وجيه نحله… ألوانه تحوّلت الى دموع!
عندما اتصلت به للمرة الأخيرة، كنت أعرف أنني لن أسمع صوته بعد اليوم.. لقد رحل صديق عمري، رحل وجيه نحله الرسام المختلف والمميّز والغزير النتاج الفني، صاحب أكثر من سبعة آلاف لوحة توزعت في بيوت الناس، وفي المؤسسات الثقافية، وفي المتاحف، سواء في لبنان او في دنيا العرب والعالم.
أجل، استطاع وجيه نحله ان يغزو العالم، من خلال لوحة فنية حديثة ومتطورة نابعة من ذاته، ومن جذوره الشرقية، وصولاً الى الآفاق العالمية.
وبشكل أوضح، لقد دخل المسرح بجدارة ونبل وعنفوان، بعدما صبغ الفن العالمي المعاصر بلون الشرق، وبعدما أنقذ مسيرة الفنون التشكيلية التي لا نهاية لها، من الروتين والملل.
وكما ورد في المجلد السنوي للفنون التشكيلية العالمية في سنة 1981: «لقد استطاع وجيه نحله أ يستلهم حضارة الشرق مع الاستفادة من تقنية الغرب… وقد يكون في يوم من الأيام فنان العصر».
من هنا، قال لي ذات يوم: «ليس المهم أن يحقق الفنان النجاح، بل ان يحافظ على مستوى النجاح الذي وصل اليه، بالعمل الدؤوب والجاد، لأن المحافظة على النجاح أصعب من الوصول اليه.. وهذا السبب يجعلني دائم البحث والعمل، ودائم الطموح نحو الأفضل».
لقد ذهب وجيه نحله بعيداً في هذا المجال.. فهو لم يحافظ على النجاح الذي حققه فحسب، بل ان لوحته مرّت بتجارب كثيرة، أكان من ناحية الموضوعات التي تناولها، أو من حيث الألوان التي استعملها، حتى صارت لوحته تدّل على صانعها، وهنا تكمن أهمية الفنان.
لقاءاتي به لا تحصى ولا تُعد، الصحافية والخاصة.. أعجبت به كرسام متفوق، وكإنسان «جنتلمان» ومتواضع يحب الحياة ومنفتح على الآخر، وكصديق نبيل وشفاف تقاسمت معه الخبز والملح وجمال الحياة.. تاركاً الكثير الكثير من الأصدقاء والمعجبين والمعجبات، وعائلة كريمة كل أفرادها يمارسون الرسم.
بعد رحيله، انتابني حزن عميق، وشعرت كأن الوطن صار أصغر، وان ألوان لوحاته المدهشة تحوّلت الى دموع.
وفي اثناء واجب العزاء به، اقترب مني أحد الحضور – لم يسبق لي أن رأيته – وعلى تقاسيم وجهه مسحة من الحزن.. وبعد السلام، قال لي: «بينك وبين الراحل تشابه كبير، فما هي صلة القرابة بينكما؟».
بعفوية قلت له: انه أخي!
واستطردت: أخي الذي لم تلده أمي.
اسكندر داغر