أبرز الأخباردوليات

هل يواجه العالم حرب انترنت باردة؟

على ايقاع انتصار انتخابي حققه في تشرين الثاني (نوفمبر)  الماضي، وشعبية في ارتفاع، واجه الرئيس باراك اوباما، الكونغرس الاميركي، ملتئماً بمجلسيه، بمجموعة من المقترحات، ترمي الى اعادة اطلاق اصلاحاته الاقتصادية والاجتماعية، بروح صدامية متجددة، وبمشروع لتخفيض الترسانة النووية في اميركا.

تضمن خطاب الرئيس الاميركي عن «حالة الامة»، اقتراحاً للتفاوض حول عقد اتفاقية مع روسيا على تخفيض عدد الرؤوس النووية التي جرى تكديسها في ايام الحرب الباردة، في اطار مبادرة ترمي كذلك، الى تخفيض ميزانية البنتاغون، بينما يمكن تحويل المبالغ التي يتم توفيرها لمحاربة الارهاب الانترنيتي، الذي يشكل التهديد الجديد للامن القومي الاميركي والعالمي. وارفق اوباما هذا الاعلان، بتوقيع مرسوم ضد هذه الآفة.
وعلى الصعيد الداخلي، لم يحمل اوباما، هذه المرة، غصن زيتون، كان قدمه الى المعارضة الجمهورية، كما فعل قبل اربع سنوات، في خطابه الاول، عن حالة الاتحاد، فلم يقدم اي تنازل او اية مساومة، لحزب جمهوري مصاب بالوهن والتمزق، لاجباره على الاستسلام، وطرح اوباما مشاريع، سبق ان عرضها الجمهوريون، مثل استشارات جديدة في البنى التحتية وتخفيض النفقات، للتعويض وعدم زيادة العجز، فعدّل طريقة المواجهة مع الجمهوريين.
وخصص باراك اوباما، قسماً من خطابه الاصلاحي للسياسة الخارجية، برز منه، في ما يتعلق بمنطقتنا، الحؤول «دون امتلاك ايران السلاح النووي»، و«دعم اسرائيل، في مواصلة السعي لتحقيق سلام دائم في الشرق الاوسط»، و«البقاء الى جانب من يناضل من اجل الحقوق العامة والحريات» في العالم، بدءاً من الناس في سوريا».
وجدد: «ان الحرب في افغانستان ستنتهي في آخر السنة المقبلة»، مع تجديد التعهد «بمحاربة ما بقي من القاعدة»، ولكن مطاردة الارهابيين ستستمر، في اطار «احترام القانون»، ساعياً بذلك، الى ابعاد التشكيك بعدم دستورية استعمال الطائرات من دون طيار و«لائحة المطلوب قتلهم».

تخفيض النووي
تعهد اوباما «بتحقيق تخفيض اضافي»، بالتوافق مع روسيا، في الترسانة النووية لاعطاء الاولوية للحرب ضد الارهاب ولحماية اميركا من «تلك الدول التي تسعى في استمرار الى سرقة اسرارنا».
ويعرف الجميع انه يعني الصين، التي لم يسّمها، كما انه لم يذكر التجربة النووية، التي قامت بها كوريا الشمالية، قبل ساعات من خطابه.
ومن المؤكد انه يستطيع تحقيق هدف تخفيض الرؤوس النووية من 1700 الى 1000، بفضل اتفاق مع روسيا، وكانت كشفت مكبرات صوت، بقيت مفتوحة خطأ، وعد اوباما الى ديمتري مدفيديف بـ «مزيد من الليونة»، بعد اعادة انتخابه، من دون الاضطرار الى اعادة التفاوض حول مجمل معاهدة ستارت النووية الثانية.
وترمي هذه المبادرة الى تحقيق هدف آخر: التقارب من جديد، مع روسيا فلاديمير بوتين، في احدى المراحل الاكثر برودة في العلاقات الحالية، بين موسكو وواشنطن. واشارت جريدة التايمز، الى مصادر في البيت الابيض، لتقول بأن اوباما سيناقش خلال لقاءات يجريها مع بوتين، خلال السنة، زيادة اضافية على تخفيض الاسلحة النووية الستراتيجية لدى البلدين، الى 1000 رأس، بدلاً من 1550، نصت عليها اتفاقية ستارت الجديدة، التي وقّعها اوباما مع مدفيديف في ربيع 2010.
خطاب اوباما، الذي دام ساعة كاملة، كان الاكثر كثافة بمحتوياته، من كل الخطب التي القاها منذ دخوله البيت الابيض في سنة 2009، كما قوطع بالتصفيق 80 مرة، وقوفاً وقعوداً، ولكن المراقبين لاحظوا ان رئيس الاكثرية الجمهورية في مجلس النواب، جون بوهنر، بقي جالساً على مقعده، عندما طلب اوباما، دعم الكونغرس، بقوانين مكافحة اقتناء الاسلحة النارية.
وتولى الرد باسم المعارضة، على خطاب الرئيس السيناتور ماركو رومنين، الاوفر حظاً لقيادة الجمهوريين، في معركة الرئاسة في سنة 2016، فاتهم ادارة اوباما. بانها «ليست اكثر من حكومة تفرض ضرائب اكثر وتنفق اكثر، وتحمّل البلاد ديوناً اكثر، كما فعلت عندما سجلت نسخة بالاسبانية لخطاب الرئيس بثته التلفزيونات الناطقة بالاسبانية، من اجل زيادة شعبية الرئيس الذي منح الجنسية للمهاجرين غير الشرعيين من اميركا اللاتينية.
ومن اجل التسريع في تخفيض الترسانة النووية، اوفد اوباما الى موسكو، في نهاية هذا الاسبوع، مستشاره للامن القومي، توم دونيلون، سعياً وراء «اتفاقية حبية» تمرر دون الحاجة الى موافقة برلمانات البلدين.
وشرح رئيس الاركان الاميركية المشتركة السابق ومستشار اوباما، جيمس كارترايت، سبباً آخر لمبادرة البيت الابيض، «ان ترساناتنا الحالية لن تبقى صالحة لمواجهة تهديدات القرن الواحد والعشرين».
وكان اوباما، لوّح في براغ، في ربيع 2009، بانه يتطلع الى «عالم من دون سلاح نووي». ويشير داريل ك. جيمبال، مدير «جمعية مراقبة التسلح»: «ان التخفيض (الذي يسعى اليه اوباما)، لا يدخل تعديلاً اساسياً، على الترسانة النووية، القائمة على اسلحة مركزة على صواريخ، وسفن وطائرات، مما يجعلها اكثر قبولاً من الناحية السياسية».

التهديدات الانترنيتية
واما على صعيد «التهديدات الجديدة المطلوب مواجهتها»، فان اوباما دعم القيادة التي ستتعاطى مع التهديدات الانترنيتية، برفع عدد العاملين فيها من 400 الى 1900، بينما اعلن البنتاغون، تحويل نشاط هذا القطاع، من الدفاع، الى هجمات محتملة، على اهداف معادية. وكانت الدوائر المعنية، كشفت في الاسابيع الاخيرة، عن تزايد عدد الاعتداءات الانترنيتية، على مؤسسات وصناعات اميركية، من قبل قراصنة الشبكة العنقودية، في الصين وايران، مما دفع الكونغرس الى الضغط على البيت الابيض، من اجل ان يزيد المخصصات لمواجهة هذا الخطر.
واكد ابعاد هكذا مخاطر، تقرير رفعته 16 وكالة مخابرات، اتهم الصين مباشرة بـ «محاولات اختراق الادارات الحكومية والقطاع الخاص في الولايات المتحدة، من اجل الحصول على معلومات يمكن ان تؤدي الى فوائد اقتصادية». واشارت «واشنطن بوست»، الى ان «الهاكر» الصينيين حصروا اهتمامهم، حسب التقرير المذكور، على مدى الخمس سنوات الاخيرة، في قطاعات المحروقات، والمال والتكنولوجيا، والفضاء والطيران، وصناعة السيارات، مما تسبب بـ «خسائر فادحة، يصعب تحديدها بعد  على الاقتصاد الاميركي».
وتعتقد المخابرات الاميركية، ان التجسس الانترنيتي الايراني، «اكثر حداثة»، بينما تسعى روسيا واسرائيل وفرنسا، الى محاولات مماثلة، اقل كثافة. واعلن باراك اوباما، الحرب على الارهاب الانترنيتي الموجه عن بعد، ووقع مرسوماً بهذا المعنى، يسمح للمؤسسات الخاصة العاملة في القطاعات التي لها علاقة بالامن، باعتماد تدابير وقاية، ومكافحة ضد قراصنة المعلوماتية، تؤمنها الحكومة.
واعلن البنتاغون، انه ينوي «تجنيد» 4000 خبير اضافي. وتقدر الدراسات ان العالم يتعرض الى 16 اعتداء انترنيتياً، في كل ثانية، اي ما يوازي مليون ونصف مليون محاولة «اجرامية» في اليوم الواحد، وقدرت قيمة هذه الصناعة غير الشرعية، بحوالي 100 مليار دولار في سنة 2012.

مركز مكافحة اوروبي
واعتمدت اوروبا، من جهتها في سرية تامة، كما هو مفروض في نشاط كل الاجهزة الامنية الخاصة، مركزاً جديداً، متخصصاً في مكافحة الارهاب الانترنيتي، بدأ اعماله في 11 كانون الثاني (يناير) وسيشكل احد المراكز الاساسية في الحرب الرقمية الجديدة.
وتشمل مهام المركز اجرام الافراد، بواسطة الانترنت، ومكافحة تعطيل شبكات تواصل المؤسسات والمصارف وسرقة معلومات سرية ودقيقة او تبادل معلومات اجرامية.
وتتكون نواة المركز الاوروبي، في لاهاي، من 43 خبيراً في شؤون الامن الانترنيتي، بقيادة مدير الشرطة الدانيماركية السابق، ترويلز اورتينغ صاحب الخبرة الطويلة في مكافحة الاجرام التكنولوجي ولا تتعدى ميزانيته الحالية 7 ملايين يورو، مقتطعة من ميزانية منظمة الشرطة الاوروبية «يوروبول» التي تبلغ حوالي 80 مليوناً لسنة 2013.
ولا ندري اذا كانت مخاوف اوروبا توازي مخاوف الولايات المتحدة خطورة، مثل احتمال وقوع اعتداء على شبكات النقل ام الكهرباء، لكن واشنطن تؤكد ان دوائرها حصلت على معلومات اكيدة، عن ان متسللين «دخلوا» الى انظمة المراقبة في عدد من بنى مثل هذه الانظمة.
وتؤكد ادارة اوباما، انها ستعتبر اي اعتداء من هذا النوع «عملاً حربياً».
ومن اجل مواجهة هذه الاخطار، سيقيم الاميركيون، تعاوناً مع المؤسسة الخاصة بهذه الحرب التي انشأتها اوروبا».

لماذا فشل مؤتمر دبي؟
وكانت بوادر هذه الحرب الجديدة، عندما انتهى المؤتمر الدولي للاتصالات، الذي انعقد في دبي في منتصف كانون الاول (ديسمبر) الماضي الى الفشل. بعد عشرة ايام من المناقشات، رفضت 55 دولة من بينها اوروبا بكاملها، والولايات المتحدة وكندا واوستراليا واليابان، والهند توقيع المعاهدة الجديدة، حول الاتصالات اللاسلكية.
صحيح ان 89 دولة، وقعت على المعاهدة ولكن الفارق هو في وزن الرافضين، وفي طليعتهم الولايات المتحدة، السياسي والاقتصادي، ويبقى من الصعب فهم اسباب فشل مؤتمر ينتظره العالم، منذ سنوات وجرى الاعداد له في اتقان.
واذا كانت نقطة الثقل هي انترنت، فان كلمة انترنت لا تظهر في اي مكان من صفحات المعاهدة العشر، فلا نقراءها الا في قرار ملحق، ليس له اي طابع الزامي.
بينما المادة الاولى من المعاهدة، تنص في صراحة، على ان هذه المعاهدة، «لا تنص على محتويات الاتصالات اللاسلكية»، التي يفرض قراءتها الانترنت.
السنوات المقبلة، هي التي ستحكم على ما اذا كانت ذيول موقف الولايات المتحدة، وسائر الدول التي لم توقع ايجابية ام لا، على تطور الانترنت، ام اذا كانت سجلت انطلاق «حرب رقمية باردة».
فاذا كان من المنطقي، حصر الجهود في تحسين نظام ادارة الانترنت في العالم، التي امنت الانترنت انطلاقة وتوسعاً وتمدداً كبيراً، فان الوقت حان للتوقف اكثر عند شؤون بقيت حتى الآن، خارج الاهتمامات. فما هو الجهاز الافضل، مثلاً، المفروض ان يناقش في فاعلية، من هو الرابح ومن هو الخاسر، مع انترنت على الصعيد الاقتصادي؟ اين تنظم المناقشات حول فائدة هذا النظام، في مجال التنوع الثقافي؟! اين تنظم الدراسات حول كيفية افادة اكبر عدد من شعوب الارض، ما زالت محرومة منه، من الانترنت؟

جوزف صفير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق