعمدوا الى ترشيح اثنين من 8 اذار؟ ثم الا يستطيع حزب الله ان يطلب من الرئيس بري، وهما على تواصل واتفاق تام، اصلاح العلاقات مع عون والسير به نحو انتخابات رئاسية، وبذلك يتأمن الفوز للذي طالما ردد انه مرشحه الوحيد ولن يتخلى عنه؟ وكان قد قال مؤخراً فليعلن الرئيس الحريري تأييده لعون، فيتم انتخاب رئيس، فهل يبر بوعده؟
ماذا يعني ارجاء جلسة انتخاب رئيس لمدة شهر واكثر، هل السبب اعطاء المزيد من الوقت للمشاورات، للوصول الى نهائيات سعيدة، ام انها من اجل القول انه بدون بري لا انتخابات رئاسية ولا اي خطوات اخرى؟ الحركة قائمة، ولكن الضبابية كثيفة، بحيث لا يمكن تبين الخيط الابيض من الخيط الاسود.
حتى الساعة لم يعلن الرئيس الحريري لا تأييده للعماد عون، ولا تخليه عن ترشيح فرنجية، بل هو يواصل لقاءاته واتصالاته في الداخل والخارج، وداخل كتلته في تيار المستقبل، وعلى ضوء هذه المشاورات سيتخذ القرار الذي يبدو انه سيصب في مصلحة دفع عملية الانتخابات الرئاسية الى التحرك الايجابي. الامور بدت ساكنة راكدة، تماماً كما كانت منذ سنتين ونصف السنة. الا ان تحرك الحريري حركها بقوة. فلماذا؟ وماذا استجد؟ وعلام ارتكز؟ انه لم يرجع الى بيروت بعد غياب اسابيع عدة، ويقوم بهذا التحرك عن عبث ومن فراغ، بل ربما استجد معه امر، او قام بمشاورات في الخارج اوحت اليه بهذه المبادرة، التي يأمل منها كل اللبنانيين خيراً. الا ان الحركة السياسية لبقية الاطراف المحليين لا توحي كثيراً. فهناك جهات لا تريد العماد عون رئيساً، لا بل انها لا تريد رئيساً في المطلق في هذا الظرف، وهي تنتظر تطورات الازمة السورية وما ستسفر عنه الحرب الدائرة والمدمرة التي تقودها روسيا وايران في حلب، وغيرها من المناطق السورية.
قالوا في البداية، فليتفق المسيحيون على مرشح من الشخصيات المسيحية المؤهلة للمنصب، ونحن على استعداد لانتخابه. ولما اتفق التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، تعرقل المسار، وقالوا يجب ارضاء وليد جنبلاط والطائفة الدرزية الكريمة. ولما اعلن جنبلاط انه يمشي بعون، قالوا يجب ان يوافق الحريري، محملين اياه مسؤولية التعطيل، وقالوا ليعلن الحريري تأييده لعون ويتم الانتخاب. وكانوا يعتقدون ان هذا الامر غير وارد، انما افتعلوه من باب الحجج الواهية التي تضع العراقيل وتمنع الانتخاب. ومرة جديدة اقدم الحريري على نزع الورقة من يدهم وهو يقوم حالياً بعملية جس نبض لاخراج البلاد من مأزق الفراغ الرئاسي. ومرة جديدة ايضاً تتبدل المواقف وتنكث العهود ويذهب البعض الى البحث عن حجج جديدة لتعطيل الانتخابات، فطلعوا بقصة السلة.
يبدو ان الفريق المناهض للانتخابات اصبح محرجاً للغاية، ولم يعد بامكانه التستر على ما يقوم به، فحصل نوع من توزيع الادوار. فالحلفاء المتضامنون في السراء والضراء، بدوا متفرقين في الظاهر، طبعاً في اطار مسرحية هدفها الابقاء على الفراغ سائداً. فحزب الله مؤيد للعماد عون وفق تصريحاته المتكررة، ولكن حليفه الرئيس بري ومعه النائب وليد جنبلاط الذي يكاد الا يستقر على رأي، فيوماً يؤيد عون واخر يعارضه، وها هو اليوم يتضامن مع الرئيس بري في رفض رئاسة عون، في موقف مكشوف هدفه المحافظة على الستاتيكو القائم بعدم انتخاب رئيس.
الجميع الان بانتظار انتهاء الحريري من مشاوراته واتصالاته، فاما ان يبقى على تأييد فرنجية، واما يؤيد عون، واما يعلن البحث عن مرشح ثالث يعمل على تسويقه كمرشح توافق، فالى متى الانتظار؟ ومتى تنتهي المرحلة السوداء من حياة لبنان؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق