افتتاحية

ملايين ضائعة وجيوب جاهزة للتعويض

قال الوفد النيابي الاوروبي الذي زار لبنان قبل اسبوعين: «يجب مكافحة الفساد وملاحقة المسؤولين اللبنانيين وتجميد اموالهم، والدفع نحو تحقيق العدالة وعدم السماح بالافلات من العقاب». وتهمة الفساد تلاحق السياسيين اللبنانيين في العالم، وصدرت عن معظم المنظمات الدولية. قبل ايام صدر تقرير عن ديوان المحاسبة اتهم ستة وزراء تعاقبوا على وزارة الاتصالات حتى اليوم، بالتسبب بضياع 110 ملايين دولار على الخزينة اللبنانية. ولن نناقش التصريحات التي صدرت عن هؤلاء الوزراء، وقد حاول كل منهم تبرئة نفسه والقاء المسؤولية على غيره، ونترك للتحقيق ان يظهر الحقيقة. المهم ان ملايين ضاعت على الخزينة وهناك مسؤولون عن ضياعها ويحق للمواطنين ان يسألوا، اما كان من الافضل ان يحافظ المسؤولون في وزارة الاتصالات على اموال الخزينة، ويجنبوها الخسائر وهي بالملايين، بدل فرض رسوم خيالية على المكالمات الهاتفية التي باتت تحلق من شهر الى شهر، وهي ترافق الارتفاع الجنوني للدولار؟ ان ربط هذه الفواتير بالدولار خطة مدبرة لضرب القدرة الشرائية للبناني، وابقائه تحت رحمة المنظومة التي ذاعت شهرتها بانكار شعبها. ولم تكتف وزارة الاتصالات بهذا التدبير المشبوه، بل انها رفضت تحديد سعر بطاقة التشريج كما كان يحصل سابقاً وتركت للمحلات التجارية تحديده، فتحول بعضها الى مافيات تفرض الزيادات التي تريدها على سعر البطاقة وهي تفوق نصف قيمة الفاتورة، دون ان تصدر كلمة واحدة عن الوزير او عن اي مسؤول في الوزارة.
ويبدو ان هناك مخططاً لافقار الشعب. فما يجري في وزارة الاتصالات هو نسخة طبق الاصل عما يجري في وزارة الطاقة وشركة كهرباء لبنان. لقد ربطت الفواتير هي الاخرى بالدولار وراحت تحلق معه. ولم يكتف المعنيون بذلك، بل اضافوا نسبة 20 بالمئة على الفاتورة، حتى فاق سعر الكيلووات ساعة ببعيد سعر الدولار في السوق السوداء. ويجب الا ننسى ان رفع التعرفة في الكهرباء كان مشروطاً بتأمين التيار من ثماني الى عشر ساعات في اليوم، الا ان ذلك لم يتحقق، والمسؤولون كانوا يدركون انهم لن يتمكنوا من تأمين هذه الكمية، ومع ذلك خدعوا المواطنين ليمرروا الزيادات ورتبوا عليهم اعباء باهظة. من جهة هناك فاتورة المولدات التي بقيت على ارتفاعها الخيالي، ومن جهة اخرى اضيفت اليها فاتورة الكهرباء التي لا تقل عن الاولى، واقل ما يقال فيها انها ليست عادلة، وان الهدف منها تعويض الخسائر الفادحة التي تقدر بالمليارات والتي ضاعت نتيجة الهدر والفساد، وحتى الساعة لا يزال متعذراً تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء التي من شأنها ان توزع المسؤوليات، فلا تبقى كل الاوراق في يد الوزير يتحكم بها كيفما شاء دون حسيب او رقيب، ورغم مطالبات البنك الدولي والهيئات الدولية الاخرى، يبقى المعنيون متمسكين برفض تشكيل هذه الهيئة، الا اذا جردت من الصلاحيات التي يجب ان تناط بها. وبعد ذلك هل يجوز ان نسأل كيف طارت المليارات؟
والمؤامرة على جيوب المواطنين مستمرة، يتوزع المسؤولون فرضها عليهم. فشركة مياه بيروت وجبل لبنان رفعت رسومها من سنة الى سنة حتى اصبحت بالملايين، وهي تستعد للمزيد مقابل قساطل جافة يكاد الصدأ يتآكلها. لقد اصبحت اشبه بسد جنة الذي دمر جبلاً كاملاً باشجاره وصخوره وترابه، ولم يتحول الى سد الا بالاسم فقط، وبذلك ضاعت الملايين وهدرت. اما المواطنون المغلوبون على امرهم فهم مضطرون الى دفع فاتورتين، الاولى لشركة المياه مقابل انقطاع شبه دائم لهذه المادة الحيوية التي هي في اساس حياة الانسان، وفاتورة اخرى هي للصهاريج التي تنقل المياه الى المنازل وقد بدأ اصحابها يتحكمون بالسعر لعلمهم انه لا يمكن الاستغناء عنهم.
هذه نماذج عن سياسة هذه الحكومة التي تمعن في ضرب حياة المواطنين وتغرقهم في الضرائب والرسوم، حتى تجاوزت كل الخطوط الحمر وهي ماضية في سياستها غير عابئة بالانتقادات التي تنهال عليها من الداخل والخارج. المهم عندها مصالحها الخاصة ومن بعدها الطوفان.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق