رئيسيسياسة عربية

فلسطين: الانتفاضة الثالثة عادت تدق ابواب اسرائيل

كما كان مرتقباً، اعادت قضية وفاة الاسير الفلسطيني عرفات جرادات (30 عاماً) في سجن مجدو الاسرائيلي والتداعيات والارتدادات التي نجمت عنها بشكل سريع، رسم الكثير من جوانب الوضع الذي آلت اليه القضية الفلسطينية عموماً، وما يندرج تحت عنوانها العريض من تفاصيل وعناوين فرعية.

لم يعد خافياً ان ردة الفعل الغاضبة من الشارع الفلسطيني على جريمة مقتل الاسير الشاب جرادات، لم تبلغ درجة الانتفاضة حسب ما راهن عليه بعض المتعاطفين مع القضية الفلسطينية وحسب ما خشي منه الاسرائيليون انفسهم وتحسبوا له. الا ان الجريمة اعادت بعث روح التحفز والاستعداد على نطاق واسع في الساحة الفلسطينية وقد ظهر ذلك جلياً في يوم التشييع الحاشد لجرادات في قريته في الضفة الغربية، وفي المسيرات ومظاهر الاحتجاج الاخرى التي سرعان ما برزت في هذه الساحة والتي لامست حسب بعض التقديرات، حدود الانتفاضة الفعلية على نحو ارعب فعلاً سلطات الاحتلال الاسرائيلي وجعلها تطلق ناقوس التحذير من اندلاع هذه الانتفاضة.
ولم يعد خافياً ان الكيان العبري يعيش منذ اشهر عدة على خوف حقيقي من اندلاع انتفاضة ثالثة، تعيد خلط الاوراق وتدخل تعديلات وتحولات على خريطة الواقع القائم في الضفة الغربية على وجه التحديد، على نحو يقلب الاوضاع رأساً على عقب ويضطر السلطات الاسرائيلية الى اعادة النظر في اشكال وانماط تعاطيها مع الواقع الفلسطيني.

تخوفات
فتحت التخوفات والتحذيرات الاسرائيلية من اندلاع مفاجىء لانتفاضة فلسطينية ثالثة والتي زادت بطبيعة الحال اثر وفاة الاسير جرادات في ظروف ما زالت ملتبسة، الباب امام العديد من المراقبين على تساؤلات حول حقيقة هذه التخوفات التي بدأت اسرائيل تفصح عنها بين الحين والآخر.
واستطراداً: هل هذه التخوفات عبارة عن تحذيرات ضمنية للسلطة الفلسطينية التي طالما جاهرت على لسان رئيسها محمود عباس (ابو مازن) برغبتها الاكيدة في تفادي وتحاشي اندلاع انتفاضة جديدة، تقطع الطريق على اسلوب التفاوض والديبلوماسية الذي جعلته السلطة الفلسطينية اساساً ومحوراً في عملها وتوجهاتها؟
ومما زاد من حدة هذا السؤال ان السلطات الاسرائيلية قرنت تخوفاتها بتحذيرات للسلطة الفلسطينية نفسها من انها قد لا تستطيع لجم اي انتفاضة اذا حصلت في هذه المرحلة بالذات. وفي هذا الكلام تحذير مبطن للسلطة الفلسطينية ولحركة فتح التي تشكل العمود الفقري لهذه السلطة من ان قيادة الانتفاضة ستكون بيد جهات اخرى، والمقصود بطبيعة الحال حركة حماس وما تكوكب حولها من تنظيمات راديكالية واسلامية.
وبطبيعة الحال، ثمة من يأخذ امر «التخوفات» الاسرائيلية المتكررة عن قرب لجوء الفلسطيني الى خيار الانتفاضة مجدداً، على اعتبار انها جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الاسرائيلية المستمرة لجبه اية تحركات فلسطينية محتملة، او للتغطية على ممارسات وتدابير يمكن ان تلجأ اليها السلطات الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.

مبررات
وفي مقابل هذه الاحتمالات ثمة من يرى ان التخوف الاسرائيلي من حصول انتفاضة له ما يبرره على ارض الواقع الفلسطيني، حيث الاحباط الفلسطيني من عدم التزام اسرائيل بأية تعهدات اطلقتها سابقاً بلغ ذروته، في حين ان الممارسات القمعية والوحشية الاسرائيلية وعمليات الاستيطان وتقطيع اوصال المدن والتجمعات البشرية الفلسطينية مستمرة، في حين تتواصل عمليات تضييق الخناق على الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين.
وبطبيعة الحال، لا شك في ان القيادة العسكرية الاسرائيلية تلحظ وترصد عمليات اعادة تنشيط خلايا ومجموعات يمكن ان تشكل لاحقاً مادة لأية انتفاضة هي خلايا ومجموعات تنتمي الى كل الفصائل والتنظيمات الفلسطينية بما فيها الجناح العسكري لحركة فتح.
وعليه فإن اصحاب هذا التوجه يعتبرون ان التخوفات الاسرائيلية من اندلاع انتفاضة فلسطينية بين ساعة واخرى هي تخوفات ليست كلها من باب التشهير والاستخدام الاعلامي، بل في جزء كبير منها تخوفات حقيقية كون خيار اللجوء الى الانتفاضة لدى الفلسطيني لم يسقط اطلاقاً من قاموس النضال الفلسطيني، لا سيما بعدما عادت حركة حماس لتتحرك بحرية اكبر في الضفة الغربية، فضلاً عن مساعي المصالحة الفلسطينية التي بدأت قبل فترة، وهي ان لم تنضج بعد تماماً وهي تتعثر في بعض الاماكن والمحطات، الا انه من الواضح ان ثمة حرصاً من كلا الطرفين، اي من السلطة ومن حركة حماس، على عدم اقفال الابواب امامها تماماً كما حصل في مرات سابقة عدة.
والواضح ان الفلسطينيين على كل انتماءاتهم حرصوا كثيراً على جعل مناسبة وفاة الاسير جرادات بالطريقة التي قضى فيها خلف قضبان الاسرائيلي، مناسبة لابراز مظاهر القوة من جهة، وعدم التهاون في الرد القاسي والسريع على هذا الفعل الاجرامي.

الغضب الساطع
وبمعنى اخر، ابدى الفلسطينيون درجة عالية من الاستعداد المادي والمعنوي لكي لا يمر حادث بمستوى وفاة الاسير جرادات بشكل عابر ومن دون اية تداعيات او ردود فعل، موجعة ومرعبة للسلطات الاسرائيلية.
اذ وفور ذيوع نبأ وفاة الاسير جرادات كانت حناجر مئات آلاف الفلسطينيين تهدر مدوية بالغضب الساطع في كل شوارع المدن الفلسطينية، وخصوصاً يوم التشييع.
وفي الوقت عينه، تبنت كتائب شهداء الاقصى الجناح العسكري لحركة فتح عملية اطلاق صاروخ سقط في مدينة عسقلان في اراضي 1948 وتسبب بسقوط اضرار.
واللافت ان الاذاعة الاسرائيلية نقلت عن مسؤولين عسكريين صهاينة، بأن الصاروخ كان عبارة عن صاروخ معدل من طراز «غراد ام – 75» وهو يستخدم للمرة الاولى.
وان صحت هذه الرواية الاسرائيلية فإنه من الواضح ان حركة فتح ارادت ان ترسل رسالة الى من يهمه الامر اي الى الاسرائيليين من جهة، والى الجمهور الفلسطيني من جهة اخرى عنوانها ان خيار استخدام الصواريخ والسلاح لم يسقط تماماً من حساب فتح والسلطة اذا ما اضطرت الى اللجوء الى هذا الخيار مجدداً.
مع العلم ان السلطة الفلسطينية ابدت حرصها على عدم تحول الانشطة التضامنية مع الاسرى المضربين عن الطعام في السجون الاسرائيلية الى مواجهات عنيفة مع القوات الاسرائيلية، وذلك بناء على تعليمات مباشرة صدرت عن رئيس السلطة «ابو مازن» الى قادة الاجهزة الامنية التابعة للسلطة الفلسطينية.

رسالة عباس
والمفارقة ان عباس حرص في الوقت عينه، على بث رسالة اعلامية – سياسية اخرى في ذروة ردة الفعل الفلسطينية على مقتل الاسير جرادات، فحواها ان توتير الاوضاع وتصعيد المواجهات مع الاسرائيلي هما استجابة لمصالح السلطات الاسرائيلية التي تريد جر المنطقة الى مربع الفوضى وفق قول عباس نفسه، في وقت اعلنت حماس عن ان اجهزة الامن التابعة للسلطة الفلسطينية اعتقلت عدداً من نشطائها بحجة انهم كانوا يخططون لتحويل الاحداث الى مواجهات عنيفة.
وفي كل الاحوال بدا واضحاً من خلال تطورات الايام القليلة الماضية في الاراضي الفلسطينية المحتلة، انه بقدر ما كانت تداعيات وردود الفعل على حادث وفاة الاسير جرادات باعثاً على الاطمئنان بأن الشعب الفلسطيني ما برح مقيماً على تحفزه واستعداده لمواجهة ممارسات قوات الاحتلال وسياساته، فإنها اظهرت في الوقت نفسه ان مسيرة المصالحة الفلسطينية التي يعلق الكثيرون الامال عليها، لم ترق بعد الى المرحلة السليمة المطلوبة اذ اظهر حادث دراماتيكي بمستوى مقتل اسير بأن ثمة تباينات في الرؤى وحصراً من فتح مثلاً على القول ان حماس تحافظ على الاستقرار والهدوء القائم في غزة الواقعة تحت سيطرتها، فيما هي نفسها لا تترك فرصة لجر الضفة الغربية الى مواجهة عنيفة بهدف المس بالسلطة الفلسطينية وفق قول احدى القيادات الامنية التابعة للسلطة الفلسطينية.

تحرك الامم المتحدة
ومهما يكن من امر فإن الصدى المدوي المندد بقتل الاسير جرادات والمتعاطف مع الفلسطيني كان كبيراً، خصوصاً وان الامين العام للامم المتحدة بان كي مون اعرب  عن تأييده لاجراء تحقيق مستقل في قضية مقتل الاسير جرادات.
واللافت ان الدعوة الى اجراء هذا التحقيق اتت من دون الاشارة الى قيام اسرائيل به وهو امر توقف عنده الكثيرون واعتبروه تطوراً لافتاً في مواقف المنظمة الدولية حيال قضية من قضايا الشعب الفلسطيني.
وكعادتها عطلت الولايات المتحدة تبني مشروع بيان في مجلس الامن اقترحه المغرب ويدعو الى تحقيق مستقل وشفاف في وفاة الاسير جرادات، وهو امر لو تم لكان نصراً مبيناً للشعب الفلسطيني في هذه المرحلة.
وفي كل الاحوال، الزوبعة التي اثارتها قضية وفاة جرادات اعطت ولا ريب ثمارها على كل المستويات.

ا. ب

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق