الاقتصادمفكرة الأسبوع

حساب الربح والخسارة في اتفاق ربط “الاحمر” بـ “الميت”

بعد مفاوضات طويلة وشاقة، توصل كل من الاردن واسرائيل والفلسطينيين الى اتفاق وصفه الاطراف الثلاثة بالتاريخي ويقضي بربط البحر الميت بالبحر الاحمر عبر مد خط انابيب، واقامة منشأة لتحلية المياه في مدينة العقبة الاردنية لتوزيعها على الدول الثلاث. فكيف تم الاتفاق ومن هو المستفيد الاكبر، ومن هو المتضرر؟
 

يقول سيلفان شالوم، وزير التعاون الاقليمي الأسرائيلي ان المشروع حظي بترحيب رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، ومحمود عباس الرئيس الفلسطيني، وعبدلله الثاني ملك الاردن. و وقع الاتفاق ثلاثة وزراء من البلدان الثلاثة. وسيكون طول خط الانابيب 180 كيلومتراً تمر كلها في الاراضي الاردنية، وسينقل 100 مليون متر مكعب من المياه سنوياً من البحر الاحمر الى البحر الميت كما جاء في الاتفاق. وتقدر كلفة المشروع بما بين 250 و 400 مليون دولار، وستمتد فترة التنفيذ بين اربع وخمس سنوات. وستنتج منشأة تحلية المياه في العقبة 80 مليون متر مكعب من المياه المحلاة. ويعتبر الخبراء ان هذا الخط هو "صيغة جديدة لمشروع قناة المياه بين البحرين كما جاء في صحيفة يديعوت احرونوت".

من المستفيد؟
لا يحتاج التحليل الى كبير عناء لكي ندرك ان الاقوى دائماً في اي إتفاف تعددي هو مبدئياً المستفيد الاكبر، وهناك اكثر من دليل على ان اسرائيل حققت "حلمها" المزمن في هذا الاتفاق والقاضي بربط البحرين. ثم ان مكان توقيع الاتفاق (مقر البنك الدولي في واشنطن) يوحي بتحكم اسرائيل بمسار المفاوضات والاتفاق نفسه. كما ان هذا المشروع هو صيغة منقحة لمشروع قناة البحرين، الذي تم الحديث عنه منذ توقيع اتفاقية السلام بين اسرائيل والاردن في العام 1994، من دون ان نغفل ان قناة المياه كانت حلم "ابو الدولة العبرية"، تيودور هرتزل، والتي وردت في كتابه "التنويلاند" عام 1902. والقناة المفترضة كان يطلق عليها اسم قناة البحرين، وفي العبرية"تعالات هاياميم". وكانت الفكرة الاساسية تقضي بربط البحر الميت باحد البحار المفتوحة (البحر الاحمر والبحر الابيض المتوسط) مستفيداً من فارق منسوب المياه البالغ 400 متر، على ان تعوض المياه المتدفقة عبر القناة انخفاض مستوى البحر الميت بسبب تحويل المياه الى اسرائيل بواسطة "سد دغانيا" المقام على نقطة الاتصال بين بحيرة طبريا ونهر الاردن، وسحب المياه الحلوة المتدفقة طبيعياً الى البحر الميت الى اجهزة الري الاسرائيلية والاردنية والفلسطينية. وينطوي مشروع القناة على الاستفادة منها لتوليد الطاقة الكهربائية التي قد تستخدم  لتشغيل منشآت تحلية المياه، مما يزيد في كمية المياه المتوفرة للشرب والزراعة، اضافة الى فتح قناة موازية لقناة السويس تؤمن حدودها الجنوبية الشرقية بسد مائي وجعله موقعاً سياحياً يوازي شرم الشيخ.

من المتضرر؟
ولا تحتاج معرفة المتضرر ايضاً كبير عناء، اذ يكفي ان نشير الى ان فكرة القناة طرحت مرات عديدة منذ منتصف القرن العشرين، لكن الخبراء رفضوها خشية من تداعيات غير متوقعة على البيئة، وتركيب مياه البحر الميت. اما الحكومات في الدول المعنية فرفضت الفكرة لأسباب سياسية واقتصادية خشية من تكاليف المشروع من دون ثقة كاملة بنجاحه. فما عدا مما بدا حتى اسقطت كل الاسباب هذه دفعة واحدة؟
خلافاً لما اورده البنك الدولي، عراب الاتفاق، شككت جمعية اصدقاء الارض بالفائدة المرتجاة من المشروع، وقالت انه سيكبد الاردن اموالاً طائلة تضاف الى ديونه الكبيرة. فالمشروع لن يكون في وسعه توليد طاقة كهربائية لتشغيل معامل التحلية. واكد رئيس الجمعية منقذ المهتار ان الاردن فهو سيضطر الى توليد طاقة كهربائية بقوة الف ميغاواط لاغراض التشغيل والضخ، اضافة الى استدانة اكثر من ملياري دولار، مما يزيد كلفة مياه الشرب ثلاثة اضعاف عما هي عليه اليوم.
اما على صعيد البيئة فقد اعتبر تقرير الجمعية ان المشروع يشكل كارثة بيئية بكل معنى الكلمة. سيضر بالشعاب المرجانية في خليج العقبة نتيجة ما يفترضه المشروع من عدم انخفاض لمنسوب البحر الميت من اجل تزويد الاردن بالمياه الصالحة للشرب، فضلاً عن تحول مياه هذا البحر الى جبسية، وتكوّن طحالب تساهم في تحول لونه الى الحمرة، كما يتخوف حماة البيئة من تسرب مياه صالحة الى المجمعات الجوفية من المياه العذبة.
ويقول جدعون برومبيرغ مدير جمعية اصدقاء الارض – اسرائيل ان المشروع كان يجب ان يحمي البيئة، ولا يشكل كل هذا الضرر بالبحر الميت ووادي عربة وايلات وخليج العقبة. ويلاحظ ان المخاوف من اضرار واخطار المشروع تتوزع على ضفتي البحر الميت، ولكن على مستوى الخبرات وجماعات البيئة، لا على المستوى السياسي. لكن المستحمين في مياه البحر سيدركون قبل سواهم اختلال الاملاح في مياه البحر.
وتحت عنوان "هل يحيي البحر الاحمر البحر الميت"، قال احد الخبراء ان مياه البحر الميت كانت الاكثر ملوحة في العالم، ويعتبر ذلك من غرائب الطبيعة لكن صفحته الزرقاء بدأت بالانكماش وتنذر بالخطر. واكد ان منسوب المياه انخفض 24 متراً، وان الشاطىء تراجع نحو كيلو متر، وفي غضون 60 عاماً سيختفي هذا الشاطىء ويتحول البحر الميت الى بحيرة صغيرة.

 

ولادة الفكرة
اقترح الفكرة الأولى الاميرال البريطاني وليم آلن عام 1855 وقد اطلق عليها اسم "البحر الميت – طريق جديد الى الهند". وفي ذلك الوقت لم يكن يعرف ان البحر الميت يقع تحت مستوى سطح البحر. وكان دافع آلن الى اقامة القناة ايجاد بديل لقناة السويس التي كانت تحت سيطرة الفرنسيين. وبعد آلن جاء العديد من المهندسين والسياسيين الذين التقطوا الفكرة، ومنهم تيودور هرتزل عام 1902 في كتابه "التنويلاند". معظم المقترحات الاولى تستخدم الضفة الشرقية لنهر الاردن، لكن صيغة معدلة قضت باستخدام الضفة الغربية بعد فصل فلسطين عن الاردن. ثم احياء الفكرة في ثمانينيات القرن الماضي لاغراض توليد الطاقة في اعقاب ازمة النفط عام 1973. ثم تم التطرق الى الفكرة مجدداً خلال التسعينيات نتيجة أزمة المياه، بالاضافة الى طريق غزة – مسعدة، وفكرتين اخريين، لكن اياً من هذه الاقتراحات لم يأخذ طريقه الى التنفيذ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق